الأسد في بابا عمرو:تأخرنا لنمنحهم فرصة رمي السلاح فلم يفعلوا
في خطوة مفاجئة لا تنقصها المخاطرة قام الرئيس بشار الأسد، أمس، بزيارة استمرت ساعتين تقريبا لحي بابا عمرو مركز الاشتباكات التي حصلت بين الجيش السوري ومسلحين واستغرقت عشرين يوما، وذلك بعد أكثر من أسبوع على سيطرة القوات السورية عليه تماما.
في هذا الوقت، أعلن مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي انان ان الحكومة السورية وافقت على خطته، معتبرا «الأمر تطورا ايجابيا لكن المهم هو التنفيذ»، داعيا السلطات السورية الى تنفيذ «تعهداتها فورا» لحل الازمة، التي رحبت بها دول غربية، على رأسها واشنطن، لكنها طالبت «بأفعال لا اقوال».
وقطع الأسد المسافة الممتدة بين دمشق وحمص، وتبلغ 160 كيلومترا برا، ليستقبله على مدخل المحافظة محافظ المدينة غسان عبد العال، حيث انطلق الموكب الذي حظي بحراسة مشددة إلى حي بابا عمرو الأكبر في المدينة، حيث تحرك الأسد برفقة موظفين مدنيين وحراس شخصيين ليطلع على آثار الدمار الذي حل بالحي إثر معارك ضارية استمرت 20 يوما، لكنها كانت مستمرة فعليا لما يزيد على سبعة أشهر من عمر الأزمة السورية.
وتفقد الأسد الأوضاع في الحي، مختلطا بمجموعة من السكان التي لم تغادر الحي، وفقا لما ذكرته إحدى النسوة في الشريط المفصل الذي عرضته الشبكات المحلية أمس. وقال الأسد، مخاطبا السيدة وسط هتاف مؤيد له في خلفية المشهد، ان الدولة لم تتأخر لكنها أعطت فرصة للحل. وأوضح «كنا نبحث عن حلول مع العاقلين، لكن حين يسيطر الإرهابيون لا حلول»، وهو ما وثقته وكالة (سانا) لاحقا، بقوله ان الدولة «منحت هؤلاء الذين حادوا عن جادة الصواب أقصى قدر ممكن من الفرص للعودة إلى وطنيتهم وإلقاء أسلحتهم، إلا أنهم رفضوا تلقف هذه الفرص وزادوا في إرهابهم، فكان لا بد من العمل لاستعادة الأمن والأمان وفرض سلطة القانون».
وكان البعض يهتف في الخلفية «نحنا معك حتى الموت» فيما كان يمكن رؤية أطفال وفتية ونساء حول الرئيس في أحد الأحياء. وختم الأسد، وسط الهتاف، «نحتاج كلنا للتعاون حتى نعيد إعمار الحي لتعود بابا عمرو أفضل مما كانت عليه».
وطلب الأسد من إحدى الورش التي التقاها وضع جدول زمني لتنفيذ إعادة الإعمار والإفصاح عن سير العملية للمواطنين. وعقب على قول أحد المهندسين ان «البنية التحتية جاهزة (في الحي) وبقيت الشبكات الهوائية فقط»، بالقول ان العمل «يجب الا يتم كأن الوضع عادي، وإنما نحتاج لجهد إضافي».
وجال بعدها الأسد في بعض شوارع الحي ثم اتجه بعدها سيرا على الأقدام، في جو ماطر، للقاء أفراد وحدة عسكرية، وخاطبهم بأنهم من «يحمل راية حماية الوطن، وأن لقبهم حماة الديار، لأنهم يحمون تراب الوطن». وطلب منهم إلقاء السلام على أهلهم حين عودتهم الى منازلهم سالمين. وقال «لا خيارات أمامنا سوى النصر»، مضيفا «أنا أعلم بأنكم من أي منطقة قدمتم»، فقاطعه أحد الجنود «نحن هنا سيدي من مختلف الطوائف، هذا من الرقة وهذا من الحسكة»، فتابع الأسد من «أي منطقة جئتم فأنتم هنا للدفاع عن أولادكم وآبائكم». واضاف «اننا نتمنى لكم السلامة، لكن إذا كان على (الجندي) أن يسقط شهيدا فليسقط من أجل قضية».
وتعكس المخاطرة التي تمت بها الزيارة ثقة عالية بالنفس لدى السلطة، ولا سيما أن الاشتباكات ما زالت مستمرة في بعض أحياء حمص، كالخالدية وباب هود حتى اللحظة. كما يعكس التنقل برا معنويات عالية خصوصا أن التحليق بالطائرة الرئاسية كان يشكل تهديدا أمنيا أقل. وكما تبين الجولة، التي ظهر واضحا أن التلفزيون السوري حرص على نقل غالبية تفاصيلها للمشاهدين، أن السيطرة الحكومية كاملة على المنطقة الممتدة على مساحة واسعة من المدينة، كما المتصلة ببساتين وأراض تصل حتى الحدود اللبنانية.
وكانت «سانا» وزعت خبرا قالت فيه ان الأسد قام بزيارة حي بابا عمرو في محافظة حمص، وجال في شوارعه وعاين ما تعرضت له المباني السكنية والبنية التحتية والمؤسسات الخدماتية من تخريب ممنهج على ايدي المجموعات الإرهابية المسلحة.
وشدد الأسد، وفق «سانا»، خلال الجولة على أن «الظروف الاستثنائية التي شهدتها حمص بشكل عام وبابا عمرو خاصة تتطلب تضافر جهود المحافظة وأعضاء مجلس مدينة حمص مع أهالي المدينة، والعمل بشكل استثنائي لجهة مضاعفة العمل والسرعة في التنفيذ لإصلاح الأبنية السكنية وإعادة تأهيل البنية التحتية وخاصة المدارس وشبكات الكهرباء والمياه والاتصالات والمؤسسات الطبية التي تم تخريبها خلال الأعمال الإرهابية التي شهدتها حمص».
وأكد الأسد لعدد من أهالي بابا عمرو، الذين تجمعوا حوله أثناء الجولة واشتكوا معاناتهم خلال تواجد «المجموعات الإرهابية» في الحي، أن «الدولة لم تتأخر في أداء واجبها في حماية مواطنيها، لكنها منحت هؤلاء الذين حادوا عن جادة الصواب أقصى قدر ممكن من الفرص للعودة إلى وطنيتهم وإلقاء أسلحتهم إلا أنهم رفضوا تلقف هذه الفرص وزادوا في إرهابهم فكان لا بد من العمل لاستعادة الأمن والأمان وفرض سلطة القانون».
وحيا «عناصر الجيش والقوات المسلحة حماة الديار خلال لقائه عددا منهم في حي بابا عمرو، وأكد لهم أن التضحيات والجهود التي يبذلونها كفيلة بالحفاظ على الوطن وحفظ أمنه واستقراره، وهذا ليس بالأمر الجديد على الجيش العربي السوري الذي كان دوما عاملا حاسما في الحفاظ على سوريا واستقلاليتها وسيادة قرارها».
وقال المتحدث باسم المبعوث الدولي والعربي احمد فوزي، في بيان في جنيف، ان «الحكومة السورية كتبت للمبعوث المشترك كوفي انان لتبلغه موافقتها على خطته المؤلفة من ست نقاط، والتي وافق عليها مجلس الامن الدولي». واضاف ان «انان كتب الى الرئيس الاسد ليدعوه الى ان تطبق الحكومة السورية تعهداتها فورا».
وتابع فوزي ان انان يعتبر قرار دمشق «مرحلة اولية مهمة يمكن ان توقف العنف واراقة الدماء»، كما ستسمح بمعالجة «معاناة الناس وتوجد مناخا ملائما لحوار سياسي يلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري». واضاف ان انان «يعتبر الامر بالتأكيد تطورا ايجابيا لكن المهم هو التتفيذ»، وإن المبعوث الدولي سيعمل مع كل الأطراف على كل المستويات لضمان تنفيذها.
وقال مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة مارك ليال غرانت، الذي تترأس بلاده مجلس الامن لهذا الشهر، إن انان سيتحدث إلى مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا الاثنين المقبل من خلال دائرة فيديو مغلقة على الأرجح.
وكان انان قال، بعد اجتماعه مع رئيس الحكومة الصينية وين جياباو في بكين، «أوضحت أني تلقيت ردا من الحكومة السورية، وهو رد ايجابي ونأمل أن نعمل معها لترجمته إلى فعل». وأضاف انها تتناول «مناقشات سياسية وسحب الأسلحة الثقيلة والقوات من المراكز السكنية والسماح للمساعدات الانسانية بالدخول من دون معوقات وإطلاق سراح السجناء والسماح بحرية حركة ودخول وخروج الصحافيين».
وأضاف «أجرينا مناقشات جيدة للغاية بخصوص الوضع في سوريا وعرضوا (الصين) دعمهم الكامل. سيعملون معي ومع الأعضاء الآخرين في المجلس لضمان تنفيذ الخطة المؤلفة من ست نقاط». وتابع «سنرى كيف نمضي قدما في تنفيذ هذا الاتفاق الذي قبلوه».
وقال جياباو لانان «جهود البحث عن حل للأزمة السورية عند مفترق طرق حرج. نعتقد أن جهود الوساطة التي تقوم بها ستحرز تقدما في السعي لحل القضية السورية».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هونغ لي «نأمل ان يتمكن جميع الاطراف في سوريا من المشاركة في جهود الوساطة التي يقوم بها انان من اجل توفير الشروط لإيجاد تسوية سياسية للوضع في سوريا».
وتلقت الدول الغربية بشيء من الحذر إعلان السلطات السورية موافقتها على خطة انان. وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن «أنباء قبول الأسد خطة السلام التي طرحها انان سيحكم عليها بناء على أفعاله لا أقواله»، ودعته إلى أن «يأمر قواته على الفور بوقف إطلاق النار والانسحاب من المناطق السكنية». ودعت المعارضة السورية إلى «تقديم التزام صريح بإشراك جميع السوريين وحماية حقوقهم في إطار عملية سياسية انتقالية». وقالت «سندفعهم بكل قوة لتقديم مثل هذه الرؤية في اسطنبول» خلال مؤتمر «أصدقاء سوريا» الاحد المقبل.
وقال المندوب الالماني لدى الامم المتحدة بيتر فيتيغ «قد تكون خطوة اولى في الطريق الصحيح، الا ان الحذر واجب»، مضيفا «لقد واجهت سوريا في السابق مشاكل على صعيد المصداقية».
من جهته، قال المندوب الفرنسي جيرار ارو ساخرا «لا نعرف الطعام اذا كان جيدا الا بعد ان نتذوقه»، مضيفا انه ينتظر الخطوات التي ستقوم بها السلطات السورية لاتخاذ موقف.
وقال المندوب المغربي محمد لوليشكي انه لا يريد ان يكون «مشككا»، الا انه يبقى حذرا ازاء الخطوة السورية. واضاف «اكتفي بما قاله انان. لقد تلقى جوابا ايجابيا وآمل ان يكون ذلك بداية دينامية جديدة تحمل اخبارا طيبة الى مجلس الامن».
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو قال «فلنقبل بذلك كمؤشر للمستقبل. وسيقدم لنا كوفي انان تفاصيل الرد السوري».
وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف ان «موسكو تنتظر من المعارضة السورية ان توافق على خطة انان لتسوية الأزمة في البلاد».
وعبر «المجلس الوطني السوري» عن تأييده خطة انان «ما دامت ستؤدي الى تنحية الاسد». وقالت المتحدثة باسمه بسمة قضماني «انتقال سلمي يعني ان هناك حاجة الى تغيير النظام. وهذا يبدأ بعزل رئيس الدولة». واضافت «مبادرة انان بالنسبة لنا يجب ان تفرز بنودا مرجعية واضحة للتفاوض على شكل التغيير وليس بشأن هل يجب ان يتم التغيير أم لا». وتابعت «ما نود ان نراه هو وقف القتل». وقالت «نود أن نرى حماية للمدنيين اذا كانت هناك إمكانية حتى لهدنة تستمر ساعتين كبداية.. أعتقد اننا نرحب بذلك وسنعمل بالتأكيد كي ينجح».
وأعلن الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف، على هامش القمة النووية في سيول، ان فكرة رحيل الاسد تنم عن «قصر نظر» ولا تؤدي الى حل الازمة السورية. وقال «الاعتقاد ان رحيل الاسد يعني حل كل المشاكل هو موقف ينم عن قصر نظر وكل العالم يدرك انه في تلك الحالة سيستمر النزاع على الارجح». واضاف ان «الشعب السوري وليس القادة المحترمين لدول اخرى، هم من يتخذ القرارات حول مصير سوريا».
وقال الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، خلال استقباله الممثل الخاص للرئيس فيصل المقداد في طهران، «لقد اصبح اليوم واضحا ومكشوفا للجميع ان المستكبرين يسعون لضرب ايران وسوريا ونهج المقاومة، وهم بصدد انقاذ الصهاينة تحت شعار الحرص على حرية الشعوب والدفاع عن حقوق الانسان».
وانتقد «تعاطي الجامعة العربية ازاء قضايا سوريا»، مشيرا «الى اقتراح الدول العربية لسوريا بالتزام الديموقراطية في الوقت الذي لم تجر الكثير منها اي انتخابات حتى الآن، وان القوانين والحقوق ومصائر الشعوب في تلك الدول تتحكم بها فئات خاصة». وقال ان «مصداقية الجامعة العربية تعود الى اليوم فقط لعضوية سوريا فيها».
وقال نجاد «من المؤكد ان رئيس الجمهورية وسائر المسؤولين السوريين يديرون جيدا ساحة التطورات في هذا البلد وينجزون أي نوع من الإصلاحات فيه بصورة صحيحة، وسوف لن يحقق الأعداء في أي شيء بفضل الله». وأضاف ان «الحضور الحماسي للشعب السوري في الساحة قد قلب كل معادلات الأعداء ومن المؤكد ان الأوضاع في هذا البلد ستتغير نحو الأحسن».
«المجلس الوطني»
وكان الخلاف دب داخل اجتماع «المجلس الوطني السوري» في اسطنبول، مع انسحاب الناشط للدفاع عن حقوق الإنسان هيثم المالح من المباحثات معتبرا ان المجلس لا يحترم بقية مكونات المعارضة بفرض جدوله وآلياته من دون اي تشاور معها.
وعلى الاثر جاء الدور على «المجلس الوطني الكردي» للانسحاب من الاجتماع. وقال طلال ابراهيم باش المللي «نحن في حاجة الى حل سياسي لقضية الاكراد في هذا البيان لكنهم قالوا (المجلس الوطني) انهم سيبحثون ذلك في وقت لاحق».
من جانبه، اعلن عمار القربي زعيم الحركة الوطنية للتغيير (ليبرالية) انه لن يوقع بيانا بشأن مستقبل سوريا شديد «العمومية». وقال «نقوم بالثورة على النظام لانه لا يسمح لنا بالتحدث بحرية لكني الآن في هذا المؤتمر للمعارضة لا استطيع ايضا التحدث بحرية». ولا تشارك ايضا في المنتدى هيئة التنسيق الوطني للتغيير والديموقراطية التي تضم احزابا قومية عربية وكردية واشتراكية ومجموعة صغيرة بزعامة ميشيل كيلو.
واعلنت الامم المتحدة ان «عدد قتلى الاضطرابات ارتفع الى اكثر من 9 آلاف شخص». وقال مبعوث الامم المتحدة في الشرق الاوسط روبرت سيري، امام مجلس الامن، ان «العنف على الارض يستمر من دون توقف». واضاف ان «تقديرات موثوقة تشير الى ان عدد القتلى المرجح في سوريا منذ بدء الانتفاضة قبل عام بلغ الآن اكثر من 9 آلاف شخص. واصبح من الملح وقف القتال ومنع مزيد من تصاعد العنف».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد