2.7 كم الى الحضارة !.

19-07-2008

2.7 كم الى الحضارة !.

تصفحت العدد الماضي من صحيفة "الخبر" لأجد وفي الصفحة الأولى مربع يحوي مادة صحفية لا تتجاوز المئة أو مئة وخمسون كلمة لكنها تختصر كل ما أعرفه عن عالم التقانة السوري. فكانت مزيجاً مكثفاً من كل ما صدر قبلها من قرارات حول الاتمتة من المؤسسات الرسمية ، فأتت وكانها تراكم لخبرات عقدين كاملين من قرارات أوصلت الحالة التقنية الحكومية الى ماهي عليه الآن من .... تطور!.
وعنوان هذا الحدث كان " الادارة المحلية ترفض تصديق العقد" ولشرح هذه الابيات كونها شعراً  فالعنوان يعني " الغاء عقد أرشفة  رخص البناء لمحافظة دمشق" ولتضخيم الأمر وشرعنة القرار تم  اضافة قيمة العقد "200 مليون ليرة"، وكأنها يعني رقم كبير!.
وقفزوا بالقارئ الى القسم الثاني من تبيان الاسباب وشرح صحوة الذكاء وقالوا: " إن كلفة البرمجيات وادخال البيانات هي 15 مليون والباقي .... "وهنا كانت ذروة الحبكة الدرامية لمثل هذا القرار " والباقي 184 مليون ليرة هي لأعمال أرشفة الرخص على الماسحات الضوئية ووضع كاتب الخبر كلمة "سكنر" بين معترضتين امعانا في ايصاله درجة فهمه لهذه المادة اثناء تقديمها للجمهور القارئ.
ولتسهيل شرح الجمل السابقة لابد لكم من لفظها بشكل سليم  فالقسم الاول وهو  " إن كلفة البرمجيات وادخال البيانات هي 15 مليون" يجب أن تلفظوه بلهجة التعجب والتهكم وبصوت مضخم وببطئ  وبعد وقفة ومرافقة ابتسامة ساخرة تضيفون "والباقي" هنا تكون قد جهزت المستمع والقارئ للحدث، لتنطلق بسرعة وبلهجة استغرابية مرافقة لغمزة من العين اليسرى  مع هزة رأس بسيطة وسريعة الى اليسار وضمنا حذفنا مبتدأ الكلام وهي هنا " قال شو"  وندخل الى جملة " 184 مليون ليرة ... الخ ".
وهنا يغلق القرار بحزم الوزراء والامراء بطلب الالغاء والاعتماد على الكادر المحلي للمحافظة ، والمتوقع من الجمهور أن يقف بهذه اللحظة ويقول " الله أكبر" .
 أنا لا أعرف عن الشركة أو الشركات التي خسرت أو ربحت عقد المحافظة الملغى ولا أعرف ما هي اسباب صراع دوائر المعلوماتية بين المحافظة والوزارة ولكني أعرف أن هناك   خمسمائة الف ترخيص بناء مخزنة بشكل ورقي في أقبية المحافظة وكل رخصة منها تحوي على الاقل  عشرة صفحات بالاضافة الى المخططات  وأعرف أنه من الممكن أن تصل الرخصة الواحدة الى مئات الصفحات، واعرف أن عملية ارشفتها وتوصيف كل صفحة وتعريفها وجعلها قابلة للاسترجاع والبحث تتطلب خط انتاج كامل من تجهيزات وبشر "أذكياء" مع عمليات استلام وتسليم بالاضافة الى فك وتركيب لتلك الوثائق وتوثيقها.
والاهم اني اعرف أني كسوري أريد أن أرى هناك حركة ما، أي حركة باتجاه المستقبل الرقمي.
خمسائة الف اضباره بمتوسط 20 صفحة لكل اضبارة نحن نتحدث اذا عن 10 مليون وثيقة واذا فرضنا أن كل وثيقة لن تأخذ من المدخل أكثر من خمسة دقائق يكون المطلوب لادخال هذه الوثائق خمسون مليون دقيقة واذا ما قسمناها على 60 نحصل على عدد الساعات المطلوبة لهذا العمل وهي 833333.3 ساعة وبافتراض أن المتعهد سيعمل على ورديتين أي عملياً 16 ساعة عمل باليوم  سينتهي العمل بعد 52083.33 يوم طبعاً هنا الحسبة على مدخل واحد ولكن اذا افترضنا أن المتعهد سيوظف 100 عامل ادخال في الوردية الواحدة سيكون مدة انجاز العمل حوالي 521 يوم أو سنة وخمسة أشهر من العمل المتواصل لمئات الاشخاص.
طبعا هنا لم نحسب وقت التدقيق ولا الاصلاح ولا اصلاح الوثائق التالفة ولا العطل .
نفس الوزارة ونفس المحافظة لم نسمع منهم شيء عن قيمة نوافير ساحة الامويين التي لم أراها يوماً تعمل أو كلفة ملحمة العباسيين التي كانت يوماً ساحة أو عن لماذا لم ينظر عند وضع عقد تأهيل طريق المطار "قبل القمة العربية" استخدام الري بالتنقيط لحوالي 700 مليون ليرة من الحشيش والاشجار التي زرعت على عجل وماتت على عجل وكأن توقيت القمة داهمهم كما يداهم توقيت رمضان التلفزيون وبرامجه كل عام.
واليوم وفي خبر عاجل قرأت خبراً أضاف لغصتي التقنية غصة ومفاده : " قال مدير الاشراف بمحافظة دمشق الخميس بان المحافظة بدأت اعمال توسيع محور دمر قصر الشعب وتأهيله 2,7 كم و كلفة المشروع نحو 700 مليون ومدة الانجاز 6 اشهر".
أي ان كل كيلومتر منها يكلف 260 مليون ليرة هذا ولم ندخل بعد بربع العقد الاضافي الذي اصبح لازمة.
فهل هذا المحور أو الساحة أو الحشيش بقيمة مضاعة عن الاثنتين محسوب بدقة وبكفائة لا تتطلب عدم تصديق العقد أو اعادته، أم أن ذكائنا الصنعي ومحاربتنا للهدر لا تظهر الا على مشاريع الاتمتة؟.

اعتبروا مشاريع الاتمتة حشيش موسمي ، او ساحة سيتم اعادة هدمها بعد تشغيلها أو طريق جديدة تموج عليه السيارة كما لوأنك تسبح على الامواج بعد تسليمه باشهر.

سيدي، واعتبروا أن كل شركات البرمجة السورية محتالين وان كل مدراء المعلوماتية متآمرين، فكم سنخسر ... مليار ... مليارين ، ولكن اليس في النهاية ستربح سورية؟.

برأيكم لو اجرينا استفتاءاً لأهالي مشروع دمر المستفيدين من توسيع الطريق وقلنا لهم أن نفس كلفة توسيع طريقهم ليتسع الى خمس سيارات عوضا عن ثلاثة،  نستطيع أن نؤتمت كامل اعمال المحافظة بخدماتها  فهل تظنهم سيختارون الطريق؟.
جربونا واسألونا .

 

رشاد أنور كامل
رئيس تحرير جريدة الرقميات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...