حرائق الحراج كشفت هشاشة الإجراءات وضعف الإمكانات
لننزل قليلاً إلى الواقع ونتلمس العوامل التي تسببت بالحرائق الحراجية الأخيرة في صلنفة والغاب ومصياف والتي دمرت ثروة حراجية باهظة الثمن وأفقدت عشرات القرى الحراجية مقومات الحياة .. قرى عمرها مئات السنين لم يشهد سكانها مثيلاً لهذه الحرائق من ناحية شدتها وعدم توفر الإمكانات للسيطرة عليها.
تعالوا معنا بالتحقيق التالي للوقوف على العوامل التي حولت ثروتنا الحراجية إلى ثروة مباحة لتجار الأحطاب ومرتع للحرائق المدمرة ..؟!
الحريق كبير والوضع خطير جداً والنيران تقترب من المنازل والأهالي يناشدون الحكومة إرسال حوامات لإخماد النار لأن سيارات الإطفاء ورجال الإطفاء لا يستطيعون الوصول للنار لأن الجبال وعرة جداً .. بهذه العبارات وصف رضوان يوسف من قرية قطرة الريحان مناشدات السكان أثناء حريق الصلنفة- الغاب، مشيراً إلى أن الظروف المعيشية لسكان القرية كانت بالأساس صعبة للغاية قبل الحريق بسبب الحرب وأتى الحريق ليكمل الحالة المأسوية لناس لا يستطيعون بالكثير من الأيام تأمين قوتهم اليومي .
فنيران الحريق لم تبقِ شجرة زيتون أو عنب أو جوز بالقرية، و حتى قساطل مياه الشرب ذوبتها، وكذلك أعمدة الكهرباء .فنيران الحريق اجتاحات قرى الفريكة، عين بدرية، ناعور جورين، ناعور شطحة، قطرة الريحان، الحورة، عين الحمام والفريكة الفوقا ونبل الفوقا ودمرت ممتلكات سكانها والتهمت النيران بعض المحاصيل الزراعية المخزنة بالمستودعات من تبن وبصل يابس، حيث كان الهم الوحيد لسكان هذه القرى أثناء الحريق أن ينجوا بأرواحهم من كثافة الدخان وحرارة النيران. إذ كان المشهد دراما مؤلمة للغاية في كيفية النجاة من الموت وبالنتيجة إن الفاجعة وقعت والذي يهمنا في الوقت الحالي أن يتم التعويض للمتضررين بهذه القرى.
غياث الراشد رئيس الجمعية الفلاحية في قرية بيرة الجرد قال: لو تدخلت فرق الإطفاء في الساعات الأولى لاشتعال حريق بيرة الجرد لكان أخمد الحريق قبل أن يتوسع شرقاً نحو قرى الملزق. أضف إلى ذلك أن نيران الحريق التهمت بقايا حراج وأعشاب ولم تلتهم أشجاراً حراجية، لأن الأشجار الحراجية تم استنزافها بالقطع الجائر والتحطيب قبل أن يشتعل الحريق ومن يشكك بكلامي هذا عليه بالكشف على موقع الحريق ليتأكد من صحة ذلك، فالقاصي والداني كان يشاهد الدراجات النارية محملة بالحطب وعلى مدى السنوات الماضية تمر أمام عناصر مخفر الحراج ولم يتخذوا أي إجراء بحقهم. ربما كان فعلهم هذا ناتجاً عن زيادة بالنقاء الإنساني! .الله أعلم.ـ
وأضاف الراشد : شاركت برفقة ١٢٠ شاباً من قرية بيرة الجرد بإخماد حرائق حراج مصياف وكنت أنقلهم ضمن المواقع الحراجية بسيارتي الخاصة وتمكنّا برفقة سيارة إطفاء صغيرة من إخماد حريق بالحراج الواقعة بين بيرة الجرد وعين شمس لأننا تدخلنا فور اشتعال الحريق ولم تتجاوز المساحة المحروقة دونمين.
