انتخابات الفرصة الأخيرة
الجمل عبد المتين حميد: يعلّق السوريون آمالهم على إتمام الاستحقاق الرئاسي القادم مُمنّين أنفسهم بأنّه الإعلان الفعلي لانتهاء الحرب, دون أن يغفلوا أنّ سورية ستبقى دائماً ضمن دائرة الاستهداف الأمريكي ما دام الكيان الصهيوني موجوداً, و على الرغم من محاولة الإعلام الصهيوني بشقيه الغربي و العربي تصوير الحرب على سوريا على أنها حرب سنيّة-شيعية إلا أنّ الشعب السوري يوقن تماماً أنّ حربه هي تحرير سوريا كلها بلوائها و جولانها و فلسطينها.
نعم لقد انتصر الشعب السوري على الولايات المتحدة الأمريكية و أتباعها من دولٍ تُدعى محور الاعتدال و من تنظيمات تُدعى إسلامية, لكن أمريكا لن تستكين بل ستتابع حربها بُعَيد استلام الرئيس القادم مهامه. سوف تعمل الولايات المتحدة على دسّ مواليها في الحكومة القادمة, هي لن تمارس أي ضغط على الرئيس المنتخب بل ستتولى منظمات المجتمع المدني و المؤسسات الاقتصادية العالمية الترويج لشخصيات بعينها و تلميع صورتها كي يتمّ تلقفها. ستكون مهمة هذه الشخصيات شنّ حرب اقتصادية مباشرة على المواطن السوري, يتم فيها تحميل فاتورة "إعادة الإعمار" على كاهل المواطن عبر القروض العقارية, في الوقت الذي تتمتع فيه المافيات الدولية باقتسام كعكة إعادة الإعمار بالاشتراك مع مافيات داخلية مماثلة لمافيا خدام في لبنان.
لم يسقط النظام القديم بسبب قوته و مناعته فهو كالجبن السويسري مليءٌ بالثقوب, بل بسبب صبر الشعب السوري الذي كان دقيقاً كالساعة السويسرية في تحديد هدفه و هو حماية الدولة السورية. فما الذي يمكن للرئيس المنتخب القادم أن يقدمه لهذا الشعب ليكون الطريق سالكاً نحو تحقيق الاستقرار الأمني و الاقتصادي؟ الأمر ليس مرهوناً بالقرارات التي سيصدرها الرئيس القادم بل بالخطوات التي سيتخذها لإنجاز القرارات على الأرض.
بعد ثلاث سنوات من الحرب تبدو اللحظة هي الأنسب للرئيس القادم للقيام بإصلاح حقيقي، يمكنه أولاً أن يكنس العناصر التي أصابها الذهول في بداية الأزمة و التي لم تكن تجرؤ على الخروج حتى لمجرد إصدار بيان صحفي. يمكنه أن يختار من معسكر النظام القديم الشخصيات الوطنية التي استوعبت الأزمة و أثبتت انتماءها للشعب و ولاءها للوطن. سوف يصطدم الرئيس القادم بالقوى التقليدية من انتهازيين و انبطاحيين و منافقين و متملّقين. هذه القوى ستعمل جاهدةً على بث الروح من جديد في جثة النظام القديم, هذه القوى المنعدمة الرؤى و الأهداف و المفلسة سياسياً تمكنت من تحقيق استمراريتها و المحافظة على ديمومتها عبر وسم الشعب بالانحطاط و بأنّه مصدر الشرور بينما أحاطت هذه القوى نفسها بهالة التقديس و عدم السماح بمس الذات النخبوية. هذه القوى اعتادت معايرة الشعب بأنها هي مصدر الأمن و الأمان في الوقت الذي كانت تسمح للوهابية – عبر غض الطرف على الأقل - بالتغلغل في الريف السوري. لو اختار الرئيس القادم مواجهة هذه القوى فعليه أن يكون واثقاً من وقوف الشعب السوري بكامله إلى جانبه, لذا يجب عليه ألا يهادن و ألا يساير هؤلاء الراغبين بالانتقام من الشعب السوري لأن فئة ضالة اعتقدت أنها تقوم بثورة في وجه هذه القوى.
تقف سورية على أعتاب الفرصة الأولى و الأخيرة للتخلص من هذه القوى التقليدية التي ما تزال متحكّمة في العديد من مفاصل الدولة السورية. يجب ألا تضيع هذه الفرصة, و إلا فلتتجهز هذه القوى لمواجهة غضب الشارع السوري الذي لم يعد لديه ما يخسره و لتحذر من غضب الجيش العربي السوري الذي لم يحرر سورية من عباءات "الإسلاميين" ليقدمها إلى هذه القوى.
بعد هزيمة 1967 أعلن الرئيس المصري جمال عبد الناصر استقالته و عودته إلى صفوف الشعب المصري مواطناً عادياً, عندها نزل الشعب المصري - المستاء من الهزيمة - إلى الشوارع رافضاً استقالة عبد الناصر. وجد عبد الناصر نفسه محصّناً بقوة الشعب, فاتخذ خطوات حاسمة أهمها اعتقال رئيس المخابرات المصرية صلاح نصر و محاكمته و كذلك تنحية صديق عمره المشير عبد الحكيم عامر و إعفاءه من كافة مناصبه و وضعه قيد الإقامة الجبرية. ما تلا ذلك كان استثنائياً؛ بعد أربعة أشهر نجح المصريون بتفجير المدمرة "إيلات" تلتها عملية "الحفار" و بعدها الهجوم على ميناء إيلات و من ثم وضع خطة "المآذن العالية" التي طوّرت لاحقاً لتكون الأساس لحرب تشرين 1973. اليوم و بعد توالي الانتصارات الشعبية و العسكرية على الأرض السورية ما هي الخطوات التي يمكن أن يتخذها رئيس سورية القادم؟
إضافة تعليق جديد