الإدراك الأمريكي-الفرنسي للانتفاضات الشعبية ضد الأنظمة الحليفة لها في المنطقة
الجمل: تقول التقارير والتسريبات بأن وزير الدفاع الفرنسي ألان جوبيه سوف يتوجه إلى العاصمة الأمريكية واشنطن لعقد لقاء مع نظيره وزير الدفاع الأمريكي روبرت غاتز للتباحث والتفاهم حول الأوضاع الأمنية-العسكرية الشرق أوسطية في ظل الاضطرابات التونسية والمصرية الحالية: فما هي حقيقة الأوضاع الأمنية-العسكرية الشرق أوسطية الحالية؟ وما هو شكل السيناريوهات الجديدة المتوقعة؟
* الإدراك الأمريكي-الفرنسي المتوسطي: توصيف المعلومات الجارية
تشير المعطيات إلى تزايد المخاوف والتوترات في أوساط الخبراء العسكريين-الأمنيين الغربيين حول مستقبل أوضاع الشرق الأوسط خلال المرحلة القادمة، والتي بدأت ملامحها تتشكل على ضوء التطورات الجارية في ملفي الأزمة التونسية والأزمة المصرية، إضافة إلى احتمالات كبيرة بأن يمتد حراك تلك الأزمتين بما يشمل دول المغرب العربي الأخرى: ليبيا، الجزائر، المملكة المغربية وموريتانيا إضافة إلى اليمن والسعودية.
تقول المعلومات، بأن تطورات الأزمة الجارية قد طرحت المزيد من التحديات أمام البرامج والمشروعات الأمنية-العسكرية الأوربية-الأمريكية المتعلقة بالآتي:
• ملف مستقبل أنشطة وتحركات حلف الناتو في منطقة البحر الأبيض المتوسط ودول جنوب المتوسط.
• ملف تأمين الممرات الحيوية الملاحية في منطقة البحر الأبيض المتوسط وخصوصاً: ممر قناة السويس، ممر باب المندب، ممر جبل طارق وممر البوسفور.
• ملف أمن البحار المرتبطة بالبحر الأبيض المتوسط والممثلة في أمن البحر الأحمر وأمن البحر الأسود.
• ملف تأمين خطوط أنابيب النفط والغاز القادمة من مناطق الحقول النفطية في العراق ومنطقة بحر قزوين إضافة إلى مشروعات أنابيب إمدادات النفط والغاز الأخرى المتوقع إمدادها من شواطئ دول جنوب المتوسط إلى دول شمال المتوسط خصوصاً من الشواطئ الليبية والجزائرية إلى الشواطئ الإيطالية والفرنسية.
• ملف أمن إسرائيل وكيفية تحقيق التعاون الأمريكي-الأوروبي لجهة ضمان أمن إسرائيل خلال المرحلة القادمة.
هذا، وتقول المعلومات، بأن الإسرائيليين يعولون باهتمام كبير على نتائج التفاهم العسكري-الأمني الفرنسي-الأمريكي حول الأوضاع الشرق أوسطية الجارية والمحتملة، إضافة إلى اعتبارهم لهذا التفاهم كنقطة بدء تعقبها مباشرة عملية اصطفاف عسكري-أمني أوروبي-أمريكي تنضم إليها كل من إيطاليا واليونان إضافة إلى مالطة وقبرص وإسبانيا.
* الجيشين التونسي والمصري: محور الاهتمام الجديد
أدت التطورات السياسية الجارية في تونس ومصر إلى تسليط الضوء على الكيفية التي تعامل بها العسكريون التونسيون مع هذه التطورات وذلك على أساس الاعتبارات الآتية:
- الجيش التونسي هو جيش يعتمد على التسليح الفرنسي إضافة إلى اعتماد المذهبية العسكرية والقتالية الفرنسية، وبالتالي، ما مدى مصداقية توجهات الجيش التونسي في الكيفية والطريقة التي تعامل بها مع الأزمة السياسية التونسية الجارية حالياً.
- الجيش المصري هو جيش يعتمد على التسليح الأمريكي إضافة إلى اعتماد المذهبية العسكرية والقتالية الأمريكية، وبالتالي، ما مدى مصداقية توجهات الجيش المصري في الكيفية والطريقة التي تعامل بها مع الأزمة السياسية المصرية الجارية حالياً؟
المواقف وردود الأفعال التي انتهجها العسكريون التونسيون والمصريون أصبحت تشكل مثار الاهتمام والتركيز الشديد بواسطة الخبراء التونسيين والأمريكيين، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• ظلت فرنسا تفتخر كثيراً بالجيش التونسي، ولكن لم يتحرك هذا الجيش بالقدر الكافي لحماية نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي حليف باريس الرئيسي في المنطقة، الأمر الذي دفع باريس إلى السعي من أجل الوقوف إلى جانب الجماهير بدلاً عن النظام، ولو تدخل الجيش التونسي بشكل مبكر ونجح في إجهاض الاحتجاجات الجماهيرية لما اضطرت باريس إلى التعامل مع سقوط النظام كأمر واقع ولكان لقصر الإليزيه موقف آخر.
• ظلت أمريكا تفتخر كثيراً بالجيش المصري والذي نجحت جهود البنتاغون في تحويله من جيش شرقي التسليح والمذهبية إلى جيش غربي التسليح والمذهبية وذلك ليس عن طريق إمداده بالأسلحة الأمريكية والتدريب الأمريكي وحسب، وإنما إجراء المزيد من المناورات العسكرية المشتركة الأمريكية-المصرية، والتي من أبرزها مناورات «النجم الساطع». وخلال الأزمة الحالية، لم يتحرك الجيش المصري بالشكل الكافي المطلوب لحماية نظام الرئيس المصري حسني مبارك حليف أمريكا الإستراتيجي في المنطقة، وبكلمات أخرى، لو تدخل الجيش المصري بالشكل الاستباقي المطلوب ونجح مبكراً في إجهاض الأزمة لما اضطرت واشنطن إلى مساندة الاحتجاجات الجماهيرية والتخلي عن حليفها حسني مبارك.
الأداء السلوكي الحيادي للجيشين التونسي والمصري أحرج باريس وواشنطن اللتان أصبحتا في نظر شعوب المنطقة مجرد دولتين لا تملكان أي قدرة على دعم الأنظمة الحليفة لهما، وبالتالي، فإن على دول المنطقة الحليفة لأمريكا وفرنسا أن تعيد حساباتها الأمنية-العسكرية على أساس اعتبارات أن الارتباط بواشنطن وبباريس لم يعد كافياً لتأمين النظام وتوفير مقومات البقاء والاستمرار اللازمة له.
أصبحت العديد من الأوساط الأمريكية والفرنسية والأوربية الغربية، وعلى وجه الخصوص المرتبطة بحلف الناتو، أكثر إدراكاً واهتماماً بضرورة السعي من أجل إعادة النظر في الآتي:
- مستقبل علاقات دول شمال المتوسط الأوروبية مع دول جنوب المتوسط العربية وتركيا وإسرائيل.
- البحث عن صيغة مناسبة لجهة موازنة المصالح الأمريكية-الأوروبية، والأوروبية-الإسرائيلية، والأوروبية-العربية، بما لا يؤثر سلباً على علاقات عبر الأطلنطي الأمريكية-الأوروبية بسبب المواقف الأمريكية الأكثر اهتماماً بدعم إسرائيل.
هذا، وتقول المعلومات، بأن تل أبيب أصبحت أكثر اهتماماً بدفع واشنطن لجهة الضغط على حلفاء الأوروبيين من أجل اعتماد وصياغة نموذج أمني أمريكي-أوروبي غربي يوفر الغطاء اللازم لأمن إسرائيل وذلك بالاستفادة من المزايا الآتية:
• الوجود العسكري الأمريكي البحري المكثف في البحر الأبيض المتوسط.
• تقاطع القيادات العسكرية الإقليمية الأمريكية الثلاثة: القيادة الوسطى، القيادة الأوروبية والقيادة الأفريقية.
• تزايد قدرة واشنطن على ضبط المسرح الأوروبي من خلال قدرة أمريكا على فرض النفوذ على مثلث لندن، باريس وبرلين.
من المتوقع أن يسعى لقاء وزيري الدفاع الفرنسي- الأمريكي إلى صياغة جدول أعمال عسكري-أمني فرنسي-أمريكي يمهد السبيل لبناء جدول أعمال لنافذة علاقات عبر الأطلنطي يركز على المسائل الشرق أوسطية ضمن حضور إسرائيلي أكبر، خاصة وأن إسرائيل ظلت خلال الأيام الثلاثة الماضية وهي أكثر اهتماماً بأنها تمثل الضحية الرئيسية لسقوط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وسقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك الذي أصبح وشيكاً بعد أن وضعته حركة الاحتجاجات الشعبية المصرية على حافة الهاوية!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
الشهادة
تسرع
إضافة تعليق جديد