وعن أسباب الحرائق قال الراشد: كل المؤشرات تدل على أن الحرائق في حراج مصياف كانت بفعل فاعل لكن لا تتوفر لدي معلومات مفيدة بخصوص ذلك .فقدنا الانتماء
أبو محمد من قرية عرازليات بالطرف الشمالي الغربي من الغاب يروي أنه عاشر جيل والده وجده. إذ كان سكان القرية يعتاشون من خيرات الغابة التي تزنّر القرية، من تقليم أشجارها واستخدامها في التدفئة ومن تجارة ورق الغار التي تدر دخلاً وفيراً لبعض السكان. أموال بنوا فيها أحدث المنازل ومن زراعة الأشجار المثمرة( زيتون، عنب، رمان، تين) … وفجأة ظهرت شريحة من المجتمع لا يهمها الغابة والتي تعتبر مصدر دخل أساسي للسكان وبدأت بالقطع الجائر للأحطاب، وأي شخص يتفوه بكلمة بوجههم يشبعوه محاضرات بأن الوضع هكذا ونحن اشترينا الغابة وفعلاً لم يتم توقيف أي من سياراتهم المحملة بالأحطاب الحراجية من قبل أحد بالمنطقة بفعل الحرب ولا من قبل المخافر الحراجية ..
وقد تحول سكان القرى الحراجية إلى مستنزف للغابة أو متفرج على استنزافها وكانت النتيجة فقدان الإحساس بالانتماء للغابة، وبذلك فقدت الجهات المعنية بحماية الحراج هيبتها ولم يعد بإمكان النزيه فيهم الوقوف بوجه هؤلاء الذين تحولوا إلى مستثمرين لا يهمهم الحرائق وتأثيرها على ديمومة الغابة وهذا أوجد جيلاً من المستهترين بالغابة من السكان ومن العاملين بالحراج.المهندس أوفى وسوف المدير العام للهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب قال : لدينا مشكلة بالعلاقة مع سكان القرى الحراجية. إذ لا يمكننا القيام بأعمال تجاه سكان هذه القرى تخلق حالة عدائية بين السكان والغابة لأن ذلك ينتج عنه أفعال مدمرة للغابة في وقت نسعى فيه لإيجاد علاقة حميمية بين السكان وعناصر الحراج والغابة ولذلك لا بد من اعتماد برامج توعوية للسكان للوصول إلى هذه العلاقة الحميمية.
وأكد المهندس فايز محمد مدير الموارد الطبيعية بالهيئة أنه أثناء إخماد حريق صلنفة الغاب تعرضت أكثر من إطفائية للضرب بالحجارة من قبل بعض سكان القرى التي وصلتها النيران وأصيب بعض عمال الإطفاء بجروح ورضوض لأن سكان هذه القرى ليس لديهم معرفة بضآلة الإمكانات المتوفرة لدى دوائرالحراج لمواجهة مثل هذه الحرائق لافتاً إلى أن (حراج الغاب) لديه ١١ سيارة إطفاء وبلدوزان وتركسان وخمسة مناشير حطب و٣٠ عامل إطفاء، أغلبهم أعمارهم تزيد على ٥٠ سنة ولا يمكنهم القيام بأعمال إطفاء الحرائق بالشكل المطلوب. بالإضافة لـ ١٣٠ عاملاً موسمياً.
صحيح أن حرائق الحراج الأخيرة في الغاب ومصياف بشدتها ووعورة مواقعها تفوق إمكانات الحراج الحالية، وهذا استدعى مؤازرة الجيش والطائرات بالإخماد، لكن كل ذلك لا يبرر حالة الاستهتار التي كانت مسيطرة قبل اشتعال الحرائق على الكثير من سكان القرى الحراجية ومن عناصر الحراج. وهذا له دور مؤثر بالذي وصلنا إليه من تدمير للثروة الحراجية. فهل نتلمس بالمستقبل القريب قرارات فيها من الصلابة ما يعيد للحراج هيبتها…؟!!وبيّن المحمد أن الحاجة الفعلية لحراج الغاب هي ٣٠ سيارة إطفاء وخمسة بلدوزرات وخمسة تركسات و٦٠ منشاراً و٦٠ عامل منشار و ١٠٠ عامل إطفاء بسن صغير، مدربين على أعمال إطفاء الحرائق الحراجية و ١٠٠ عامل ترحيل للأحطاب وهذه الإمكانات غير متوفرة بالوقت الحالي.
يروي المهندس رفيق عاقل عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة أن حرائق الحراج الأخيرة كشفت ثغرات جوهرية في عمل الحراج. فلا بد من ربط المجتمع الأهلي بالغابة ليكون شريكاً حقيقياً بحمايتها وهذا لا يمكن تحقيقه إلا في حال كان هذا المجتمع شريكاً فعلياً باستثمار الغابة وأن يكون مستفيداً منها . وتبين أثناء إخماد هذه الحرائق أن عمال الإطفاء الموسميين لا يمكن أم يكونوا بمستوى العمل المطلوب، فأي عامل منهم يتعرض لأذى بسيط أثناء الإخماد يترك الحريق ويذهب إلى منزله، بينما العمال الدائمون تعرضوا لإصابات وكسور أثناء إخماد الحرائق وتابعوا عملهم رغم إصابتهم نتيجة المسؤولية الملقاة على عاتقهم، فالمؤكد أن تعيين عمال موسميين بإطفاء الحراج عمل فاشل بكل معنى الكلمة.
أضف إلى ذلك كان واضحاً أثناء إخماد الحرائق نقص كبير بالمعدات الهندسية وأن خطوط النار لم تكن كافية ولذلك لا بد من مضاعفتها والأهم من ذلك من الضروري تقسيم المناطق الحراجية إلى خلايا جغرافية وتعيين خفراء لكل خلية، تقع عليهم مسؤولية حماية الموقع ولديهم سجل يدون فيه أسماء الداخلين إلى الغابة والهدف من دخولهم وساعة مغادرتهم.وعن التعويض للمتضررين قال عاقل: إن القوانين والأنظمة لا تشمل التعويض للمتضررين من هذه الحرائق وإنه لا يعلم شيئاً عن الإجراءات التي ستتخذ بخصوص ذلك .
العقيد حكمت أبو شقرة مدير منطقة الغاب قال : عادة نبدأ التحقيق بالجرائم المرتكبة بالدوافع الجرمية ونستفيد بالتحريات من الاتصالات الهاتفية للفاعل، لكن بالحرائق الحراجية الوضع مختلف، فالحريق يبدأ فجأة من منطقة غير مأهولة وخلال دقائق يتوسع ويغطي دخانه المنطقة وتبدأ التحريات بالبحث عن الأشخاص الذين كانوا بمنطقة الحريق من خلال إفادات الشهود. في حريق ناعور شطحة تم الاشتباه بثلاثة أشخاص لا يزالون متوارين عن الأنظار وتمت إذاعة البحث عنهم ، علماً أنه لا تتوفر أي إثباتات عليهم أنهم مفتعلو الحريق حتى الآن. بينما أكد اوفى وسوف مدير هيئة تطوير الغاب أنه تم الاشتباه بثلاثة أشخاص بالتسبب بحريق أبو كليفون وتم توقيفهم من قبل الجهات المعنية.
وفيما يخص حرائق حراج مصياف أكد العقيد محمد جعفر مدير منطقة مصياف أن حريق الحيلونة – اللقبة سببه مشاحر فحم بمنطقة الحريق، بينما سبب حريق الشيخ زيتون الذي امتد إلى الفندارة وبستان الفندارة أرض زراعية ويجري الآن البحث عن أصحاب الأرض وكذلك في عين شمس فالحريق شب بأرض زراعية وامتد إلى الأراضي الحراجية.إلى الشمال من مصياف وفي موقع حراجي تكسوه أشجار السنديان وكأن يد البشر لم تطلها وكان كلام الخفير المكلف بحماية الموقع بالبداية فيه بعض التحفظ لأنه أراد أن يخفي مخالفته لتعليمات إدارته بالسماح للسكان المحليين في القرى المجاورة للموقع بتقليم الأشجار الحراجية مقابل أن يحافظوا على الموقع من القطع الجائر ومن الحرائق، ولم يكن من السهل انتزاع هذا السر ( سر مخالفة التعليمات ) من هذا الخفير، فهو يخشى معاقبته بنقله خارج المنطقة، بينما من مصلحته أن يستمر بعمله بالقرب من مسكنه وتستمر فائدة السكان من بقايا تقليم الأشجار. وهنا لا بد من التوقف عند حقيقة أن هذا الخفير الحراجي ببساطته والذي حافظ على الموقع الحراجي المعني بحمايته في وقت عجزت دوائر الحراج بكوادرها عن حماية الكثير من المواقع الحراجية المعنية بحمايتها .. فهذا الأمر يحتاج مليون إشارة استفهام وتعجب ..!؟
تشرين
إضافة تعليق جديد