سيدة تبحث عن ملجأ يقيها العنف وطفليها

09-04-2011

سيدة تبحث عن ملجأ يقيها العنف وطفليها

يشكل العنف الأسري سبباً هاما من الأسباب التي تلحق الأذى النفسي و الجسدي بالمرأة، فهو يشمل مجالاً واسعاً من التصرفات من قبل الرجل لاخضاع المرأة لارادته و اذلالها وارغامها على القيام بأعمال لا تريدها، وتحطيم شخصيتها، سواء عن طريق الضرب او الإهانة بالكلام كمناداتها بأسماء مهينة كأسماء الحيوانات مثلاً أو من خلال التقليل من قيمتها أمام الآخرين و الايحاء لها بأن تصرفاتها غير متزنة و غير ذلك...
قصه "س" مشابهة لقصص كثيرة في مجتمعنا، فهي كغيرها خافت من أن تلتصق بها كلمة عانس مدى الحياة، وأرادت حياة أخرى تخلصها من العمل وراء ماكينة الخياطة التي رافقتها أربع عشرة سنة لتعيل بها أسرة مؤلفة من ستة أشخاص تركها معيلها باكراً.
تبدأ "س" "بدأ يظهر عنف زوجي من الأسبوع الأول لزواجنا، ضربني لأول مرة لأنني لم أتجاوب معه جنسياً، حيث كنت أخجل منه و لم تتجاوز معرفتي فيه شهراً قبل الزواج، وكان يبرر جفاءه العاطفي أمام اهله بخوفه من نعته بأنه تابع لزوجته، تتالت المواقف وزادت درجة عنفه، فأخذ يضربني لأتفه الأسباب و أنا لا سلاح لي سوى البكاء، حتى أنه حاول مرتين خنقي لمرحلة الموت، ومع هذا تحملت لأنني كنت أتخيل أن ماكينة الخياطة تنتظرني عند أهلي. جاءت الطفلة الأولى ثم الصبي، و انتقل العنف إلى الأولاد فصرت ارد كذلك ضرباته للأولاد بجسدي "
تتعدد دوافع العنف ضد المرأة إلا ان العادات والتقاليد التي اعتادها مجتمعنا هي عامل رئيسي، حيث تتطلب من الرجل حسب مقتضيات هذه التقاليد قدراً من الرجولة في قيادة أسرته من خلال العنف والقوة وذلك فهما المقياس الذي يبين مقدار رجولته وإلا فهو ساقط من عداد الرجال وهذا النوع من الدوافع يتناسب طرداً مع الثقافة التي يحملها المجتمع وخصوصاً الثقافة الأسرية، إن القيم الثقافية والمعايير الاجتماعية تلعب دوراً كبيراً ومهماً في تبرير العنف، إذ أن قيم الشرف والمكانة الاجتماعية تستخدم العنف أحياناً كواجب وأمر حتمي.
فقدت النطق مرتين و لجأت إلى المشعوذين و الدجالين....
تتابع "س" " نتيجة لخوفي الدائم منه و عدم قدرتي على الرد على كلامه و ضربه، صرت استيقظ ليلاً فاقدة الذاكرة و لا أتعرف عليه أو على الأولاد كما انني فقدت القدرة على الكلام بشكل مؤقت نتيجة للضغط النفسي و قد حذرني الطبيب من هذه الحالة و أخبرني أنه يمكن ان افقد النطق دائماً إذا تكررت، طبعاً ماكينة الخياطة عادت لترافقني في بيت زوجي لأنه عاطل عن العمل و غير مسؤول، فقد أوصلنا إلى حالة مزرية من الفقر لدرجة أن ملابسي و ملابس أولادي من عند أخواته حتى الداخلية منها"
أن القوي في الأسرة سواء كان أباً أو زوجاً أو أخاً أكبر يتمتع بكل الحقوق والامتيازات التي تضمن له أن يسمعوه ويطيعوا وإلا تعرضوا للأذى الشديد. و نتيجة لتحجيم دور المرأة في كثير من الأسر العربية و غرس دونيتها و تبعيتها للرجل يجعل من العنف الممارس عليها شر لابد منه و بالتالي تتحمل و تضغط على نفسها من أجل اولادها و سمعتها أمام الأقارب و الجيران التي تكون قد انتهكت طبعاً، و تتراكم في داخلها آثار العنف التي تظهر عاجلاً أم آجلاً، تدريجياً أم دفعة واحدة مسيية لها الأذى الشديد.
قتل الطفلة التي في داخلي، وقتل المرأة التي يجب أن أكون...
تكمل"أبي هو سبب مأساتي في الحياة، افقدني ثقتي بالناس و بنفسي، كنت في الصف الأول عندما بدأ يتصرف معي بطريقة غريبة كأن ينام بجانبي و يتلمسني، أو يضمني و يقبلني بطريقة تجعلني أنفر منه على الرغم من صغر سني عندها، إلى أن طلب مني مرة أن أنظف الحمام، و عندها دخل خلفي و أغلق الباب و طلب مني أن أخلع ثيابي. و أخذ ينزع ثيابه، بدأت بالبكاء و خرجت بسرعة باكية، كان موقفي محرج جداً بين أخوتي، و لم يتوقف الامر عند ذلك بل أتذكر أنه أمسكني من ذراعي أمام أمي و بدأ يسألني ابنة من أكون لأنه يشتهيني بطريقة لا يشعر بها تجاه اخوتي. طبعاً علم الجيران ما حدث و انهالت الأسئلة و من ثم الذهاب إلى الطبيبة لفحصي للتأكد من سلامتي و..."
تتضارب مشاعر الطفلة المغتصبة من أحد أقربائها الذي يؤدي إلى إحساسها بالعجز والاستسلام، فهي ترفض ما يقوم به المعتدي و بنفس الوقت لا تريد أن تفقده لحبها الشديد له، فتشعر بالعجز المعنوي و الجسدي و بالتالي تفقد القدرة على المواجهة، حيث أن شخصيتها النامية تكون هشة لا تتجرأ على الاحتجاج. وخاصة أن بعض الآباء يبررون سلوكهم لأطفالهم بالقول" هذا عادي وكل الآباء يفعلون ذلك" او يلجؤون إلى التهديد " إذا أخبرت أحد سأضربك" أو إلى الإبتزاز العاطفي" إذا لم تفعلي ما أطلبه منك سأغضب و لن أحبك أبداً"
و بالطبع يؤثر ما يحدث على الطفلة فيجعلها تعيش في خوف دائم يستمر معها إلى مرحلة النضج يرافقه شعور بالإهانة و الدونية و تفقد ثقتها بالرجال فيصبح أي ذكر هو مشروع مغتصب جديد.
أحتاج إلى من يضمن حمايتي و حماية أولادي...
و تقول " انا الآن لا أرى مستقبلي أبداً، لا فرق بين وجود هذا الرجل أو غيابه، أعلم أنني يجب أن أتركه و لكن خوفي الشديد من أن يؤذي أولادي و يؤذيني كما يهددني دائماً في حال تركت البيت، و مسؤولية تربية الأولاد، و نظرة المجتمع لي كمطلقة، و عدم وجود مكان أسكن فيه، كلها تجعلني أفكر في اتخاذ هذه الخطوة، أريد من يدعمني معنوياً، و يضمن لي الحماية من مرضه..."
على الرغم من وجود بعض المؤسسات فيما يخص العنف الأسري، إلا أنها تحتاج إلى تفعيل دورها بشكل أكبر عن طريق وجود مكاتب لها موزعة في المناطق تقوم بالتعريف بها و بدورها و طريقة عملها كما تعمل على نشر التوعية و الإرشاد و التوجيه في مجال الأسرة و أهمية استقرارها و توضيح الحقوق القانونية للمعنفات، كما أننا يجب ألا ننسى أن مجتمعنا ذو سلطة و تربية ذكورية ضحيتها الرجل كما المرأة التي تحدد له شكل التعامل و الدور الممنوح له من قبل المجتمع، فهو القوي الذي لا يبكي و الذي يجب ألا تثنى كلمته، إن هذه التربية هي أحدأسباب العنف مما يتطلب وجود مؤسسات تختص بالأزواج المعنفين.
ظاهرة العنف شانها شان غيرها من الظواهر الاجتماعية تحتاج لمعرفة حجمها الحقيقي والوعي بالعوامل الموضوعية لفهم الظاهرة وتحليلها، ووضعها في سياقها المجتمعي، و البحث عن أسبابها حتى نكون قادرين على التعامل معها بطريقة فعالة و ناجحة.

هبة الحلبي

المصدر: الثرى

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...