أوباما يُمسك بالكرة السورية
الجمل- م. ك. بادراكومار- ترجمة: د. مالك سلمان:
إذا استعرنا صفحة من الدراما الجميلة لحرب "البوط – ضد – البوط" بين كريستيانو رونالدو ولايونيل ميسي, يمكن للمرء القول إن الاثنين سيوافقان, على الرغم من عبقريتيهما المختلفتين, على خطورة أن تغيبَ عينُك عن الكرة في ملعب كرة القدم.
ومع ذلك, ارتكبت موسكو ذلك الخطأ أشاحت بنظرها عن سوريا وسمحت لنفسها بالوقوع تحت إغواء أفكارها حول مصر.
ومع ذلك, وقعت روسيا تحت غواية استعادة النفوذ الذي فقدته في مصر منذ أكثر من أربعة عقود. ربما كان الإغواء كبيراً بالعودة إلى القاهرة والاستئثار بالدور الرئيسي الذي كان الأمريكيون يلعبونه هناك بعد الانتهاء من قضية المسرب إدوارد سنودن, عميل "سي آي إيه" السابق.
على كل حال, كانت محاولة طائشة. فما كان يجب على موسكو أن تقع تحت أي وهم بأن الولايات المتحدة ستغادر ضفاف النيل وقناة السويس بكل هذه البساطة.
مجرد مسألة وقت
إن لم يكن بالإمكان إيقاف "المساعدة العسكرية" الأمريكية للجيش المصري – والأدق أن نقول "التمويل التصديري" – فهذا لأن هذه المساعدة "مرتبطة" باتفاقيات كامب ديفيد والتي نصت على أن القاهرة ستشتري أسلحتها من أمريكا إلى الأبد وأن واشنطن ستقوم بتسهيل هذه العملية إلى الأبد.
في حال خالف أحد الطرفين التعهدَ الذي قدمه, من حق الطرف الثاني أن يفعل الشيء نفسه, ومن ثم سيتم حل اتفاقية 1979. الأمر بهذه البساطة, والقيادة العسكرية في القاهرة تعرف قواعد اللعبة.
كشف وزير الخارجية المصري نبيل فهمي في مقابلة حصرية مع "روسيا اليوم" الجمعة أنه بصدد محادثات "موضوعية" مع نظيره الروسي, سيرغي لافروف, ووعد أن الزيارات المتبادلة, التي ستوضح الوضع بين موسكو والقاهرة, هي "مجرد مسألة وقت".
تشير التقارير إلى احتمال قيام بوتين بزيارة سريعة إلى القاهرة. وفي الحقيقة, لا يمكن اختزال مصر في توريد السلاح وقناة السويس. فهي مرتبطة بالإخوان الإسلامويين والإسلام السياسي, والأهم من أي شيء آخر, فهي مرتبطة بعلاقة الولايات المتحدة بالشرق الأوسط الإسلامي التي تمثل فيها القاهرة نقطة المركز.
هذه هي الطريقة التي شرح بها فهمي لقناة "روسيا اليوم" فشلَ محاولات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في جلب الحكومة المدعومة من الجيش في القاهرة وحركة الإخوان الإسلامويين إلى طاولة المفاوضات:
"أولاً, تشير إلى حركات الإسلام السياسي. الإخوان الإسلامويون يريدون العودة إلى الماضي, وهذا مستحيل وغير مقبول بالنسبة إلى غالبية الشعب المصري. وهي ليست مشكلة بين الإخوان الإسلامويين والحكومة أو القيادة المصرية."
وبصفته دبلوماسياً محنكاً, يعرف فهمي أن أفكاراً كهذه تسعد محادثيه الروس الذين عانوا من مشاكل تاريخية مع الإخوان تعود إلى الحقبة السوفييتية.
ما ذا كان سيفعل رونالدو؟ أولاً, كان سيقدر أن لعبة معقدة مثل سوريا لا يمكن اعتبارها منتهية لصالحه حتى تنتهي بالفعل, والأهم من ذلك فإن الحكم يطلق الصفارة ليعلنَ نهاية المباراة.
ما كان رونالدو ليشيح بنظره عن الكرة مع اقترابه من المرمى, شاقاً طريقه عبر صفوف الخصم, وكان سيعرف أن الفوز بالمباراة يشكل الأولوية.
ربما تعثر الروس هنا. فقد انجرفت موسكو مع فكرة أن الوضع الراهن في مصر وضع روسيا على نفس الصفحة مع القوتين الشرق أوسطيتين من الوزن الثقيل الإمارات المتحدة والسعودية. ومن جهة أخرى, فإن التوتر في علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها في الخليج الفارسي عابرة وعادية, لكن الروابط بينهما ذات صفة وجودية يثمنها الطرفان.
أضف إلى ذلك أن مشايخ الخليج الفارسي ليسوا أولئك الشركاء "العلمانيين" الذين يمكن لموسكو أن تتمشى معهم في ليلة ضبابية. فالسهولة التي اختفوا بها حالما ظهر المشروع السوري على الرادار مساء الأربعاء وضعت روسيا في مأزق.
لكن جذر المشكلة يكمن في مكان آخر: ليس بمقدور روسيا أن تضفي سبغة إيديولوجية على استراتيجيتها الإقليمية في الشرق الأوسط. ففي الحقيقة, أصبحت "الإيديولوجيا" كلمة وسخة في مصطلح السياسة الخارجية الروسية بعد الحقبة السوفييتية. ولذلك فإن روسيا تزعم أنها تتصرف على أساس "المصلحة الذاتية". ولكن, من هو الذي لا يتصرف بناءً على المصلحة الذاتية؟
الحقيقة الواضحة هي أن بقايا النظام السياسي الذي أسسته بريطانيا وفرنسا في العقد الثاني من القرن الماضي فوق أنقاض الإمبراطورية العثمانية لم يعد قادراً على الاستمرار. فعلى الشرق الأوسط أن يتحولَ إلى الديمقراطية, لكن المفارقة تكمن في أن ما يجمع روسيا والأنظمة الأوليغاركية في الخليج الفارسي حول مصر هو الكره المشترك للتغيير والإصلاح.
وهناك أيضاً تناقض خطير هنا؛ فمهما أرغى وأزبدَ أوليغاركيو الخليج الفارسي حول الإخوان إلا أنهم مستمرون في التحالف مع السلفيين الذين تحاربهم روسيا في شمال القوقاز وسوريا.
وهناك تناقض أكبر وهو أن البلد الوحيد الذي يتوجب على روسيا بناء مصالح استراتيجية قوية معه في الشرق الأوسط هو إيران, لكنها أهملت تلك العلاقة الحيوية وسمحت لها بالضمور من خلال تهميشها في إعادة ترتيب العلاقات الأمريكية – الروسية التي باتت ميتة الآن.
مهاجم تكتيكي بارع
يدخل أوباما. وفي استعراض رائع للديبلوماسية الإكراهية, تضغط الولايات المتحدة بمشروع فتح سوريا أمام فريق المفتشين الدوليين برئاسة آكي سيلستروم بهدف الاستكشاف.
من غير المفهوم ضغط موسكو على دمشق للسماح لفريق سيلستروم بالدخول بعد التجربة الليبية. هل كان السبب الثقة الزائدة بقدرة موسكو كعضو دائم في مجلس الأمن/الأمم المتحدة على السيطرة على سيلستروم؟
أم هل كان تراخياً ناتجاً عن سلسلة الانتصارات العسكرية التي حققتها قوات بشار الأسد – بفضل المساعدة الكبيرة من إيران وحزب الله – خلال الأسابيع الأخيرة من جهة, والتشتت البائس داخل المعارضة السورية من جهة أخرى؟
أم, هل كان إساءة في احسابات بأن التشرذم في التحالفات الإقليمية حول مصر (وبروز احتمال نشوء أزمة طويلة هناك) كبير جداً وعميق بحيث لا يترك لإدارة أوباما أي خيار سوى وضع المشروع السوري برمته على الرف؟
تعترف موسكو الآن أن الجدل الراهن حول هجمات الأسلحة الكيماوية بالقرب من دمشق يمكن أن يكونَ مخططاً بعناية ومنسقاً بدقة لهدف سياسي. ولكن الوقت قد فات, بما أن سيلستروم قد أصبح طليقاً يذهب حيثما يشاء, وليس بمقدور موسكو أن تتحكمَ بأنشطته المستقبلية في سوريا.
سيبدو غريباً إن تم تصوير روسيا على أنها تمنع سيلستروم من القيام بالبحث في كل مكان وزاوية عن مخازين أسلحة الدمار الشامل في منطقة نزاع خطيرة.
من الواضح أن أوباما سيضمن سفر سيلستروم إلى كافة أنحاء سوريا وتسجيل كل ما يراه ليقدمه إلى نيويورك. ويتمثل الهدف النهائي للولايات المتحدة في السيطرة على المخزون السوري من الأسلحة الكيماوية وإبعادها عن متناول بشار الأسد, بحيث يتم تقليص قدرته على الانتقام في حال حصول هجوم عسكري على قواته.
بالنظر إلى الوراء, عندما أشاحت روسيا بنظرها عن الكرة السورية, التقطها أوباما وبدأ بالهجوم التكتيكي المتصاعد. ففي يوم الجمعة, قال أوباما لقناة "سي إن إن" إنه لا يسعى لشن حرب على سوريا لأن الحرب مكلفة؛ كما أن الشعبَ الأمريكي ليس جاهزاً لهكذا حرب؛ كما أنه يفتقد إلى تفويض الأمم المتحدة أو "ائتلاف الراغبين".
ولكن تبيَنَ يوم السبت أن السفن الحربية الأمريكية المزودة بصواريخ كروز قد تمت إعادة موضعتها في شرق المتوسط من أجل هجوم محتمل على "أهداف" في سوريا. وفي يوم الأحد, كان أوباما قد اتصلَ برئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي سيحمل العبءَ الأكبر في عمليات الولايات المتحدة ضد سوريا.
كان أوباما يأمل أنه سيتلقى جواباً بحلول يوم الاثنين من رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي, الذي يشارك في إدارة اجتماع طارىء في عمان/الأردن لوزراء دفاع 10 بلدان من بينها بريطانيا, وفرنسا, وألمانيا, وإيطاليا, وكندا, وتركيا, والسعودية, وقطر.
من المؤكد أن هذا تشكيل جنيني ﻠ "ائتلاف الراغبين". أوباما يهاجم بضراوة وحماس, وعينه معلقة على الكرة السورية. ومن المؤكد 100% أنه لن يشيحَ بنظره عنها. ففي حقيقة الأمر, من المفيد جداً لفت الانتباه الآن عن الوضع البشع في مصر.
من المحتمل أن أوباما يريد أن يبينَ أنه على الرغم من أن الأمريكيين لا يلعبون كرة القدم, إلا أن هذه لعبة تعلمها في الشوارع الخلفية في إندونيسيا عندما كان صبياً صغيراً, وبمقدوره أن يجاري الهجومَ السريع الذي قام به بوتين مؤخراً فيما يتعلق بكرة [المسرب الأمريكي] سنودن.
http://www.atimes.com/atimes/Middle_East/MID-01-260813.html
تُرجم عن ("إيشا تايمز", 26 آب/أغسطس 2013)
الجمل
إضافة تعليق جديد