الحملة الفيصلية على الديار الشامية
الجمل: تقول المعلومات أن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قد قام بجولة شملت لندن، برلين، باريس، موسكو وواشنطن، وعلى خلفية جولة الفيصل برزت بعض التقارير الإخبارية والتسريبات الدبلوماسية القائلة بأن الفيصل كان يدفع باتجاه إقناع الأطراف للضغط على سوريا عن طريق استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يطالب بالانتخاب الفوري للرئيس اللبناني وتحميل سوريا المسؤولية إذا لم يتم ذلك.
* جولة الفيصل: أبرز التساؤلات:
لا يمكن القول بأن السعودية لا تربطها مصالح مع واشنطن ولندن وبرلين وباريس وموسكو لأن ما يجمع الرياض – موسكو هو الملف النفطي، وما يجمعها مع برلين – باريس – لندن هي ملفات النفط والتجارة، أما مع واشنطن، وعلى وجه الخصوص بعد أن أكملت نشر قواتها في الأراضي السعودية، فقد تجاوزت علاقتها بالرياض الملفات النفطية، إلى ما يمكن أن نطلق عليه تسمية ملف العلاقات الخاصة، والتي تطورت وأصبحت شديدة الخصوصية بعد هزيمة حزب الله اللبناني للقوات الإسرائيلية في الجنوب اللبناني. ومن المتفق عليه بين المحللين والمراقبين الدوليين أن السياسة الخارجية السعودية قد شهدت المزيد من التغيرات في الفترة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001م، فالتوجهات السعودية وإن كانت تشوبها الكثير من الشكوك في الفترة التي سبقت ذلك لجهة ارتباطها بالغرب والولايات المتحدة فإنها بعد تلك الأحداث أصبحت توجهات فاقدة للمصداقية بسبب اختلال توازن "الدور" و"المكانة" في علاقة توجهات السياسة الخارجية السعودية بالسياسة الخارجية الأمريكية. بكلمات أخرى، تحولت علاقة الشراكة السياسية الأمريكية – السعودية إلى علاقة تبعية، تقوم على أساس اعتبارات الإملاءات الأمريكية وحيدة الاتجاه على النحو الذي أصبحت فيه الخارجية السعودية تقوم بدور الـ"بروكسي" للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة
أكمل وزير الخارجية السعودي جولته، ولكنه لم يحقق النجاح المطلوب وذلك لعدة أسباب أبرزها:
• أن القرار الدولي الجديد المطلوب سعودياً –من الناحية الظاهرية- لا يمكن صدوره لأسباب فنية وقانونية تتعلق بصياغة ومضمون القرار الدولي 1559 الذي منع سوريا من التدخل في الشأن اللبناني، وبالتالي لا يمكن لأي جهة دولية تحترم نفسها وعقلها بأن تطلب من سوريا التدخل في الشأن اللبناني لحل أزمة الرئاسة اللبنانية، اللهم إلا إذا رفضت السعودية طلبها بطلب آخر يدعو لإلغاء القرار 1559 واستبداله بإجازة "مشروع القرار السعودي الجديد".
• إن الأزمة الرئاسية اللبنانية تتميز حصراً بطبيعتها وخصوصاً اللبنانية الداخلية وذلك لأن الصراع الداخلي اللبناني هو حصراً بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار وسوريا ليست طرفاً في هذا الأمر وفقط مثلما يؤيد الغرب وأمريكا وإسرائيل والسعودية وتوجهات قوى 14 آذار، فإن سوريا تؤيد ومعها الكثير من اللبنانيين والعرب توجهات قوى 8 آذار.
• تحاول السعودية –كما يقولون- بناء دائرة النفوذ الإقليمي الخاصة بها، وتتمثل المقارنة في أن دوائر صنع واتخاذ القرار السعودي ما تزال غير مدركة لأبجديات عملية بناء النفوذ والتي تتمثل في الإجابة عن أسئلة كثيرة منها: ما هي خصائص النفوذ؟ ما هي الأولويات؟ ما هي وسائل النفوذ؟ كيف يتم تحديد نطاق النفوذ؟ ما هو النفوذ نفسه؟ فعلى سبيل المثال إذا كانت أمريكا قد بنت نفوذها على السعودية عن طريق فرض السيطرة على النفط السعودي بواسطة الشركات الأمريكية وعلى الأموال السعودية بواسطة البنوك الأمريكية وعلى الأراضي السعودية بواسطة القوات والقواعد العسكرية الأمريكية، فما هي الوسائل التي سيستخدمها السعوديون في فرض نفوذهم على المنطقة؟
* قمة دمشق وأزمة الـ"بروكسي" السعودي:
على خلفية اقتراب موعد انعقاد قمة دمشق نشرت وكالة رويترز تقريراً إخبارياً يقول بأن الملك السعودي عبد الله لن يحضر (على الأغلب) اجتماع القمة العربية الدورية القادمة في دمشق إلا إذا تم حل الأزمة الرئاسية اللبنانية. وحتى لا يتهمنا السعوديون باستهداف الملك السعودي، نقول أنه ليس الملك عبد الله وحده وإنما هناك بعض الزعماء العرب الآخرين الذين لا يبدو أنهم سيحضرون القمة كذلك بسبب ارتباطاتهم الوثيقة بواشنطن وأجندة تجمع المعتدلين العرب التي بشر بها الخبير الأمريكي –اليهودي الأم- دينيس روس واليهودي الأمريكي إيليوت إبراهام ويشرف على تنفيذها ومتابعتها حالياً اليهودي الأمريكي ديفيد وولش مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط. ومن أبرز المرشحين لعدم حضور قمة دمشق الزعيم المصري حسني مبارك إضافة إلى بقية الزعماء العرب الذين يعرف الرأي العام العربي والعالمي عدم قدرتهم على فتح نوافذ مكاتبهم دون أخذ الإذن من السفير الأمريكي في بلدهم. والمعلومات التي أوردها تقرير وكالة رويترز تشير إلى أن وزير الخارجية السعودي أصبح ينظر إلى الأمور ويتصرف بنفس طريقة جون بولتون والـ"ست" فرايزر مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية. وعلى ذمة تقرير الوكالة تبرز النقاط الآتية التي أشارت إلى أن وزير الخارجية السعودي قد تصرف على النحو الآتي في جولته الأخيرة:
• يجب على سوريا أن تضغط على حلفائها اللبنانيين لكي يتوصلوا إلى صفقة.
• إن السعودية ترغب في حث روسيا للضغط على السوريين لكي يساندوا ويسمحوا بانتخاب الرئيس اللبناني الجديد.
هذا، ولحسن الحظ أن تقرير وكالة رويترز نفسه قد أشار إلى حقيقة الصراع الرئاسي اللبناني حينما أكد على أن عملية انتخاب الرئيس اللبناني الجديد قد تعطلت بسبب الخلاف حول قسمة المقاعد في مجلس الوزراء الجديد بين اللبنانيين. وبكلمات أخرى، فإن الخلاف حول المقاعد الذي أدى لتعطيل انتخاب الرئيس اللبناني هو خلاف بين اللبنانيين وليس بين اللبنانيين والسوريين. ويقوم إدراك جون بولتون والـ"ست" فرايزر على مبدأ ازدواجية المعايير وبناء الذرائع وغيرها من الأسس القيمية التي وضع أركانها الفيلسوف السياسي اليهودي الأمريكي ليو شتراوس في محاولته للدمج بين التلمود والفلسفة السياسية وروجت لها وتبنتها جماعة المحافظين الجدد. فهل تخلت الخارجية السعودية عن الأسس القيمية العربية – الإسلامية وتحولت باتجاه تبني مبادئ ازدواجية المعايير وبناء الذرائع؟ وهل نجحت جماعة المحافظين الجدد في تمديد حبالها وروابطها الخفية إلى داخل البلاط الملكي ليس السعودي وحده بل وربما في "قصر عابدين" المصري. ويعود الفضل في إثارة شكوك الرأي العام العربي في مدى مصداقية توجهات البلاط الملكي السعودي وقصر عابدين وغيرهما إلى مقاتلي حزب الله اللبناني الذين نجحوا في إزالة الغبار والضباب الذي كان يحجب تفاصيل المشهد الحقيقي عن الرأي العام العربي والإسلامي. كما أضاف التقرير قائلاً بأن العلاقات السعودية – السورية قد بدأت تشهد الخلاف والتوتر بعد حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، الذي كان يمثل رجل السعودية في لبنان على حد تعبير التقرير، كما توترت العلاقات بعد تزايد مخاوف حلفاء أمريكا العرب من تزايد نفوذ إيران الشيعية في لبنان، ولكن ما لم يشر إليه التقرير هو لماذا لم يسع السعوديون وحلفاء أمريكا العرب إلى إزالة التوتر في علاقتهم مع سوريا بعد انكشاف فضيحة شهود الزور ضد سوريا الذين كان يقوم بإعدادهم المحقق الدولي اليهودي ديتليف ميليس الذي باركت السعودية ومصر قيامه بالمهمة. وأيضاً لم يقل التقرير أيهما الذي يستحق مخاوف العرب هل هو نظام الشاه الإيراني الذي احتل الجزر العربية أم نظام الثورة الإيرانية الذي دعم المقاومة الفلسطينية ودعم اللبنانيين من أجل الدفاع عن بلدهم ضد الاعتداءات الإسرائيلية على النحو الذي مكنهم من وضع حد للاعتداءات ودفعها للاستنجاد بالقوات الدولية والأمم المتحدة.
يقول آندرو روشي المحرر بوكالة رويترز بأن الأداء السلوكي السعودي السلبي إزاء قمة دمشق من الممكن أن يتمثل في الآتي:
• تقليل مستوى الحضور السعودي في القمة إلى أدنى حد ممكن لجهة إظهار مشاعر السخط وعدم الرضا الملكي السعودي.
• حث وتشجيع البلدان الخليجية الأخرى من أجل تقليل مستوى تمثيلها وحضورها في قمة دمشق.
* الأزمة على خط الرياض – دمشق:
لكل أزمة محفزاتها وقوى الدفع الخاصة بها، التي تدفع باتجاه تشديد وتصعيد ديناميكيات الضغوط الأزموية، وما هو جدير بالملاحظة أن الأزمة على خط الرياض – دمشق، لا تقوم على أية محفزات داخلية وإنما المحفزات كلها خارجية، وتحديد تأثيرات العامل الأمريكي المرتبط بالمشروع الإسرائيلي أولاً، والمصالح النفطية والمالية الأمريكية ثانياً. وقد تزايد تأثير العامل الأمريكي في السعودية على خلفية جانبين، الأول يتمثل في انكشاف وضعف القدرات الأمنية – العسكرية السعودية، وثانياً في اعتماد النظام السعودي في بقائه على قوة أمريكا. وعلى هذه الخلفية كان كل تقدم وكل خطوة أمريكية باتجاه ممارسة النفوذ على التوجهات السياسية الخارجية السعودية تقابل على الجانب السعودي بالمزيد من التراجعات والقبول المتحمس، فالسعوديون وتحديداً البلاط الملكي السعودي ومجلس الأمن القومي السعودي والمخابرات السعودية يدركون ويعرفون جيداً من الذي قام باغتيال رفيق الحريري، ولكن "مشروطيات" التعاون مع الإدارة الأمريكية تفرض عليهم البقاء ضمن حظيرة توجهات السياسية الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية، والسعوديون يعرفون جيداً خصوصية وطبيعة الأزمة الرئاسية اللبنانية لجهة أطرافها وعناصرها و"الأيادي الخفية" المتورطة فيها، ولكن لنفس المشروطيات فإنهم مطالبين بالسير في ركب المعايير المزدوجة وبناء الذرائع ضد خصوم المشروع الأمريكي في المنطقة. أما الحسابات السورية إزاء القمة فهي على الأغلب وربما من المؤكد أن تختلف بقدر كبير عن حسابات البلاط الملكي السعودي وقصر عابدين وغيرهم لجهة الإدراك الآتي:
• القمة العربية هي شأن عربي وليست شأناً خارجياً.
• الأطراف العربية هي المطالبة بالإسهام وفقاً لإرادتها وليس وفقاً للإملاءات الخارجية.
وعلى هذه الخلفية، فقد كان حضور سوريا قمة الرياض وفقاً لأعلى المستويات ولم يكن ذلك إرضاءً لأحد وإنما بما يتناسب مع "وزن" و"دور" و"مكانة" السياسة الخارجية السورية وتأثيرها الجيوبوليتيكي على المشهد السياسي العربي، فسوريا لاعب مهم وأساسي في منطقة شرق المتوسط وعموم منطقة الشرق الأوسط وقد أعطت هذه المزايا لسوريا ولدمشق خبرة القوة الناعمة في النفوذ والتأثير على الرأي العام العربي الذي يؤيد بالإجماع سياسة سوريا الخارجية القائمة على التمسك بالحقوق العادلة كأساس للسلام العادل والتسوية والاستقرار، وهو يرفض بالإجماع السياسات الخارجية الأمريكية القائمة على التبعية والاندماج ضمن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية.
وعلى خلفية ذلك، إذا كان الرأي العام العربي هو الرهان الأساسي للسياسة الخارجية السورية فعلى ماذا تراهن السياسة الخارجية التي تنتهجها الرياض والقاهرة وغيرهما. بكلمات أخرى، إذا كان محور واشنطن – تل أبيب يراهن على استخدام المعتدلين العرب من أجل أن تتنازل سوريا عن الجولان لمصلحة إسرائيل ويتنازل الفلسطينيون عن القدس وأراضيهم لإسرائيل ويقبل اللبنانيون بتجريد سلاح المقاومة والبقاء عزل في مواجهة إسرائيل، فهل سيراهن المعتدلون العرب على ذلك، أم سيستمرون في لعبة "الرهان غير المباشر" عن طريق التذرع بالمطالب التي يفهم ويدرك الشارع العبي والمعتدون العربي قبل غيرهم بأنها مطالب واهية لا تمثل سوى ذرائع أصبح يسخر منها الجميع –طولاً وعرضاً- من المحيط إلى الخليج وبالعكس.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد