الزواج محكوم بالفشل في المجتمعات المكبوتة
الجمل ـ محمد عيسى : واحدة من المقولات الشائعة في مجتمعاتنا و التي غالبا ما يرددها المتزوجون حديثا "خلص العسل و بلشنا بالبصل"، و على الرغم من ترديدها على سبيل النكتة إلا أنها تحمل إيحاءات غاية في الأهمية تعكس نوع العلاقة بين الرجل و المرأة في هذه المجتمعات، و أهم المضامين التي تحملها هذه المقولة هو الفهم المراهق – الغريزي للحب بين الشريكين، فهذه العاطفة الأسمى عند الإنسان يمكن تلخيصها بمراحل ثلاث تمكننا من فهم القصور لدى شبابنا في فهمها و توصيفها.
المرحلة الأولى تسمى الإعجاب (chemistry) وهذا المصطلح الانكليزي يوصف الحالة بدقة عالية ذلك أن الجسم البشري يفرز هرمونات خاصة تؤدي إلى الشعور بالإعجاب اتجاه شخص معين و تقوم الحواس العادية لدى الإنسان (البصر-السمع-الشم-اللمس) بتحفيز الغدد الخاصة لإفراز هذه الهرمونات و من ثم يقوم الدماغ البشري بتفسيرها على أنها عاطفة استثنائية اتجاه شخص ما مما يجعله مقبولا و غير منفر و الأهم من ذلك مرغوب جنسيا من الطرف الآخر بحسب المقاييس و المعايير الموجودة أصلا في مخيلة الشاب أو الشابة .
"أنا معجب" بهذا التعبير غالبا ما يبدأ الشاب الشرقي ،على اعتبار انه من يجب أن يبادر إلى التقرب من الفتاة بحسب التقاليد المتبعة في المجتمع، المرحلة الثانية في طريقه إلى الفوز بقلب الفتاة، و هنا تدخل عوامل أخرى متممة لعملية الإحساس المتبادل بينهما، فالمناقشة و تبادل الأفكار و التي يتخللها دراسة فطرية عميقة لنفسية الطرف الآخر تساهم بشكل كبير في انجاز هذه المرحلة و الخروج منها بنشوة الانتصار، أي الاتفاق و التناسب في الشخصيات والخصائص النفسية لكل منهما، وهذا يؤدي- بطبيعة الحال- إلى الشعور بحاجة كل منهما للآخر في تخطي الصعاب و الاندفاع بقوة نحو المستقبل المشترك، و هنا يدخل عامل جديد قد يكون حاسما في تحديد مصير هذه العلاقة ألا و هو الفروق الاجتماعية و الثقافية و المادية، و هذا عامل عقلي بحت، حيث يدفع احد الطرفين إلى التفكير في نظرة المجتمع إليه في حال ارتباطه بشخص لا يناسبه في واحدة أو أكثر من الفروق الأنفة الذكر، إلا انه يبقى عاملا يمكن تجاهله إذا ما توفرت الإرادة لدى الطرفين في البقاء معا و تغليب الحب على الواقع بكل ما فيه من تحديات و تناقضات.
و مما لا شك فيه أن الممارسة الجنسية تكون حاسمة في التوصيف الحقيقي للعلاقة بين الرجل و المرأة، و هذه الممارسة غاية في الأهمية لتجنب الفوارق الكبيرة في الحالة الجنسية بين الذكر و الأنثى و التي غالبا ما تؤدي إلى الخيانة الزوجية أو الطلاق، و استمرار العلاقة بعد الوصول إلى حالة الإشباع الجنسي يعني أن الطرفين لم يعودا شريكين و إنما حبيبين، و بهذا تكون العلاقة قد خرجت من الطور الغريزي إلى حالة إنسانية سامية يمكن وصفها بالحب.
هذا التقديم المختصر يمكننا من فهم أصل مقولة "خلص العسل و بلشنا بالبصل" ذلك أن العامل الحاسم في تحديد نوع العلاقة بين الرجل و المرأة في مجتمعاتنا غالبا ما يبقى غائبا بفعل التقاليد و الأعراف المتبعة و التقيد بالأسس (الوضعية) لمبدأ الحلال و الحرام بحيث يصبح الهدف الأول من الزواج هو الممارسة الجنسية- نتيجة الحاجة إليها بعد سنين طويلة من الكبت-، فيما تفرض بقية الالتزامات الناتجة عن الزواج على الطرفين خصوصا بعد إنجاب الأطفال و الذين غالبا ما يكونون ضمانا لاستمرار العلاقة المشوهة بين الزوجين، و بالتالي ضحية هذا الزواج.
و خلاصة القول أن الإحساس بالحب بين الذكر و الأنثى في مجتمعاتنا يبقى ناقصا و مقتصرا على حالة غريزية (الـchemistry) تؤدي في معظم الأحيان إلى التغاضي عن الفوارق الكبيرة القائمة بينهما بهدف الوصول إلى المعاشرة، بحيث تطفو على السطح بعد الانخراط بزواج رسمي يصعب بعده التراجع، ذلك أن نظرة المجتمع للمرأة المطلقة – بشكل خاص- تكون غاية في القسوة و اللا إنسانية.
الجمل
التعليقات
أعتقد أنة من
الله حيو الزواج
راي شخصي
إضافة تعليق جديد