قصة باص الثقافة الوطنية
أواخر السبعينات كان الوطن باصاً بشبابيك مكسورة وأبواب معطلة، ينطلق بسرعة ويتوقف بسرعة، فيدخل من يدخل ويخرج من يخرج.. بعضهم يدفع للجابي ضريبته وبعضهم يصرخ بوجهه (باص) فيرهب عموم الركاب.. كنا وقتها في الجامعة، وكان (المواطنون) يتعمشقون على باصات النقل الداخلي كما تعمشق أجدادهم بسفينة نوح قبل أن تحط على قاسيون(1).. وكان زميلانا في الأدب العربي المذيعان: محمد العبد الله وجمال الجيش، مثلنا، مندفعين نحو المستقبل –الذي نعيشه الآن- وكانا ينتظران باص المستقبل المزدحم على الموقف عندما توقف أمامهما، فطحش الطاحشون، ثم انطلق السائق، الذي كان يمشي بقوانينه الخاصة، مخلفاً محمداً وجمالاً غير آبه بهما.. محمد العبد الله ركض خلف الباص غير أن جمال الجيش ناداه قائلاً: نحن مذيعان محترمان ولا يجب أن نركض خلف الباص مثل بقية الرعاع.. لكن محمد لم يأبه لكلام جمال فركض وتعمشق ووصل إلى محطة الجزيرة الفضائية بينما بقي جمال واقفاً في الفضائية السورية على الرغم من أنه كان الأكثر ثقافة وموهبة.. فقد كان باص الوطن كسفينة نوح يحمل ما هب ودب، البشر والبقر، ولم تكن النخبة أو شرطة المرور قادرة على تنظيمه وتوجيهه، وبعضهم وقف في وجهه فدهسه أو حطمه وأقعده، فغرق من غرق في المنافي والسجون ودائرة الإهمال.. والآن بعدما أدرك قادة الباص الجدد أن الثقافة هي خط الحماية الأول، فإن الإعلان عن دمشق عاصمة للثقافة، يعني أن تستعيد دمشق نخبتها المثقفة من حديقة الوطن الخلفية فتطلق أسرها وتعيد لها اعتبارها لتضيء إنتاجهم وأسماءهم كما أضاء الطليان ليل (الأمويين) الطويل بالأمس..
نبيل صالح
هامش(1): جاء في القرآن الكريم (واستوت على الجودي) وقال بعضهم أنه جبل في آرارات وأنا أقول أنه جبل قاسيون وكلانا قد يكون صادقاً أو كاذباً فاختاروا ما شئتم.
التعليقات
أين هم من
تحية
المدهوسون
ميترو
انت وسرعتك
شكرا
العز للتاكسي والباص شنق حاله
الباصات والطنابر وايام العناتر
إضافة تعليق جديد