الأشقاء والخصوم على طاولة واحدة في قمة المتوسط
الجمل: سوف تنعقد غداً في العاصمة الفرنسية باريس قمة الاتحاد من أجل المتوسط، التي سيشارك فيها الرئيس الأسد والرئيس ساركوزي، وتقول المعلومات بأن قمة الغد ستضم 40 بلداً..
• القمة المتوسطية: إشكالية المحددات الجيوبوليتيكية
مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط، تهدف إلى جمع دول شرق المتوسط وشمال إفريقيا، جنباً إلى جنب مع دول الاتحاد الأوروبي ودول البلقان، هذا وبرغم وضوح وبساطة المبادرة، فإنها ستواجه الكثير من "المحددات" التي تلعب دوراً يحد من حرية حركة القمة.. ويمكن الإشارة إلى أبرز هذه المحددات ضمن نوعين:
- محددات هيكلية- بنائية: وتتمثل في ارتباط دول الاتحاد الأوروبي بالهياكل المؤسسية للاتحاد الأوروبي، وهي هياكل يصعب على الدول الأعضاء تجاوزها، لأن الأوروبيين، وإن تباينت مواقفهم، فإنهم يجمعون على إعطاء الأولوية للاتحاد الأوروبي.
أما بالنسبة لدول شرق المتوسط وشمال إفريقيا، فإنها باستثناء إسرائيل وتركيا، ترتبط جميعها بالجامعة العربية كإطار مؤسسي جامع، إضافة إلى ارتباط دول شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي.
- محددات وظيفية- سلوكية: الأداء الوظيفي- السلوكي السياسي لدول الاتحاد الأوروبي يرتبط بالمنظور الأوروبي لجهة التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، مثل قضية الصراع العربي- الإسرائيلي، قضايا الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتتميز دول الاتحاد الأوروبي بارتباطها بمعايير قيمية دولية- إقليمية، اتفقت عليها هذه الدول لنفسها، وأكدت على الالتزام بها، ومن أبرزها:
- سياسة الأمن والدفاع الأوروبي
- السياسة الخارجية الأوروبية المشتركة
- السياسة الاقتصادية الأوروبية المشتركة.
وجميع هذه السياسات وغيرها، تفرض على دول الاتحاد الأوروبي الالتزام بالمعايير الأوروبية المحددة سلفاً في التعامل مع الأطراف الأخرى.
أما بالنسبة لدول شرق المتوسط وشمال إفريقيا، فالجانب العربي فيها ملتزم بجملة من المعايير المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي وعلى وجه الخصوص مبدأ الأرض مقابل السلام مع إسرائيل، في مواجهة المبدأ الإسرائيلي الذي يحاول الدفع باتجاه السلام من أجل السلام وعدم رد الحقوق العادلة إلى أصحابها،وبالنسبة لتركيا، وبرغم وقوفها إلى جانب رد الحقوق العادلة إلى أصحابها، فإن خصوصية وضع وموقع تركيا إزاء القضايا الإقليمية والدولية، والتي من أبرزها ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، سوف تدفع جميعها تركيا إلى محاولة عدم القبول بإعطاء التحالف من أجل المتوسط قيمة مؤسسية تكون بديلاً لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
• جدول أعمال القمة المتوسطية إلى أين؟
تبنى الرئيس ساركوزي إطلاق مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط خلال حملته الانتخابية، والآن وبعد مرور عام تقريباً على دخوله قصر الإليزيه عاد وأكد عملياً على مضيه قدماً من أجل تجسيد المبادرة على أرض الواقع.
تقول بعض التحليلات، لو كان ساركوزي يهدف إلى إقامة تكتل متوسطي حقيقي لاهتم بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في ربط ضفتي المتوسط، ولكن نقطة ضعف مبادرة ساركوزي تمثلت في اهتمامه بالنظر لمبادرة الاتحاد من أجل المتوسط باعتبارها وسيلة وسبيل لحل الصراع بين إسرائيل وجيرانها العرب، عن طريق جمع العرب وإسرائيل في طاولة واحدة، وحثهم على تطبيع العلاقات بالوسائل غير المباشرة، وتعمد القيام بعملية "حرق المراحل" عن طريق تفادي الوسائل المباشرة في حل الخلاف، وحتى الآن ينظر المراقبون والمحللون بدهشة إلى مخطط ساركوزي ومدى مصداقيته في حل الصراع العربي- الإسرائيلي بالقفز والتجاوز لملفات هامة مثل: ملف إعادة الجولان لسوريا، ملف إقامة الدولتين، ملف أزمة غزة،... وغير ذلك من الملفات الأخرى.
وعلى الجانب الأوروبي، برزت بعض وجهات النظر التي حاولت أن تقلل من أهمية مبادرة ساكوزي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ركزت الانتقادات على الآتي:
- يوجد برنامج للشراكة الأوروبية- المتوسطية سبق أن اعتمده الاتحاد الأوروبي مع بعض دول شرق المتوسط وشمال إفريقيا، وبالتالي فإن تنفيذ مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط سيترتب عليه أضعاف قوة موقف الجانب الأوروبي القوي في هذه الشراكات، وذلك لأن دول شرق المتوسط وشمال إفريقيا سيتم التعامل معها ككتلة واحدة، بدلاً من مبدأ كل دولة على حدة.
- السياسات الأوروبية القوية في التعامل مع دول شرق المتوسط وشمال إفريقيا ستتأثر سلباً طالما أن دخول دول شرق المتوسط وشمال إفريقيا سيجعلها تعزز قدرتها على المنافسة في المنطقة التي تضم دول الاتحاد الأوروبي
• أبرز التوقعات:
تقول المعلومات بأن القمة المتوسطية التي ستنعقد غداً، سوف تشارك فيها كل دول الاتحاد الأوروبي، جنباً إلى جنب مع دول شرق المتوسط، وشمال إفريقيا، وتقوم فكرة مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط على منظور أن يكون هذا الاتحاد بمثابة جسر للتواصل بين ضفتي المتوسط، بما يجمع دول الضفة الشمالية: فرنسا، اسبانيا، إيطاليا، اليونان، سلوفينيا، مالطا، وقبرص (اليونانية)، مع دول الضفة الجنوبية: سوريا، تركيا، لبنان، مصر، الجزائر، ليبيا، المغرب، تونس، وموريتانيا، وإسرائيل، والأردن.
وعلى هذه الخلفية، فإن هناك تسريبات تقول بأن دول الاتحاد الأوروبي غير المطلة على البحر الأبيض المتوسط، مثل الدنمارك وبلجيكا وهولندا، وألمانيا، ستكتفي بمجرد حضور القمة وعدم المشاركة في الحوار والنقاش، وتقول التسريبات بأن هذا الموقف قد نشأ بفعل الخلافات السابقة بين فرنسا وألمانيا حول المبادرة، وسبق أن حاولت ألمانيا عدم التعاون مع ساركوزي في تنفيذ المبادرة، عندما عارضت بشدة فكرة أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتمويل وتبني ورعاية الاتحاد من أجل المتوسط.
تشير التوقعات إلى أن قمة الغد ستكون امتداداً للحوار المتوسطي، وذلك لأنه في ظل الظروف والتوازنات الدولية والإقليمية الحالية، سيكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تخرج القمة بتوصيات تدفع باتجاه إنجاز الخطوات المؤسسية الحقيقية لبناء قوام التكتل المتوسطي، ومن المتوقع أيضاً أن تتفاقم الخلافات داخل القمة، طالما أن إدراك أهل الضفة الجنوبية يقوم على أولوية الاعتبارات المتعلقة بالتعاون الاقتصادي، في مواجهة إدراك أهل الضفة الشمالية الذي مازال يحاول إخفاء هدفه الحقيقي الساعي لدمج إسرائيل في المنطقة وفقاً للشروط التي تريدها إسرائيل.
ولكن برغم الخلافات وروح عدم التفاؤل، فإن الأمل الرئيسي سوف يتمثل في إصدار القمة لبيان يؤكد على ضرورة استمرار الحوار المتوسطي، وتفعيل آليات هذا الحوار.. بما يؤدي لبناء ثقافة متوسطية حقيقية تشكل الأرضية الراسخة للتعاون المتوسطي وربما إنجاح مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط في نهاية الأمر، طالما أن السياسة هي فن الممكن!!!.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إقرأ أيضاً:
القمة المتوسطية وخفايا مشروع «الإتحاد من أجل المتوسط»
ملف الجمل حول مشروع «الاتحاد من أجل المتوسط» (1)
ملف الجمل حول مشروع «الاتحاد من أجل المتوسط» (2)
«المشروع المتوسطي»: المنظور الأمني في مواجهة المنظور الاقتصادي
إضافة تعليق جديد