"عايزة أتجوز": ثلاث طبعات في ثلاثة أشهر

15-08-2008

"عايزة أتجوز": ثلاث طبعات في ثلاثة أشهر

رغم أن كتاب غادة عبد العال، الصيدلانية المصرية بنت المحلة الكبرى المولودة عام 1978، يتناول أحوال الفتيات المصريات اللاتي لم يتزوجن حتى الآن، إلا أن الكتاب يمكن تعميمه على مجمل الفتيات في عالمنا العربي بنسب متفاوتة. الكتاب في الأصل عبارة عن مدونة أسستها المؤلفة من أجل البوح والتنفيس عما تواجهه الفتيات من صعاب مختلفة من أجل الحصول على عريس. كما أنه يعرض للظروف المختلفة اللاتي يواجهنها إبان عمليات التعرف المتواصلة والفاشلة على المتقدمين لهن من أجل أزواج. ومن الأهمية بمكان أن يعلم القارئ أن الكتاب صدرت منه ثلاث طبعات في خلال ثلاثة شهور فقط، وهى حالة نادرة في عالم النشر بالعربية. 
والكتاب عبارة عن هواجس تم بثها عبر صفحات الإنترنت لتنتقل بعد ذلك في سلسلة جديدة أسستها دار الشروق المصرية تحت عنوان "مدونات الشروق". وتعتمد هذه السلسة على إعادة طبع المدونات التي ثبت أهميتها وذاع صيتها بين متصفحي الإنترنت. ولعل هذه السلسة تثبت بشكل كبير أهمية التلاقي بين الكلمة الالكترونية وبين الكلمة المطبوعة في عالمنا المعاصر. وهو الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من حرية التعبير واتساع حجم التأثير والتعرض للقضايا الاجتماعية الحساسة التي لا يحاول الكثيرون الاقتراب منها من قريب أو بعيد، مثل تأخر سن الزواج في عالمنا العربي بين الإناث على وجه الخصوص.
يندرج الكتاب، رغم حساسية القضية التي يتناولها، ضمن منظور الكوميديا الاجتماعية التي تتناول أعقد القضايا بشكل مرح يضفي على الموضوع الكثير من الاستمتاع.  وهو نوع من الكتابة الذي يضحكنا ويبكينا في الوقت نفسه. فالكتابة الضاحكة تجعلنا نفكر عبر أسطر الكتاب: هل نضحك على تلك المآسي التي تواجهها الفتيات أم نضحك على خيبتنا الكبيرة في تآمر المجتمع والعادات والتقاليد ضد المرأة وضد حقها الطبيعي في أن تتزوج.
لا يجعلنا المجتمع الشرقي نفكر في لحظة واحدة في أحقية المرأة في أن تتزوج، دائما يبدو هذا الحق من حقوق الرجل.  فهو الذي يفكر في الزواج، وهو الراغب في تشكيل الأسرة، وهو المهتم بإشباع رغباته وتكملة نصف دينه، وهو صاحب الحق في الحفاظ على اسمه وإنجاب الأطفال.  أما المرأة فعليها الانتظار والصمت وكبت كل تلك الرغبات والمشاعر التي يسعى وراءها الرجل ويبحث عنها.  من هنا يحمل الكتاب هدفا بسيطا وواضحا يتمثل في إعلان المرأة عن رغبتها في الزواج، بالعامية المصرية السلسة والجميلة "عايزة أتجوز". وبالمناسبة فإن الكتاب مكتوب باللغة العامية المصرية أيضا مثله مثل العنوان. وهى محاولة جديدة ربما تهدف بالأساس لتقريب القضية للقراء ومحاولة الانتقال بها من التعقيد إلى التبسيط.
منذ الصفحات الأولى للكتاب تلح الكاتبة على حقها في أن تتزوج، وتطرح علينا سؤالا مهما: لماذا أرغب في الزواج؟  وهى تطرح علينا مجموعة من الإجابات المضحكة الأقرب للسياق المصري والتي تحمل خفة دم تزيد من عمق المأساة.  فالكاتبة تهتم بالإجابات البسيطة التي تجعل من الزواج والرغبة فيه مسألة ارتباط بالحياة وتفاصيلها الصغيرة التي تجعلنا نتمتع بها.  لذلك فهي تريد أن تتزوج من أجل أن يساعدها زوجها في الحصول على أنبوبة بوتوجاز حينما تخلص الأنبوبة، أو يقتل لها صرصارا ظهر في البيت، أو يساعدها في ركوب الميكروباص والحفاظ عليها من الازدحام المصري القومي، أو أن تطلع غلها وقرفها على زوجها حينما يضايقها رئيسها في العمل...إلخ من تلك الأسباب التي تقودنا إلى عالم من الضحك والاستمتاع.
لا يعني ما سبق أن الكاتبة تهدف إلى مجرد الضحك السخيف غير الهادف، لكنها تنقل لنا تلك الأسباب لكي تبرهن لنا أنها تريد أن تتزوج من أجل أن تحيا حياة عادية وبسيطة مثلها في ذلك مثل الآخرين.  لذلك فهى تقوم بدرجة رائعة ومضحكة في الوقت نفسه بعملية وصف غير عادية تثبت من خلالها حجم الأعباء التي تعانيها الفتاة من أجل أن تتزوج.  حيث ينقلب البيت رأسا على عقب من أجل الاستعداد لاستقبال العريس والحوار معه وإثبات حسن النوايا من أجل التخلص من البنت وتزويجها.  وتكشف الكاتبة عن حجم المعاناة التي ترتبط بالفشل في كل مرة يتقدم لها فيها عريس.  كما تكشف عن حجم الكذب والغرور والغطرسة المرتبط بالعرسان المتقدمين.  فهذا كذاب وهذا قميء وهذا ابن أمه وهذا بخيل وهذا مدعي وهذا قبيح وهذا متغطرس... إلخ من تلك الصفات المنفرة والتي تجعل الفتاة تقبل الوحدة والعزلة على الدخول في تلك العوالم المخيفة والمدمرة في الوقت نفسه.
تؤكد الكاتبة وتحلف بالله العظيم أن الفتيات غلابة وأن ما يشاع عنهن أنهن مفتريات مسألة فيها ظلم كبير.  وهى تكشف أن كل الفتيات يرغبن في الزواج، وأن حكاية التعليم وإثبات الذات وهذا الكلام الكبير والضخم لا يعني أنهن لا يردن الزواج، وهى تختصر البراهين والتبريرات لهذا الموضوع في جملة واحدة: أن الزواج هو الطريقة الوحيدة لإنجاب الأطفال والحصول على لقب أم. 
رغم أن الكاتبة تعلنها صراحة أنها "عايزة تتجوز" إلا أن هذا لا يعني أنها تلقي بنفسها على أي رجل يتقدم لها، فالهدف العميق للكتاب هو الدفاع عن من تعدين الثلاثين أو الأربعين عاما بدون أن يتزوجن.  فالكاتبة التي دخلت عالم الثلاثين تكشف أنها أصبحت أكثر قوة ومنعة وتعودت على حياة الوحدة.  كما أن العمل أتاح لها مقابلة الكثير من البشر وفهمهم والانفتاح عليهم، من هنا فإن تأثيرات العمر لم تعد تخيفها وتضعفها.  المهم أن يفهم المجتمع أن المرأة مظلومة وخاضعة ومقهورة بالعادات والتقاليد، المهم أن يفهم المجتمع مشاعر غير المتزوجة ويمتنع عن استخدام كلمة "عانس" التي تكرهها الكاتبة وتمقتها.
 إذا كانت غادة عبد العال قد أخرجت مكنون صدرها ومشاعرها وتحدثت بالنيابة عن ملايين الفتيات اللاتي لم يتزوجن في العالم العربي، فماذا فعلنا نحن للمساعدة في حل هذه المشكلة التي تمس الجميع؟ وكيف نحل مشكلة تأخر سن الزواج في مجتمعاتنا العربية الفقيرة والغنية على السواء؟!

 

 

د. صالح سليمان عبد العظيم

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...