ايران والسعودية : من الحرب بالوكالة الى الحوار بالأصالة
للوهلة الأولى يراودك شعور بأن محمد خاتمي قد عاد الى رئاسة ايران.
وبعد أن تستفيق من الصدمة تتزاحم الاسئلة في رأسك وأولها: كيف قفزت ايران والسعودية من مرحلة «الحرب بالوكالة» في العراق ولبنان وفلسطين الى مرحلة «الحوار بالأصالة».
تطرح السؤال في الوقت الذي يتكثف الجهد السعودي الايراني لحلحلة الوضع في لبنان, بعد الحلحلة التي شهدتها الساحة الفلسطينية, على مسافة أيام من «مؤتمر بغداد», وأسابيع قليلة من «مؤتمر الرياض».
وفجأة تتصور أن الحروب المذهبية التي يتحدث عنها الاميركيون ويبشر بها الاسرائيليون لا مبرر لها. ولماذا يتقاتل الشيعة والسنة إذا ما تفاهم السعوديون والايرانيون على توزيع المهام والحصص على امتداد الساحة الاقليمية؟
لكن المسألة ليست بهذه البساطة. صحيح ان العاهل السعودي والرئيس الايراني متفاهمان على خفض معدلات التوتر السياسي في المنطقة, مع اتساع القتال الداخلي الذي يشهده العراق, لكن الاستراتيجية الايرانية في واد والاستراتيجية السعودية في واد آخر.
وحركة علي لاريجاني وبندر بن سلطان, بين الرياض وطهران, التي مهدت للقمة السعودية الايرانية, حركة واعدة على أكثر من مستوى, إلا أنها أصغر من أن تحتوي, هكذا بشكل عجائبي, حجم الخلافات السعودية الايرانية المتجذرة.
وطموحات ايران في المنطقة معروفة, وكذلك الطموحات السعودية, وكل شيء يدل على ان التدخل السعودي يتزايد في مواجهة المد الايراني.
ألم يحذر مسؤولون ومستشارون سعوديون بالأمس القريب من أن «المملكة تتهيأ لدخول مباشر الى حلبة الحرب العراقية من أجل حماية السنّة»؟
ألم تتلاق السعودية مع مصر والأردن على تنبيه الولايات المتحدة الى «خطر قيام الهلال الشيعي في المنطقة»؟
ألم يجمع «العرب المعتدلون» كما تسميهم واشنطن, على ضرورة مواجهة «المطامع الايرانية والطموحات الايرانية النووية»؟
ثم كيف يمكن تفسيرمقولة احمدي نجاد €لسان حال مرشد الثورة€ «أن لبنان وايران جسم واحد» وأن ايران ستكون دائماً «سنداً للشعب اللبناني في أصعب الظروف». وفي هذه الحال ما هي «الحصة» السعودية في هذا الجسم المتعب؟
تطرح هذه الاسئلة على نفسك وعلى مَن حولك, وتعود مرة اخرى الى «مؤتمر بغداد» الذي يشغل الخليجيين بقوة هذه الايام, وتطل على سؤال آخر: هل ان اعلان الولايات المتحدة عن رغبتها في تطبيع علاقاتها مع كوريا الشمالية يشكل اعلاناً غير مباشر عن رغبتها الاخرى في تطبيع علاقاتها مع ايران الخمينية؟ استطراداً: هل ان جورج بوش وفريق عمله تحولا فجأة الى اعتماد المواقف البراغماتية في امتصاص الاحتقانات ومفاعيلها العسكرية, أم أن المسألة في النهاية لا تعدو كونها تكتيكات ظرفية من أجل التحضير للحروب المقبلة؟
ولماذا؟
لماذا ترتضي واشنطن دعوة سوريا وايران الى بغداد, وتعلن في الوقت نفسه عن جولة «مسؤولة كبيرة» €ايلين سوربري€ في المنطقة, والى دمشق تحديداً, من أجل حل «ازمة اللاجئين العراقيين»؟
الناطقون الرسميون باسم البيت الأبيض والخارجية الاميركية والبنتاغون يقولون أن ليس في نية الولايات المتحدة اجراء اي حوار مباشر مع سوريا وايران, لكن ما الذي يمكن ان نسمي الحوار الاميركي الايراني المتواصل عبر الرياض, والحوار الاميركي السوري المتواصل عبر وفود الكونغرس حيناً, والحج الأوروبي الى دمشق احياناً؟
من دون ان نذهب بعيداً في الاستنتاجات دعونا نتصور ان التجربة الاميركية مع الملف الكوري تصلح نموذجاً للتعامل الاميركي مع الملف الايراني, وأن الاعتراف الاميركي بالدور السعودي الاقليمي يفترض ان يشكل بداية اعتراف آخر بالدورين السوري والايراني.
في أي حال لماذا نكثر من التكهنات على خلفية الافتراض ان براغماتية بيكر هاملتون بدأت تشق طريقها الى البيت الأبيض؟
لننتظر اياماً. بعدها نرى بوضوح أكثر مصير «الخطة الامنية» في بغداد, ومصير «اتفاق مكة» ومصير التفاهم السعودي الايراني على احتواء الازمة اللبنانية.
وأياً كانت الاعتبارات المتصلة بالملف الكوري او الملف الايراني او الملفات الاخرى الساخنة, لا نستطيع أن ننكر واقعية الخامنئي في التعامل مع دول الجوار, وحرصه على اقامة حد ادنى من التفاهم مع دول الخليج من خلال المملكة العربية السعودية, وهو حرص يترجم رغبته الواضحة في تفادي الحروب المذهبية في العراق وخارج العراق.
انه الزمن الخاتمي يعود الى طهران والنجف وقم, وهو الزمن البراغماتي يلوح في أفق العلاقات الاميركية الايرانية والاميركية السورية.
ولنأمل خيراً ما دام الوقت متسعاً... لقطع الأمل في نهاية المطاف.
فؤاد حبيقة
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد