الثقافة الغنائية بين القيم الموروثة والسطحية
«لهجر على تركيا وأنسى الأول والتاني»، «واعدتينا تحت التينه وما جيتينا»، «حبيتك قلبي وروحي قالولك» و «نامي عيني دي نامي دي نامي»، هذه عناوين لأشرطة غنائية باتت بحد ذاتها ثقافة تتناقلها الألسن لتشكل انعطافاً للحياة الثقافية على المستوى السوري.
يطلق بعضهم على هذه «الثقافة» تسمية «ثقافة المطربين الجدد» أمثال علي الديك وزميله وفيق حبيب. وهي «ثقافة» أتت بأغان لولاها لكان جزء من تراثنا تعرض للضياع.
وتبرز في مقدمها أغان مثل «هاجر فوق الرعوشي»، «راحت تقشقش حطب» و «حسنة». وتهوى فئات واسعة من الناس وفي مقدمهم الشباب هذه الأغاني لأنها تحاكي واقع آبائهم وأجدادهم الذي تعرّض لتغيرات عميقة خلال الخمسين سنة الماضية.
«هذه الأغاني تستهويني لأنها تحاكي عقلي الباطني وحنيني إلى الماضي من خلال روايات أجدادي وقصصهم»، تقول منال زيود (26 سنة). وهو رأي يدحض فكرة أن شباب اليوم لا يحنون إلى الماضي، لا سيما إذا كان الحاضر لا يبدو وردياً بالنسبة إليهم.
وعلى رغم أن هذه الثقافة سائدة في الأرياف السورية، إلا إنها انتقلت إلى المدن، بخاصة إلى أبنائها الذين تعود أصولهم إلى الريف.
وهكذا بات هؤلاء مشغولين بهذه «الثقافة» الجديدة كنظرائهم الريفيين بذريعة إنها تساعد على التماسك ورص الصفوف». «جوهر الثقافة الشعبية أو ثقافة الأغاني الدارجة هو مشاركة الآخرين أذواقهم وهمومهم وأفراحهم» على حد تعبير سناء حربا (35 سنة) الذي يفتقد روح الجماعة في شكل تدريجي في مدينته دير الزور. كــما أن لغة الأغاني الشعبية هي لغة أهل الريف البســيطة التي تدعو إلى مساعدة الآخرين وإقامة عــلاقات اجــتماعية غــير مــعقدة على حد تعبيره.
وإذا كان قسم من الشباب يستمع إلى الأغاني الشعبية ويهواها فإن الغالبية على الأرجح تفضل الأغاني السطحية التي لا تتحدث لا عن تراث ولا عن ثقافة بقدر ما تردد بعض العبارات الفارغة أو العديمة المعنى على حد تعبير زاهي عليو (31 سنة).
ويرى عليو أن شباب اليوم لا يستمعون إلى عمالقة غناء أمثال وديع الصافي وفيروز بقدر ما يستمعون إلى أغان «رخيصة» أو غربية يتمايلون على موسيقاها في شكل عشوائي أو أرعن. البعض يرى في ذلك تجسيداً للغزو الثقافي الغربي للأجيال الناشئة التي لا تقرأ بقدر ما تلجأ إلى الفيديو والتلفزيون. وهو أمر يؤكده أصحاب المكتبات الذين يؤكدون أن مبيعات أشرطة الكاسيت «الرخيصة» تفوق بأضعاف مبيعات أفضل كتاب.
وتعزو ربى صادق (21 سنة) ضعف الاهتمام بالكتاب إلى الحراك الاجتماعي البليد والبطيء، إضافة إلى شيوع ثقافة المسلسلات المسلية أكثر من تلك التي تنشر الثقافة.
ولا ننسى كذلك حقيقة أن العلاقات الاجتماعية تشهد فتوراً وتغيرات عميقة تشــجع عــلى تــعزيز الــحياة الــفردية ومعها تشتت الاهتــمامات الــثقافية بــحسب رأي نبال إســماعيل (35 سنة).
ويحذر البعض من خطورة سيطرة لغة الاستنساخ الأجوف على عقول الشباب العصرية، بما تحمل من لغة قاتمة في استهلاكيتها وسطحيتها وابتذالها نتيجة الإفراط في التقليد واحتضان اللغة الاستهلاكية. وهو أمر يؤدي إلى حلول اللهجات الشعبية مكان الفصحى، كما هي الحال في القسم الأكبر من الفضاء الغنائي الحــالي الذي لا يعطي مــساحة للــقيم الــموروثة.
المصدر: الحياة
التعليقات
عصى موسى و جزرة العولمة
ناقة صالح
إضافة تعليق جديد