العم سام يفقد تاجه

01-04-2013

العم سام يفقد تاجه

في عام 1945 أنتهت الحرب العالمية الثانية بإنتصار الحلفاء وهزيمة المحور , الحلفاء المنتصرون كان على رأسهم فرنسا وبريطانيا الأمبراطوريتين الأستعماريتين الأعظم في ذلك الوقت ولكن المنتصر الحقيقي والفاعل كان الأتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية . اما الأتحاد السوفيتي فليس موضوعنا هنا وأما الولايات المتحدة فكان لابد من تظهير لانتصارها على المستوى العالمي أي لابد من تحويل هذا الرصيد المعنوي إلى سيطرة حقيقية على الأرض وابتدأ هذا التظهير بمشروع مارشال الذي سيطرت بواسطته الولايات المتحدة على أوروبا اقتصادياً وبقي أمامها إخضاعها سياسياً أي إزاحة الدول الأمبريالية القديمة (فرنسا وبريطانيا) لتصبح هي الأمبراطورية العالمية المهيمنة الوارثة لأمبراطوريات العالم القديم . وهذا قاد الأمور نحو حرب السويس على مصر الذي ورطت فيها الولايات المتحدة كلاً من فرنسا وبريطانيا وربيبتهم في ذلك الوقت إسرائيل ثم لعبت لعبتها بدهاء لتضغط عليهم وتجبرهم على الأعتراف بهزيمتهم أمام عبد الناصر وهو ما أخرجهم نهائياً من نادي القادة المسيطرين لتنتقل قيادة العالم الغربي (وأكثر بقية العالم) للولايات المتحدة على أنقاض الأمبراطوريتين المهزومتين . مما يروى عن الترتيبات الأميركية أثناء حرب السويس أن الرئيس الأميركي تقصَّد أن يتصل برئيس الوزراء البريطاني إيدن ويوقظه من النوم متحججاً بفرق التوقيت عبر الأطلسي وليبلغه رسالة قاسية مفادها أن عدم إيقافه للعدوان وسحبه لقواته من قناة السويس يعني أنه سيستيقظ غداً ليعاني من البرد هو وكل البريطانيين لأنه لن يجد وقوداً للتدفئة في بريطانيا هذا كان أحد تهديدات الرئيس أيزنهاور لإيدن الذي ذكره تاريخهم وليس تاريخنا . وهكذا انتهت حرب قناة السويس بهزيمة فرنسا وبريطانيا وبانتصار مصر عبد الناصر وبتتويج الولايات المتحدة أمبراطورة للعالم الغربي بدل المهزومتين وبإستيعاب إسرائيل للدرس و فهمها لميزان القوى الجديد وتخليها عن خالقتها بريطانيا وداعمتها الأولى فرنسا التي أعطتها طائرات الميستير التي أمنت لها التفوق المرحلي على العرب والمفاعل النووي الذي أمن لها التفوق الأستراتيجي على العرب , رمت كل ذلك وراء ظهرها وتجهت فوراً صوب بقعة الضوء الجديدة الأمبراطورية الصاعدة ولعبت لعبتها بدهاء لتضع العرب خارجاً وتصبح هي دلوعة أميركا .
مالفائدة من هذا السرد التاريخي ؟ القياس عليه فما يحصل حالياً هو أن الحرب العالمية الثالثة المختلفة بالشكل عن الحرب العالمية الثانية شبه انتهت ولكن على خلاف الحرب الثانية لا منتصر واضح ولا مهزوم واضح لكن الواضح أن أميركا قد اهتز موقعها بشدة لأنها لم تنتصر بوضوح , وهذه فرصة روسيا العائدة شابة من جديد غنية قوية و مؤهلة لتكون الأعظم عالمياً و التي لا ينقصها إلا هزيمة واضحة لمنافستها أميركا ليعيد التاريخ نفسه وتدور الدوائر على أميركا كما دارت على فرنسا وبريطانيا من قبل وهنا نصل للحرب على سورية .
يبدوا أن روسيا هذه المرة ستلعب نفس لعبة أميركا مع فرنسا وبريطانيا في حرب السويس ستستفيد من تورط أميركا في الحرب على سورية لتهيئ المسرح لهزيمة أميركا وسقوطها وظهور البطل الجديد الروسي على المسرح , وهذا إن حصل سيؤكد أن الحرب على سورية انتقلت بسرعة من "ربيع عربي" أو "ثورة شعبية" (أظنها لم تنتقل بل من البداية كان مخططاً لها أن لاتكون كذلك) إلى شيء أكبر من حرب نفوذ هي حرب تحديد مراكز. هل روسيا جاهزة لهذا ؟ يبدوا أنها جاهزة وإن كان نفسها طويلا مقارنة بنفس أميركا أيام حرب السويس فهي تتصرف بروية ولكن من الواضح جداً أنها تتصرف بحزم و دون أن تتراجع إطلاقاً. تابعوا التحركات السياسة والعسكرية لروسيا (مثل إجراء أكبر مناورات عسكرية في تاريخها واختيار شرق المتوسط مكاناً للمناورات) تابعوا تصريحات مسؤوليها (بوتين قال شكل العالم الجديد سترسمه الحرب على سورية) منذ بدء الحرب على سورية وستعرفون عما أتكلم .
يبقى شيء ناقص .. نعم إنه الشق الإقتصادي فما الذي يوازي مشروع مارشال في تحضيره لصعود أميركا ؟ لم يطل بنا الأنتظار فعدا عن الدين الأمريكي المذهل للصين التي قال رئيسها الجديد إن التحالف الإستراتيجي بين روسيا والصين قد بلغ مستويات لم يصلها أي تحالف آخر بين قوتين عالميتين أي أن مفاعيل هذا الدَين مجيرة لصالح روسيا . ثم أتت الضربة الإقتصادية القاضية عبر إعلان دول البريكس بأنها ستبدأ بالإقراض بعملاتها الوطنية أي بالروبل و اللوان وزادوا بأن دول البريكس بصدد إنشاء صندوق نقد خاص بهم بديل لصندوق النقد الدولي الذي هو عنوان السيطرة الأمريكية على الإقتصاد العالمي .
سيطرت أميركا على أوربا عبر مشروع مارشال و سيطرت على إقتصاد العالم بعدها عبر حذف الذهب كضامن واعتبار الدولار عملة معيارية لكنها اليوم تحت وطأة الدَين الصيني وتحت التهديد بفقدان الدولار لتاجه وتحت أزمة أقتصادية داخلية خانقة يترافق ذلك مع فقدان ثقة عسكري نتيجة عدم تحقيق أي إنتصار مفيد بعد حروب في يوغسلافيا وألبانيا وأفغانستان والعراق . هل هي الفرصة التاريخية لروسيا هل هي دورة التاريخ التي تعلنها هذه المرة سورية كما أعلنتها مصر من قبل ( والدولتان هما رحم التاريخ ) هل نحن فعلاً على أعتاب عالم جديد تريد روسيا أن تتسيده مع حلفائها والبداية بالعمل مع سورية على هزيمة أميركا في سورية ليسقط تاجها في حضن الأمبراطور الجديد .
روسيا تجلس على ركبتها * وبوتين يرفع رأسه فحفل التتويج قريب .



*أثناء تتويج الملك يضع ركبه واحدة على الأرض ويستند عليها ولكنها هنا كناية عن ثبات الموقف الروسي.

بشار بشير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...