ملف الجمل حول مشروع «الاتحاد من أجل المتوسط» (1)
الجمل: تشير الوقائع الجارية إلى بعض التحركات الهادئة الإيقاع إزاء بعث الحيوية والنشاط في ملف "الاتحاد من أجل المتوسط" وتتركز هذه التحركات ضمن ما يعرف بالدبلوماسية العامة الإقليمية الطابع.
* خلفيات فكرة الاتحاد من أجل المتوسط:
تتحدث التحليلات عن خلفيات فكرة "الاتحاد من أجل المتوسط" باعتبارها تمثل النسخة الجديدة لما عرف سابقاً باسم "الاتحاد المتوسطي" وأشارت التحليلات إلى أن فكرة الاتحاد المتوسطي قد نشأت داخل أروقة دول الاتحاد الأوروبي وعلى وجه التحديد فقد قدم للفكرة الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي باعتبارها تمثل البديل المناسب لإشكالية عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. وقد تم إهمال الفكرة لفترة من الوقت بسبب تجاهل تركيا لها، ولكن عندما تم تقديم بعض الضمانات في آذار 2008م بأن عضوية تركيا في الاتحاد من أجل المتوسط لن تكون بديلاً عن عضويتها في الاتحاد الأوروبي فقد وافقت تركيا على دعم موضوع الاتحاد من أجل المتوسط.
* المعطيات التاريخية:
أدخل الرئيس نيكولاس ساركوزي فكرة الاتحاد من أجل المتوسط ضمن أجندة حملته الانتخابية وبعد فوزه في الانتخابات وصعوده إلى قصر الإليزيه تم إدراج الفكرة ضمن مخططات وأجندة رئاسة ساركوزي.
أبرز الجوانب التي ينظر إليها الرئيس ساركوزي تمثلت في منظوره المتعلق بأن الاتحاد من أجل المتوسط سيؤدي إلى حل الصراع العربي – الإسرائيلي وتحقيق السلام في المنطقة.
يخطط ساركوزي إلى تجسيد مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط ضمن كيان مؤسسي يتم إكمال قيامه في نهاية العام 2008م حيث تنتهي رئاسة فرنسا الدورية للاتحاد الأوروبي.
في 23 تشرين الأول 2007م دعا الرئيس ساركوزي زعماء المنطقة المتوسطية لعقد اجتماع قمة في فرنسا يتم في حزيران 2008م ويهدف إلى وضع الأسس السياسية والاقتصادية والثقافية للاتحاد، وذلك وفقاً لمبدأ المساواة الكاملة بين الدول المتوسطية.
* الاتحاد من أجل المتوسط: معطيات الخارطة الجيو-سياسية:
تشير معطيات الخبرة التاريخية إلى أن المنطقة المتوسطية تمثل واحدة من أهم الأماكن التي تطورت وارتقت فيها الحضارة الإنسانية وقد تمركزت معظم الحضارات الإنسانية الرئيسية في هذه المنطقة إضافةً إلى التقاطعات الدينية والروحية بفعل تواتر ظهور الأديان الرئيسية الثلاثة في هذه المنطقة.
نشأت الكيانات السياسية بمختلف أنواعها وألوانها واتجاهاتها في هذه المنطقة: "دولة المدينة" عند الإغريق والرومان، الخلافات الإسلامية، الإمبراطوريات العثمانية والرومانية والإغريقية والفرنسية وغير ذلك. وشهدت المنطقة معظم الحروب والصراعات الداخلية والإقليمية والدولية إضافةً إلى أنه بسبب حساسية المنطقة فقد كانت تتأثر بطريقة أو بأخرى بتداعيات الصراعات الدينية والسياسية والاقتصادية والعسكرية التي تدور في مناطق العالم الأخرى.
جيو-سياسياً تتكون المنطقة المتوسطية من إقليمين فرعيين: منطقة جنوب أوروبا، ومنطقة الشرق الأوسط، ويمكن استعراض التركيب الإقليمي للمنطقة المتوسطية على النحو الآتي:
• منطقة الشرق الأوسط: تتكون من منطقتين هما:
* منطقة شرق المتوسط وتضم سوريا، تركيا، لبنان، إسرائيل والأراضي الفلسطينية وقبرص.
* منطقة شمال إفريقيا وتضم مصر، ليبيا، الجزائر، تونس، المغرب.
• منطقة جنوب أوروبا: وتتكون من المناطق الفرعية الآتية:
* منطقة فرنسا – إسبانيا.
* منطقة إيطاليا – اليونان – مالطا.
* منطقة البلقان.
وبرغم التشابه والتقارب فإن كل واحدة من هذه المناطق والمناطق الفرعية تتميز بخصوصيتها عن الأخريات. وعلى خلفية الخارطة الجيو-سياسية توجد العديد من الخرائط الأخرى التي تحمل خطوطها المزيد من التقسيمات:
• تشير الخارطة الجيو-ثقافية إلى وجود الكيانات الثقافية الآتية:
* منطقة الثقافة التركية (تركيا - قبرص).
* منطقة الثقافة البلقانية (البلقان، وهي خليط سلافي، هندوأوروبي، تركي، يوناني قديم).
* منطقة الثقافة اليونانية (اليونان والجزر اليونانية).
* منطقة الثقافة اللاتينية (إيطاليا – فرنسا - إسبانيا).
* منطقة الثقافة العربية (تركيا ودول جنوب المتوسط).
* منطقة الثقافة اليهودية (فلسطين المحتلة).
• تشير الخارطة الجيو-إثنية إلى وجود العديد من الكيانات الإثنية فهناك الأعراق الهندوأوروبية والآرية والقفقاسية وغير ذلك.
• تشير خارطة الصراعات إلى وجود: الصراع العربي – الإسرائيلي الذي يتكون من منظومة من النزاعات، وصراع البلقان الذي يتكون من منظومة من النزاعات، والصراع التركي – الكردي والصراع المغاربي حول الصحراء الغربية، والصراع التركي اليوناني حول قبرص، والصراع التركي – اليوناني حول جزر بحر إيجة، وغير ذلك من الصراعات الداخلية.
• تشير الخارطة الجيو-ستراتيجية إلى وجود ثلاثة من أخطر الممرات العالمية في المنطقة وهي قناة السويس ومضيق جبل طارق ومضيق البوسفور.
* الاتحاد من أجل المتوسط: إشكالية كيفية المقاربة؟
من الصعب أن يتم تشكيل اتحاد دولي بمجرد توافر النوايا وموافقة الأطراف، وبسبب التنافرات والنزاعات والصراعات فإن بناء الاتحاد من أجل المتوسط يتطلب القيام بالمزيد من الجهود المكثفة لعدة أسباب من أبرزها ليس الصراعات وحدها وإنما ارتباطات أطراف ضفتي المتوسط، فالمركزية الأوروبية استقطبت حولها دول جنوب المتوسط والمركزية العروبية استقطبت حولها دول شرق المتوسط وشمال إفريقيا. ولكن برغم الصعوبات تبقى السياسة هي فن الممكن ويبقى السؤال الأكثر أهمية في الوقت الحالي يتمثل في: ما هي الخطوات التي يمكن القيام بها ليس بما يؤدي إلى حل الخلافات وإنما على الأقل لدرء تأثير الخلافات الذي قد يكون مدمراً لكامل المبادرة؟
السياسة في ميدان التطبيق تختلف عن الفلسفة السياسية، وإن كانت ترتبط بها، فالفلسفة السياسية والفكر السياسي يعتمدان على المفاهيم المجردة بينما تعتمد السياسة على الأداء السلوكي الميداني الذي بدوره لا يكون صحيحاً إلا إذا استند على الإدراك الواعي القائم على الفهم والإدراك السليم.
نحن لا ندعو إلى غض النظر عن الخلافات ولكننا ندعو إلى بناء الفهم المشترك حول هذه الخلافات وتحديداً القضايا المرتبطة بها.
* الاتحاد من أجل المتوسط: الحاجة للحوار:
من أبرز الصعوبات والتحديات التي تواجه فكرة الاتحاد من أجل المتوسط نجد عدم وجود ما يعرف بـ"وحدة الخطاب" إزاء المشاكل والقضايا الماثلة حالياً، ومن أبرز الأمثلة على ذلك: منظور الجانب الأوروبي الذي يريد الدفع باتجاه إدماج إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط دون أن يتم حل الصراع.
إضافةً لذلك، نجد أن حركة السلع والأفراد تواجه المزيد من التحديات بسبب ارتباط شمال المتوسط بقيود الاتحاد الأوروبي إزاء التجارة والمعاملات الاقتصادية، إضافةً إلى أن حركة الأفراد ما زالت تتأثر بقدر كبير بسياسات الهجرة الأوروبية التي تطبقها دول جنوب أوروبا.
قد لا يكون الطلب من الأوروبيين إجراء التعديلات التي تسمح بتعزيز حركة السلع والأفراد بين ضفتي المتوسط ملائماً في هذا الوقت ولكن من الممكن طرح الأسئلة التالية أمام الطرف الأوروبي:
• ما هي الحلول الممكنة بنظركم لإزالة القيود والحواجز على حركة السلع وانتقال الأفراد؟
• ما هي الحلول الممكنة بنظركم لإزالة الحواجز أمام تدفقات رأس المال الأجنبي المباشرة وغير المباشرة؟
• ما هي الحلول الممكنة بنظركم لإزالة الحواجز أمام نقل التكنولوجيا؟
التعريف السياسي للحوار يقول بأنه نوع من النقاش وطريقة للتواصل وهو بالأحرى عملية اتصال يحاول المشاركون من خلالها الإدلاء بأشياء لم يقولوها من قبل وأيضاً سماع أشياء لم يسمعوها من قبل وتأسيساً على ذلك، إذا أردنا أن نجعل من الحوار المتوسطي حواراً حقيقياً وجاداً يتوجب الالتزام بقواعد الحوار بالمعنى السياسي.
* الحوار المتوسطي وإشكالية بناء الثقة:
الإدراك المتوازن للقضايا والمسائل يساعد كثيراً في توفير الحلول المتوازنة وحالياً وبحسب ما هو واضح فإن نقطة قوة الجانب الأوروبي تتمثل في المطالبة بإقامة الاتحاد من أجل المتوسط ولكن نقطة ضعفه تتمثل في كيفية قيام هذا الاتحاد، وذلك لأن أطراف جنوب المتوسط تريد من مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط أن تكون مبادرة استراتيجية تسعى لتحقيق الأهداف والغايات المعروفة في بناء التحالفات والكيانات المؤسسة الإقليمية، وهذه الرغبة تختلف عن رغبة شمال المتوسط الذي لم يتجاوز حتى الآن حدود المبادرة التكتيكية.
برغم العدد الهائل من الجامعات ومراكز البحوث والخبراء المختصين فإن فرنسا –البلد صاحب المبادرة- لم تقدم حتى الآن أي رؤية واضحة حول ماهية وطبيعة الاتحاد من أجل المتوسط وكيفية القيام بعملية بنائه. إن غموض الجانب الفرنسي في الإفصاح عن الأهداف والغايات والخطط أدى إلى إثارة الكثير من الشكوك حول مدى مصداقية مشروع الاتحاد من أجل المتوسط.
* الحوار المتوسطي: إشكالية الخيار بين الانفتاح والانغلاق:
على خلفية عدم الوضوح البرنامجي لمبادرة الاتحاد من أجل المتوسط فإن انعكاس ذلك سيؤدي إلى تزايد الصعوبات حول أجندة الحوار، وذلك لأنه من الصعب من جهة التحاور حول موضوع غامض وفي الوقت نفسه من السهل من الجهة الأخرى التحاور حول المواضيع الغامضة، والفرق بين الصعوبة والسهولة يكمن في الفرق بين العمق والسطحية، وبكلمات أخرى، فإن مفتاح النجاح يتمثل في انتهاج مبدأ الانفتاح الإيجابي في الحوار، والذي يقوم على الشفافية والتوجه بلا حرج نحو عمق القضايا وينبغي أولاً وبادئ ذي بدء ممارسة الشفافية في الإجابة على الآتي:
ما هو شكل الحوار المتوسطي المطلوب؟ هل المطلوب الانفتاح الإيجابي الذي يقوم على الشفافية والعمق أم الانفتاح السلبي الذي يقوم على تفادي الحقائق عن طريق إضفاء المزيد من الغموض عليها؟ أم المطلوب هو الانغلاق الإيجابي الذي يقوم على التركيز والانغلاق ضمن حدود معينة وتفهم واحترام رغبة الأطراف الأخرى في عدم التطرق للقضايا والمسائل الحساسة أو المطلوب هو الانغلاق السلبي الذي يقوم على تعمد التحيز في اختيار وانتقاء قضايا الحوار بما يرضي المواقف والاتجاهات المتعصبة المتحيزة لبعض أطراف الحوار؟
عموماً، لقد بادرت فرنسا الدولة الكبرى الشرق متوسطية بتسهيل إقامة وإجراء الحوار وبرغم ذلك يبقى السؤال الحرج ماثلاً: إلى أي حد ستتعامل فرنسا بانفتاح وشفافية إزاء قضايا الحوار المتوسطي الساخنة وهل ستتدخل فرنسا من أجل توجيه الحوار ولمصلحة من؟ لمصلحة الحوار ومبادرة الاتحاد من أجل المتوسط أم لمصالح أخرى ترتبط بعلاقات عبر الأطلنطي وغيرها من الملفات الضاغطة وذات التأثير الإشكالي على البنية الشرق متوسطية وأجندتها الداخلية الإقليمية والخارجية الدولية؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد