انقسام صناع القرار الأمريكي تجاه التعامل مع تركيا: المقدمات والنتائج
الجمل: يعتبر توتر علاقات خط أنقرة – واشنطن من الظواهر البارزة التي أربكت عملية صنع واتخاذ قرار السياسة الخارجية الأمريكية إزاء منطقة الشرقين الأوسط والأدنى، وتشير المعطيات الجارية إلى بروز العديد من وجهات النظر الأمريكية التي حاولت التوصل إلى كيفية تخفيف حدة التوتر وإعادة المياه إلى مجاريها بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية.
* صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية: إشكالية الخيار التركي:
ظلت كل حسابات السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرقين الأوسط والأدنى تقوم على أساس اعتبارات معالجة المتغيرات الجارية في وجود ثابت واحد لا يتغير، هو التحالف الاستراتيجي الذي يجمع مثلث أنقرة – تل أبيب – واشنطن ولكن بعد صعود حزب العدالة والتنمية لم تعد تركيا من بين هذه الثوابت الأمر الذي أدى إلى تعقيد وإرباك السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة.
انقسم الخبراء الأمريكيون إزاء مدى جدوى الخيار التركي بالنسبة لأمريكا وبرزت وجهات النظر الآتية:
• المتشائمون: يقولون أنه لا جدوى من استمرار التعامل مع تركيا وعلى الولايات المتحدة الاكتفاء بتحالفها مع إسرائيل والعمل باتجاه التحول من أجل بناء التحالفات الاستراتيجية الجديدة مع الحلفاء القوقازيين الجدد مثل جورجيا وأذربيجان إضافة إلى تشديد القبضة الأمريكية على العراق بما يتيح للولايات المتحدة تحويل قواعدها العسكرية وفك روابطها الأمنية مع تركيا.
• المتفائلون: يقولون أن الموقف التركي الجديد هو موقف طارئ يرتبط حصراً بوجود حزب العدالة والتنمية في السلطة وبالتالي فمن الممكن لواشنطن دعم المعارضة التركية التي تمتلك القدرة وعلى الصعود مرة أخرى والسيطرة على زمام المبادرة في أنقرة.
• المعتدلون: تجمع وجهة نظرهم بين التفاؤل والتشاؤم لجهة التأكيد على ضرورة ضبط النفس والحفاظ على الروابط مع تركيا ومن الجهة الأخرى على ضرورة عدم مسايرة تركيا في المواقف التي لا تنسجم مع السياسة الخارجية الأمريكية.
برغم زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى أنقرة والتي أعقبتها زيارة الرئيس أوباما فإن توجهات السياسة الخارجية الأمريكية لم تستقر حتى الآن على اتجاه محدد بدليل أن العلاقات الأمريكية – التركية ما زالت تثير الكثير من الخلافات وتعدد وجهات النظر الأمريكية.
* العلاقات الأمريكية – التركية: نموذج الشراكة:
استمعت لجنة الشؤون الأوروبية التابعة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي لتقرير الدكتور ستيفن جيه فلاناغان الخبير في الشؤون الدولية والحائز على كرسي هنري كيسنجر في الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكية.
ركز التقرير على مفهوم "نموذج الشراكة" كإطار عملي – تطبيقي للعلاقات التركية – الأمريكية خلال الفترة القادمة إلى حين نجاح حلفاء واشنطن الأتراك في تغيير توازنات القوى السياسية التركية إلى جانبهم بما يمكنهم من العودة إلى السلطة بعد الانتخابات التركية العامة القادمة.
يتضمن "نموذج الشراكة" التركية – الأمريكية الافتراضات الرئيسية الآتية:
• إمكانية استمرار العلاقات التركية – الأمريكية.
• إمكانية الحد من التوترات على خط أنقرة – واشنطن عن طريق الآتي:
- التركيز على أن تتعاون واشنطن وأنقرة في الموضوعات غير الخلافية.
- التركيز على تفادي التعامل مع أنقرة في الموضوعات الخلافية عن طريق عدم مطالبة واشنطن لأنقرة بتبني المواقف التي لا تنسجم مع توجهات حزب العدالة والتنمية.
- ضبط التوجهات التركية بما ينسجم مع المصالح الأمريكية وثوابت الأمن القومي الأمريكي في الشرقين الأوسط والأدنى.
تضمن "نموذج الشراكة" التأكيد على ضرورة استخدام التفاهم الاستباقي مع تركيا في الملفات الآتية:
• الملف الأفغاني.
• الملف الباكستاني.
• الملف القوقازي.
• الملف البلقاني.
• ملف آسيا الوسطى.
• ملف النفط والغاز.
أما بالنسبة لملف الشرق الأوسط فقد أكدت معطيات "نموذج الشراكة" على ضرورة تفكيكه إلى ملفات فرعية بما يسمح لواشنطن بالتفاهم مع تركيا حول بعضها وتفادي التفاهم معها حول البعض الآخر:
• يمكن التفاهم مع تركيا حول الملف العراقي وملف التعاون التركي مع حلفاء أمريكا كمصر والأردن والبلدان الخليجية.
• يمكن التفاهم مع تركيا حول ملفات الصراع العربي – الإسرائيلي وملف البرنامج النووي الإيراني ولكن بالتركيز على العموميات كضرورة تحقيق الأمن والاستقرار وتطوير التفاهم المشترك وما شابه ذلك.
أما بالنسبة لملف العلاقات التركية – الروسية فيتوجب على واشنطن العمل باتجاه تحقيق الآتي:
• تطبيق استراتيجية إبعاد أنقرة عن موسكو في العلاقات مع تركيا.
• تطبيق استراتيجية إبعاد موسكو عن أنقرة في العلاقات مع روسيا.
عموماً، يهدف "نموذج الشراكة" إلى إعادة تركيا مرة أخرى إلى شباك العنكبوت الأمريكي عن طريق استخدام المزيد من آليات التكييف الجديدة التي سيكون من أبرزها:
• تقديم الحوافز الأمريكية لأنقرة وفي الوقت نفسه عرقلة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
• إغراء تركيا بالقيام بدور الوكيل الأمريكي في الشرقين الأوسط والأدنى وفي الوقت نفسه ضبط تحركات الدور التركي الإقليمي بحيث لا يتعارض مع الثوابت الأمريكية الشرق أوسطية.
• دعم القدرات العسكرية التركية بما يتيح تعزيز دور المؤسسة العسكرية التركية وتفعيل دورها في ردع توجهات حزب العدالة والتنمية.
• دفع تركيا إلى التعاون مع كردستان العراق على أساس اعتبارات ضرورة التعاون المشترك لبناء مثلث أنقرة – واشنطن – أربيل.
• دعم خطط تمديد نفط وغاز آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين عبر الأراضي التركية وفي الوقت نفسه إبطاء تنفيذ هذه المشروعات بشكل ينسجم مع مبدأ كلما ابتعدت أنقرة عن موسكو كلما تم تمديد المزيد من خطوط الأنابيب.
نلاحظ أن نموذج الشراكة الذي يتم تطويره حالياً بواسطة خبراء العلاقات الأمريكية – التركية برغم أنه يتميز بقدر كبير من البراغماتية فإنه يتميز بنقطة ضعف رئيسية أنه سيكون نموذجاً مؤقتاً لأن قيود هذا النموذج مهما أوتيت من قوة فإنها لن تستطيع الحد من تأثير التطورات الميدانية على مفاعيل السياسة الخارجية التركية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد