تفاحة عباس بيضون
خريف يديكِ
أرى الخريف بين عروق يديكِ وفوق جلد وجهكِ واقول ان الزمن يعود ويفرخ فيها. قام الانفجار في لحظة بعمل قرن كامل ولم يسمح بجريان السنين البطيء والمضجر في شعرك وملامحك. لقد اعاد الوجه مقلوباً ومحطَّماً كأنما استنقذه من فم الأبدية وترك عليه طبعات مرحة لما بعد الحياة.
أرى الخريف في عروق يديك واقول لقد عاد ماء إلى هذه الشرايين، وأقول هل هي المعجزة أم السير المعكوس نحو الموت. أم أنه الصمت نفسه وتقليد الأبدية يعيدان الصدى المخنوق للانفجار الأصلي.
كنت جالساً على المقعد الذي سميته الأحد، وكان هناك الهواء الذي يتكون من كلماتنا، والهواء الذي ينصت في هيئة المدعي، ولم يكن احد يعرف، حتى القَدَر الذي حمل فنجاني القهوة إلينا، ان اسبوعين فحسب يزفران خطراً في الخارج.
تريدينني ان اكتب ولا نعرف اين نجد الكتاب هل هو وراء دخان المتفجرة ام قوالب الاطفال المدهونين بالتراب. هل نستلمه من الفراغ الذي يتكاثف حولنا، اذا كان المجهول نفسه كتاباً. المجهول الذي قد يتقدم على صينية في المقهى، قد يتألم في عمودي الفقري او يعرق على جبيني، قد يسبح في الخارج او يكمن في مربعات القميص المكروه الذي ألبسه نيابة عن ابني.
تريدين أن أكتب، ولا تعرفين اذا كان سهلاً ان نكذب على المباني المقتلعة او نقلد السلالم المعلقة وحدها في العراء، اذا كان الاسم الذي نتمضمض به سيبقى حقيقياً بعد المرة الثالثة، اذا كانت الدموع ستبقى صحيحة. ام اننا لن نجد سوى سطر واحد من الانقاض والموتى.
برقة ألم
أرفع ذراعي فأحسّ ببرقة ألم مفاجئة. أهو وجع حقاً أم مجرد إحساس او حتى فكرة شاردة عبرت جسدي. ظهر هذا خاطفاً وواضحاً وسريعاً كاعتراف أو بصقة. سيكون هناك مزيد من الألم، لكن ايضاً مزيد من الوعي. حمل هذا الجسد أوجاعه كالجمل الذي يحمل اثقالاً، وطالما تخلص من قوته في أي مكان. لقد كبت طويلاً إحساسه وها نحن نسمع في الذراع المرفوعة هذا الإعلان البسيط عن معاناتها. هكذا نعرف أن العظم الذي نحمله ليس خشبة، إنه هكذا يتكلم عن نفسه وهذا هو صوته الطبيعي.
قلما نفهم ماذا تقول برقة ألم مفاجئة سوى ان هذا يشبه فراقاً تم بلا احساس، انه يؤلم في مكان ما خارج النفس التي طردته، ذكراه قد تعود في جذع محطم او ورقة منبوذة على الرصيف. ذلك الثقل الذي نحس به في أعلى الذراع قد يكون الأثر الباقي لخوف عطل المخيلة، أو أحرقها كما يفعل تيار بمصنع. حين يغدو التوديع عمل الحياة الوحيد فإن الذاكرة التي تتماوت لا تتزحزح عن الباب. إنها تحيّي باعتذار ولا تشيّع زوارها، تنظر الى ما وراء الاشجار حيث الجريمة تعمل بقانون الحياة الطبيعي نفسه. ماذا تقول برقة ألم مفاجئة في أعلى الذراع سوى أن هذا الحد لا صورة وراءه سوى الانين الذي نظن أنه صوت الذراع الطبيعي.
حجرة من ضلعين ومن «أحبك»
الكثير بقي ورائي، القليل الذي أمامي لن أمسه كثيراً. سيكون هناك سهر طويل بقليل من الوقت، سنحصل على متع أكبر بدون كلفة تقريباً وسأعيش بدون نقود طارداً الحياة بالحب والشعر. صلي لي لأعرف أين أحبّك، إذ لا ملك لي ولا سقف، انها اعجوبة لكن تمت او غرقت، قدر لكن غدا خادماً. الحياة قطعتها بسرعة ولي فقط هذا السطح أحضنه وأخرج حافياً، لي الرصيف أُدليّ قدمي عليه. حياتي أحسبها بالمربعات واقول هكذا احبس حسرتي، هكذا اصفّي الشعور الصغير الذي يتبعني كالفأر. صلي لاعرف اين احبك اذ امضيت كل هذا الوقت في حياتك. اذ كفانا جسدك نحن الاثنين.
حاجتي قليلة لأكون أنا او اي شيء آخر، قلما اجد رأسي واقول يمكنني أن أبيت بلا سقف. لا أجد كبريائي وأقول إنهض بدون عمودي الفقري. لا اجد غضبي واقول اتدفأ بلا حطب واقول سأكون سيداً بعد ذلك، أما الآن فأحبك وأعرف أن هذا تعب في صدري، أبني حجرة من ضلعين ومن «أحبك». ادفع الباب الصغير على المجهول، اثبت السرير الصغير على الريح والحق حائطاً هو الأفق. احبك واسير على الجليد الذي هو نفسي، على الطين الذي هو حكمتي. أربي المجهول في فمي. أصنع الاوكسجين الكافي لكلامي. اترك «شكراً» على السرير واطرق كل ليلة الحد الذي قد يكون جرحاً في الأفق.
بلا احلام وبلا ليال بيضاء، الطين يرى رؤى. الفكر يتذكر على السطح، ووحده الحب يكدح بصمت في القاع. صلي لأن الحب الذي يغدو حقيقة ينتشر في الجسم، لأن الحب الذي يغدو عقلاً يندفن في المادة البنفسجية، لأن الحب الذي يغدو صمتاً يرقد في لب العظام. صلي لأعرف اين احبك في راحة العقل الذي عاد في الرياح الهادئة بلا قلوع. في العمق الذي تحت لساني ونظري. صلي لأن من اجل اليوم الإضافي الذي أقضية قربك قامرت بفقرات ظهري. صلي لان مزيداً من النوم يدخل في الروح، مزيداً من القلب يدخل في الصميم، مزيداً من الوقت يدخل في الوقت. الكثير لا يزال فيّ يا حبي، لكني أحتاج خلاصة انقلها الى الضفة الاخرى. انه عمل اكثر من الحياة نفسها: تحليل التجربة في قارورة، حمل العمر في كتاب ليمكن إهداء الخاتمة لك، إهداء صمت إضافي الى كتفيك والسر الذي قسم ظهرك. سيكون هذا عمل الأيام الآتية، انظر الى كتفيك يقلعان في المحل نفسه، الى ظهرك يستعيد صفحته كل مرة واقول انه بياض عيني، إنه حائطي الى السماء. واقول اننا بقليل من الوقت نطرد العمر، بقليل من الوقت نطرد الحياة، إنه شيء لا يوزن بالتجربة ولا سبب ليعود. سأهديك هذه الخلاصة البيضاء ولا أعرف أين أحبك في راحة الغضب الذي عاد حطباً، في راحة القلق الذي عاد معاندة. لا اعرف اين احبك في راحة الحب الذي عاد قادومية او صمت القلب المكتفي الذي يصرف تحت أسنانه «شكراً».
هبوط اضطراري
في القاع حيث توقف المصعد أجد الباب. كان هذا أشبه بهبوط اضطراري في الطابق غير المناسب، الغرف غير المناسبة نعطيها للحب. يمكن أن ينكسر المفتاح الكبير في القفل أو يصّر الباب اللعين فجأة. يمكن ان تكون الستارة مأكولة من الأسفل ولونها الأحمر يحملق كتشهير رخيص، ولا تزال تلك الجملة الحمراء ترقص في الجو. السرير الحديدي مطهّم وعلى الرغبة أن تتوازن بصعوبة فوقه. الأماكن غير المناسبة نعطيها للحب. الباب موارب والناس منتشرون فوق البلكونات وضجة النهار تنفذ ببطء إلى هذا المخبأ، لكن الرغبة ترتفع كلما نزل المصعد. شق بين الثديين، الرغبة في النصف تماماً، إنها تقسمك كتفاحة. سيكون جسدك ساعة هذه الغرفة وسينتظم كل شيء كنفس متصل. الستارة الحمراء التي لا تني تحملق والمكيف الذي يبصق والطاولة العرجاء، الاماكن غير المناسبة نعطيها للحب. امتص إبهامك. استدعي الرغبة من أطراف أظافرك، فيما لا قوة لي بعد على ان امرِّغ وجهي بين فلقتيك الكبيرتين، إذ يمكن استدعاء شيء ما من حديد السرير البارد وحافة الطاولة. سيكون هذا الفالق بين ثدييك هو القانون وسألمسه بورع. سيكون المجهول بين نصفيك ولن تكون لي نَفْس لأتقدم إلا أن يرتفع العالم في حوضي وأنا أواصل هبوطي الاضطراري على ظهرك.
طبيعة ثانية
كان الليل حياً وموجوداً كقوة سائلة، وكنت صاحياً كعظم ولم يحصل شيء. كان رأسي يعبئ نفسه بنفسه كبطارية ولم يحصل شيء. عملنا معاً، أنا وهو، بدون ان نرتاح، ولم نفعل شيئاً. مع ان تخصيب ذلك كان ممكناً بلا مشقة، ملعقة شمس قادرة على تموين أرق اسبوع. كان في وسعنا توليد طاقة كافية، وبالفعل انفجرت أفكار هائلة ولم تترك أثراً. أمكن أيضاً توليد كهرباء من سهر طويل، لكن الحديث لم يعد موصلاً جيداً. كانت هناك أفكار تنتحر وأفكار تأكل بعضها، لكن قوتها السلبية لا تفيد. أمكن شراء بلدان عديدة بلعبة «مونوبولي»، لكني احتفظت فقط بمفتاح رمزي. كانت حياتي حائطاً وحيداً يمكن طيه وتحويله الى مائدة او الى سقف. احيانا كانت السماء حائطاً، ولم نعرف ماذا يحصل من إبادة ذرة صمت، وأي طاقة تتولد من تفجير الشيزوفرينيا الهادئة التي عشت فيها كما لو كنت انتقل في بيت زجاجي. احياناً كان الأفق حائطاً وفي الإمكان النوم في تفاحة وسماع البذور تتحدث في داخلها عن المستقبل. بالقدر نفسه يمكن سماع انهدامات اركيولوجية في رقعة جلد. ربيت عصافير في رأسي لا تتوقف عن الزقزقة، وواقعاً في منشفة مزدحماً كبصمة حليقاً كوجهي. لكن ذلك لن يستمر لوقت طويل في سطور مرتبة، ولن نجده بعد منسقاً في كاتالوغات. ستتوقف الرغبة عن التماوت ولن تتظاهر الكآبة بأنها تشكل مع الانتحار ديو موسيقيا. هذا الكلب الذي هو طبيعتي الثانية سيكف عن النباح لي كلما ضعت بين الرياحين، لن أسمع بعد اسمي يرن كالجرس ليعيدني كلما انسللت.
صالة للفراغ
أبحث عن الدمار فلا أجده مع أنه كان طوال البارحة أمام المصورين، لا بد أنه غار في الناحية. ماذا فعلت أطنان القذائف والطلعات الجوية أكثر من توسيع الحفرة. هذه المباني تدمرت كل يوم تقريباً لكن ذلك لم يعد يؤثر، لربما أضاف فقط بعض الترتيب وبعض الفن، إذ لا نفهم كيف يغدو الحطام أقوى بعد أن يتجاوز الضربة الأولى. كيف يكون في وسع حجر عار أن لا يأبه بالانفجار. لا بد أن الموتى تحت الأنقاض كانوا أيضاً غير مكترثين ولم يشكوا في أن أحداً لا يستطيع قتلهم مرتين، الأطفال الذين اقتُلِعوا من هنا كانوا أصحاء للغاية والغلاف الذي حماهم كان لطيفاً وشفافاً فوق ثيابهم التحتية. لم يكن هناك خدش فقد مسح التراب كل الخدوش. خدودهم المعافاة أغرتنا بأن نؤرجحهم للأعلى لكن هذا سيكون خرقاً منا. فكرنا بأن الموت لم يكن صعباً إلا في المرة الأولى والدمار لم يستحق اسمه إلا في تلك اللحظة. لو كنا أطفالاً للعبنا بالأنقاض لكن ذلك سيكون في عمرنا خفة غير محتملة. الشاحنات التي نقلتها فعلت ذلك بدون احتياط، رفعتْ بيوتاً كاملة عن الأرض كما لو كانت قشاً بلا وزن. لعبت الجرافات بها وكنستها تماماً، وحين أفرغتها على الشاطئ، انتظمت بدون قصد وتكوّن منها سنامان جميلان متقابلان أمام البحر، سميناهما قبر الأخوين. أما الحفرة فبعد أن كنست صارت صالة للفراغ.
جيوب الوحشة
تلك المباني المسطحة والمنكمشة كصفعة، الجامدة كأنما يبست في العراء. الطلاء الذي عليها رطب كماكياج يسيل على العيون، إنها تتثاءب كجنود ينامون بأحذيتهم وتحملق كفلاحين يتجولون بالبيجامات، الشوارع تنبح بصمت قبل أن تتبدد في الشمس. ستكون هناك بقعة نشأت من المجهول. سيكون هناك مزيد من السترات الواقية المعروضة بالمزاد. إذ لا يعلم أحد ماذا تكون هذه البلكونات الصغيرة سوى جيوب للوحشة، ماذا تكون هذه الواجهات العارية سلالمها كالأسنان سوى فائض غضب مستهلك، أو سطور متوازية لخوف دوري. إنه أيضاً الفراغ الذي يكنس السطوح والشوارع ويدور في الأنابيب وفي الشرايين وحتى في نبضات القلب التي تسمع مخلوطة بطنين البعوض.
كل شيء في الشارع الآن، الخارج يصفر، الكلاب المارة تنفصل. الواجهات تنفصل ونسمع أفكارنا صريحة وسط الدوي العام. المباني سالمة لكنها ليست أقل تدميراً، لقد صُنِعت تقريباً من بقايا ساعات مفككة وربما من منازل مقتلعة أيضاً. ربما من حياة كان يسهل حملها على جمال أو من حطب غضب مأكول. الحرب التي مرت قريباً من هنا تركت في الرؤوس قنابل لم تنفجر وحكاكاً موسمياً. البواليع تطفح برسائل من هذا النوع، والصفوف المنتظمة، نصف المضيئة في الشوارع، سطور للرهاب.
سؤال على جندي متقاعد
أمسك زهرة فأجد ريشاً على أصابعي. أفكر أن هذا نذير شؤم فهذه اليد التي حولت أزهاراً الى عصافير ميتة، أستطيع أن أفعل بها أموراً أسوأ. أتلقى خبراً مقلقاً على التلفون وأتوجس من أن يكون هذا ما أمسكته قبل هنيهة. في كل مرة تلمس تفقد شيئاً، وبهذه اللاحساسية نقتل دائماً حياة أدنى. قد يكون هذا ما يجري في عقلي وإلا فإلى أين تذهب زمر متزايدة من الكلمات والأسماء، ولماذا أشعر دائماً أن طبقات من وجود حي وذكريات غرقت فيه. تبقى المعالم الكبيرة لكن من يعلم إذا لم يكن تحتها معالم كبيرة أيضاً. وماذا يروّع إن لم يكن الدوي الذي لا يصعد إلى السطح. ننظر فنقتل أشياء أصغر تحت النظر ونفكر فنخسر أفكاراً أخرى إذ ينبغي أن نبدأ دائماً من شيء ميت. إنها قدرة على الاختفاء ممنوحة لنا، بدون ثمن، لكن مقدمة لأمر أعظم.
الانفجار الفظيع محصور في رقعة ضيقة وتحت خيمة. لم يحدث أي فوضى وسنتعجب من مقدار حرصه ونظافته. سيكون رائعاً هذا الوجود المضغوط في كبسولة والباقي دائماً تحت واجبه، هكذا بالطبع لن يكون هناك تضييع أو تأخير. لن نصطاد أشياء بأفكار أكبر منها ولن نخلق بمجرد اللمس غيلاناً أو أوبئة. إذ ماذا يحدث حين تكسر مناشير مرئية بالكاد حيطاناً أو تتحول مدينة الى بقعة واسعة من الشحم. حين يحدث كل شيء بهذا الحجم وحده، وحين يجري تقديم قطع ضخمة وإطعامها للفراغ. ولا يمكن بالطبع سماع موسيقى صغيرة تحت الحجارة ولا التنبؤ بولادة عشبة هناك. ماذا يحدث ليدين اشتغلتا كالمطرقة وحملتا من التراب الشفاف أطفالاً وعرضتهم مقلوبين أمام الكاميرات. ليدين خرجتا من الجدران كالرافعة والتقمتا سلالم معلقة وأجنحة منهارة. الجلد يتكوم على القلب وعلى الأيدي، ولا يمكن طرح سؤال كهذا على جندي متقاعد أو على زهرة.
النصر يبكي أكثر من الهزيمة
نحب الجيش الذي لا يذهب الى الحرب. الجنود لا يبيعون الورد لكن هناك أموراً أهم من النوم في الخنادق. لم نربح معارك لكن كسبنا في مناورات أهم: فالق قاري حصرناه بين السلسلتين، زوابع فرقناها، مخلوقات سقطت علينا ولم يكفها سقفنا، الأرجح أننا احتجنا الى قسم من السماء لإيوائها. تلك هي حدودنا غير الطبيعية التي يصعب اختراقها. إننا لا نستحي من خدمة الأساطير ولا من بيعها، لكننا بلد قديم ولم تعد للأعاصير والزلازل قوة فيه، إنها بطيئة ونحن نتحكم بحركتها ونعيد عرضها على السياح. زالت المراعي والحيوانات البرية، إنها أرض صريحة كالكف، لقد أزلنا العوائق أمام الجميع، أعداؤنا أيضاً يدخلون بأسلحتهم. واجهاتنا البحرية والأرضية مشرعة كلوحات المفاتيح، نرى من خلالها النفاثات والأساطيل، ونقول نحن في بيتنا.
نحب الجيش الذي لا يذهب الى الحرب. نتفاءل بالجندي الذي نراه صباحاً كما نتفاءل بمضيفات الجو، نحبه كما نحب الجوائز، نريده شاباً وقوياً كأرزة على النقود. نحب الجيش الذي لا يذهب الى الحرب. نحب الجنود الذين يمشون على شواربهم وخطاهم التي لا تصل كأنهم يمشون في كتاب. يربون كلمات وارفة يسقط منها يبس وميداليات كثيرة. نحب الجيش الذي لا يذهب الى الحرب ويتركنا نحن نتحارب. نقتتل على الأسود والأبيض، نرطم بعضنا بعضاً على الأرض الصغيرة ونجن من الحصر. المحظوظون يقتلون السعداء، الحكماء يقتلون الراشدين، الأشقياء يقتلون الموتى. نترك الواقع على الأرض مرمياً في أخبار الجريدة اليومية، نترك المطر يحيي الواقع. نلقي ملعقة كوكايين في الحياة الجارية. نصنع من قشر التفاح مرهماً للحب لكن للسعادة أكاذيبها، نتصارع على خدع السعادة، نعذبها حتى الصراخ. نقتل أيضا جنود الحظ والأرزة البستوني. نلقي ألغازاً على الشياطين ونستيقظ مخنوقين في ربطات عنقنا وأحابيلنا الظاهرة.
نحب الجندي الذي لا يذهب الى الحرب لكننا نكرهه مذبوحاً في المهجع وأرزة مكسورة على كتفه. لا نعرف في أي ميزان نضع الرأس المفصول ولا نعرف الكلمة التي تساويه. قدر مقطوع الرأس أيضاً، إذ لن نستطيع حتى أن نكومه تحت أغصان الشرف المكسورة. الموت يأخذ قياساتنا ولكن أيضاً قياسات نفوسنا وأولادنا، إذ النصر أيها الجنود الموتى يبكي أكثر من الهزيمة.
عباس بيضون
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد