السياسة الداخلية السعودية : الأخطار الماثلة والمؤجلة
الجمل: أدت العملية العسكرية السعودية ضد المسلحين الحوثيين في محافظة صعدة اليمنية إلى المزيد من الاستقطابات والتفاعلات , فما هي طبيعة هذه الاستقطابات, وما هي تداعياتها وما هو نطاق انتشار هذه التداعيات؟
* السياسة الخارجية السعودية : جدول أعمال ما بعد صعدة ؟
تشير التطورات والوقائع الجارية إلى أن العملية العسكرية السعودية ضد المسلحين الحوثيين في محافظة صعدة اليمنية , قد بدأت تترتب عليها المزيد من التداعيات لجهة تزايد زخم الاستقطابات الإقليمية والدولية , ويمكن الإشارة إلى ذلك ضمن السياقات النوعية الآتية :
- سياق علاقات الصراع : برزت أولى خطوط ومعالم علاقات الصراع على خلفية عمليات التعبئة السلبية الفاعلة , بحيث تزايد الإدراك السلبي السعودي إزاء طهران , وفي نفس الوقت تزايد الإدراك السلبي الإيراني إزاء الرياض, وما هو جدير بالملاحظة أن جامعة الدول العربية لم تتحرك حتى الآن لاحتواء العنف المسلح والمواجهات الدائرة في منطقة الحدود السعودية - اليمنية , وهي مواجهات عربية - عربية , وبالتالي فهي تقع ضمن دائرة اختصاص جامعة الدول العربية و أمينها العام عمرو موسى , ونفس الشيء ينطبق على منظمة المؤتمر الإسلامي , طالما أن هذه المواجهات تمثل مواجهات إسلامية - إسلامية, وبالتالي فهي تقع ضمن دائرة اختصاصات هذه المنظمة؛ وبكلمات أخرى, هل سلبية الجامعة العربية, وسلبية منظمة المؤتمر الإسلامي إزاء الأزمة, هي سلبية مصدرها بفعل فاعل ليس من مصلحته وجود أي تحركات دبلوماسية وقائية في هذا الوقت.
- سياق علاقات التعاون: برزت معالم وخطوط علاقات التعاون على خلفية التفاعلات الدبلوماسية - الأمنية المكثفة التي ضمت أطراف مثلث تجمع المعتدلين العرب الرياض - القاهرة - عمان , إضافة إلى اليمن والمغرب وتونس, ودول الخليج العربي , وتقول المعلومات , بأن السعودية تنظر إلى صراع صعدة اليمنية على غرار نظرة إدارة بوش إلى الحرب ضد الإرهاب القائمة على أساس اعتبارات الذي ليس معنا فهو بالضرورة ضدنا!!!
لم تقتصر التفاعلات الدبلوماسية - الأمنية المكثفة على المنطقة العربية وتجمع المعتدلين العرب وحسب , وإنما امتد نطاقها ليشمل واشنطن, إضافة إلى بعض بلدان الإتحاد الأوروبي , وتشير التقارير إلى مباركة الإسرائيليين, وقيام تل أبيب بدور نشط, اختارت فيه إسرائيل أن تعمل من "وراء حجاب" مصري - أردني تفادياً لاحتمالات إثارة ردود الفعل العكسية في المنطقة .
من الواضح, وعلى أساس اعتبارات صراع صعدة باعتباره أصبح أمراً واقعاً , فإن جدول أعمال السياسة الخارجية السعودية, سوف تظل لفترة طويلة قادمة أكثر انهماكاً بالتركيز على ملف الأمن الوطني القطري السعودي وأقل اهتماماً بملف الأمن القومي العربي, وبالتالي فعلينا أن نتوقع بأن تقلل الدبلوماسية السعودية تحركاتها الساعية إلى معالجة قضايا الصراع العربي - الإسرائيلي, وهو الأمر الذي سوف يصب في مصلحة إسرائيل, طالما أن القدرات الدبلوماسية السعودية سوف تتوجه إزاء استبدال " الخطر الحقيقي الإسرائيلي "بـ" الخطر الافتراضي الإيراني ".
* السياسة الداخلية السعودية : التداعيات الماثلة والمؤجلة ؟
تميزت العلاقات البينية المجتمعية السعودية , وأيضاً في بقية بلدان الخليج والجزيرة العربية , بقدر من الاستقرار النسبي خلال حقب خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي , ولكن هذا الاستقرار النسبي , أصبح ينطوي على قدر من مخزونات العنف الهيكلي الكامن في البنى الاجتماعية والمجتمعية , وذلك بسبب تأثير تطورات الأحداث والوقائع , والتي كان من أبرزها :
- مفاعيل الصراع العربي الإسرائيلي , وما أدت إليه من توترات بين النخب السياسية المرتبطة بالغرب والقاعدة الشعبية الاجتماعية التي أصبحت أكثر كراهية للغرب وأمريكا.
- مفاعيل الثورة الإسلامية الإيرانية , وما أدت إليه من ارتفاع في سقف طموحات الأقليات الشيعية الموجودة في السعودية وبلدان الخليج واليمن إضافةً للعراق, ولبنان, وهي طموحات اصطدمت بالواقع السني التقليدي المحافظ السائد في هذه البلدان.
- مفاعيل التدخل الأمريكي - الغربي المكثف , وما أدت إليه من توترات بسبب الضغوط التي بدأت تتعرض إليها عملية صنع واتخاذ القرار السياسي, والاقتصادي والاجتماعي في هذه البلدان , وذلك من جراء سعي الأطراف الخارجية , وعلى وجه الخصوص واشنطن , الرامية إلى إعادة توجيه هذه البلدان بما يتيح إدماجها ضمن المشروع الإسرائيلي .
وتأسيسا على هذه النقاط فمن الواضح , أن تداعيات العملية العسكرية السعودية ضد الحوثيين في منطقة صعدة اليمنية , سوف تتماثل إلى حد ما مع تداعيات العملية العسكرية الإسرائيلية ضد لينان في حرب صيف 2006 , وبكلمات أخرى، فإن الضغوط العسكرية الإسرائيلية التي أدت إلى تقسيم الفلسطينيين بين معسكر حركة فتح , ومعسكر حركة حماس , ثم أدت يعد ذلك إلى تقسيم اللبنانيين إلى معسكر قوى 14 آذار , وقوى 8 آذار , هي ضغوط يمكن , وبكل بساطة أن تشق طريقها إلى داخل القوام الاجتماعي السعودي - الخليجي , وليس هذا من قبيل الافتراض, ففي نفس الاتجاه , أدت ضغوط الوجود العسكري الأمريكي في العراق, إلى تقسيم العراقيين إلى سنة وشيعة , وأيضاً إلى تعميق الانقسام العربي - الكردي الذي كان موجوداً.
* مستقبل الأمن السياسي السعودي : إشكالية عدوى العنف السياسي المحتمل ؟
نشير الدراسات والبحوث المعنية بمجالات علم الاجتماع السياسي، وعلم النفس السياسي، وعلم الأمن القومي، إلى أن العنف السياسي يمكن أن ينطلق من "مستصغر الشرر" إذا كانت الشروط اللازمة لاندلاعه متوفرة، ومن أهمها:
• وجود مخزونات العنف السياسي الهيكلي الكامن، وعلى وجه الخصوص، تصاعد الخلافات الطائفية والمذهبية والعرقية من مجرّد خلافات عادية إلى خلافاتٍ تنطوي على الكراهية والعدوانية المصحوبة بالرغبة في استهداف الآخر والعمل على استئصاله، ومن المؤسف أن العديد من رموز الجماعات الوهابية قد سعى خلال الثلاثة أعوامٍ الماضية إلى إصدار الفتاوى المعادية للمذاهب الإسلامية الأخرى، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، ما حدث بواسطة بعض الزعماء الوهابيين خلال مقاومة حزب الله اللبناني ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006.
• وجود الحادث "س": مصطلح الحادث "س" يشير إلى الحادث "س" باعتباره الحادث الافتراضي، والذي يؤدي حدوثه إلى توفير الشرارة الأولى اللازمة لإشعال الحريق الهائل، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن أن يتمثل الحادث "س" في مشاجرة عادية بين طرفين، ينتمي كل واحد منهما إلى جماعةٍ أو طائفةٍ مختلفة، وبعدها تندفع بقية الأطراف لجهة المؤازرة والمشاركة في الصراع بفعل مخزونات الكراهية المتراكمة. ومن المؤسف، وبرغم توافر الأوضاع الاقتصادية الجيدة في السعودية وبلدان الخليج، فإن تقارير منظمات حقوق الإنسان تشير إلى المزيد من الانتهاكات والتجاوزات والتي لم تتورط فيها الجماعات الدينية، وإنما المؤسسات الرسمية الدولاتية. فقد أصبحت ظاهرة الاعتداء على بعض المساجد واستخدام الأجهزة الرسمية الرسمية في قمع ومنع الطقوس الدينية الخاصة بإتباع بعض المذاهب ظاهرة معروفة في داخل وخارج هذه البلدان.
لا يمكن، وعلى الإطلاق، أن يعيش المجمتع السعودي والخليجي بمعزلٍ عن التطورات الجارية في المناطق المحيطة، وذلك لأن المجتمع السعودي والخليجي كان وظلّ، وسوف يظلُّ يشكّل أحد مكونات البيئة الإقليمية الشرق أوسطية الرئيسية، وبالتالي، من غير الممكن إطلاقاً أن لا تنتقل عدوى الصراعات إلى هذا المجتمع.
• اندلع الصراع السنيّ – الشيعيّ في العراق، وانتقلت عدواه إلى المجتمع السعودي والخليجي.
• اندلع الصراع العربي – الفارسي في منطقة خوزستان الواقعة جنوب غرب إيران، وانتقلت العدوى إلى المجتمع السعودي والخليجي.
والآن، فقد اندلع الصراع السني – الشيعي في اليمن، وتحديداً بين الشيعة الزيدية اليمنيين والسلطات اليمنية المدعومة بواسطة السنة اليمينيين، وقد انتقلت العدوى إلى السعودية. وبرغم إنكار الرياض الشديد لانتقال هذه العدوى، فإن أبرز دليل على انتقال العدوى هو تورط القوات المسلحة السعودية في الحرب والصراع المسلح الدائر في محافظة صعدة اليمنية.
التورط العسكري السعودي في صعدة اليمنية، وإن كان تورطاً يجد السند والدعم بواسطة الجماعات السنية الوهابية السعودية، فهو أيضاً تورط يجد المعارضة والرفض الشديدين بواسطة الجماعات الشيعية السعودية، وهنا سوف تكمن "مصيبة" الأمن السياسي السعودي، لأن استمرار تزايد تراكمات التأييد السني السعودي من جهة المصحوب من الجهة الأخرى بتزايد تراكمات الرفض الشيعي السعودي سوف لن يؤدي سوى إلى تزايد مخزونات العنف الكامن في أعماق المجتمع السعودي، وعندما تصل الكراهية والبغضاء إلى حدها الأقصى، وتبلغ نقطة الغليان، فإن الجو يصبح ملائماً لظهور الحادث "س"، والذي سوف يُطلق شرارة الحريق الأكبر، وهو ما لا تدركه النخب السعودية والخليجية واليمنية الحاكمة، ولكن وبكل تأكيد تدركه إسرائيل وأمريكا لأنهما سبق أن جربتا ذلك في العراق ولبنان واستفادتا منه، والآن تسعيا إلى الحصول على "الجائزة الكبرى" من خلال إسقاط التجربة على السعودية والخليج واليمن السعيد.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد