تعددت الأسباب والإحباط واحد في مصر
أصبح عامل التوصيلات (ديلفري) مدحت متكدراً طيلة الوقت، تسأله عما به، فيقول: «لا أشعر بالأمان! فقد يستغنون عن خدماتي في أي وقت في ظل تقلص ساعات العمل بسبب الحظر». مينا الطالب في جامعة عين شمس بات مهموماً أيضاً، قليل الكلام كثير النوم. تسأله عن سبب عزلته، فيقول: «الجامعة ستفتح أبوابها بعد أيام والأوضاع ليست على ما يرام. الطرق مزدحمة إلى درجة الشلل، وأخشى ألا يكون عناصر أمن الجامعة قادرين على تأمينها في ظل الأوضاع المرتبكة التي نعيشها. لا أشعر بالأمان». رانيا الموظفة الشابة في وسط القاهرة امتنعت عن الخروج مع صديقاتها في عطلة نهاية الأسبوع، وتقول: «وسيلة المواصلات الوحيدة التي أستخدمها هي مترو الأنفاق، ومشاهد التفتيش الصارم والتدقيق في أي جسم غريب في المحطات تصيبني بذعر من أن يشهد المترو انفجارات كتلك التي يقدم عليها الإرهابيون في سيناء. لا أشعر بالأمان». مصطفى الذي خطب زميلته في العمل قبل سنة يفكر جدياً في فسخ الخطبة على رغم حبه الشديد لها، لأنه «غير مستقر في عمله إلى حد كبير وفكرة الزواج وإنجاب أطفال في ظل الظروف الراهنة تخيفه». ويسأل: «كيف أكون مسؤولاً عن بيت وأسرة والبلد بأكمله في نفق مظلم غير معروف النهاية؟ لا أشعر بالأمان ولا أملك القدرة على توقع ما يمكن أن يحدث غداً».
تعددت المشاهد واختلف الأشخاص وتنوعت الأسباب ولا يجمع بينهم إلا الانتماء الى فئة عمرية شابة وشعور عارم بعدم الأمان. فبعد عامين ونصف العام تخللتها ثورتان وأحداث سياسية جسام وأوضاع اقتصادية متردية وانقسام أيديولوجي واجتماعي بالغ، يجد شباب مصر أنفسهم أسرى حالة عامة من فقدان الشعور بالأمان، إما لغياب الأمن، أو لزيادة الأعمال الانتقامية على أيدي جماعات دينية، أو لتهديد اقتصادي بفقدان العمل أو ضبابية المستقبل القريب، أو لعدم استشراف نور في نهاية النفق المظلم.
العجز عن رؤية بصيص الأمل عبر عن نفسه في استطلاع أجراه قبل أيام «مركز بصيرة لبحوث الرأي العام» عن «رأي المصريين في أحوالهم المعيشية وتوقعاتهم للمستقبل»، واتضح أن غالبية المصريين لا يشعرون بالأمان، وهذا طبيعي في ظل الأوضاع المرتبكة الحالية، لكن الغريب أن نسبة عدم الشعور بالأمان بين الشباب في الفئة العمرية من 18 إلى 30 عاماً كانت الأعلى وبلغت 78 في المئة.
الأسباب الكثيرة والمختلفة التي يذكرها الشباب لعدم الشعور بالأمان تصب كلها في خانة الإحباط الذي يعد من الأعراض القاتلة للدول في حال تمكن من مفاصلها الشابة. فثورة يناير 2011 أشعلها الشباب المؤمنون بالقدرة على التغيير والرغبة في التحسين في خضم الفساد والظلم الذي تراكم على مصر هم أنفسهم الشباب الذين يشعرون بعدم الأمان في أيلول (سبتمبر) 2013 بعدما تقطعت بهم سبل الأمل إما لافتقادهم الشعور بالأمان الذي غمرهم في خضم فترات الانفلات الأمني بفعل تكاتف الشعب ووقوفه صفاً واحداً في مواجهة النظام، أو لعدم قدرتهم على رؤية مخرج من السدة السياسية التي قسمت مصر جبهتين.
وفي ظل تعذر الحلول السلمية، شاع الشعور بعدم الاستقرار، ومن ثم الإحباط. المستشار العلمي للرئيس الدكتور عصام حجي، الذي استبشر كثيرون بقدومه الى الساحة وهو عالم الفضاء الشاب الملقب بـ «رجل المريخ» وجد مشكلات أكثر تعقيداً على هذا الجزء من كوكب الأرض تفوق ما وجده على «المريخ»، وهي المشكلات التي قال إنها لن تحل ولن تتقدم مصر إلا إذا تم القضاء على الاحباط الذي ينتاب الشباب ومواجهة التعصب والكراهية، والتي هي نتاج نظام تعليمي خاطئ ولغة حوار مفتقدة.
موجات الصراخ الليلية في برامج «التوك شو» لم تعرف سوى الفشل، وصراعات العنف النهاري في الشوارع حيث تجتاح الجميع حالة من العصبية والسلوكيات البشعة تكشف وهن الأداء الحكومي الذي يعبّر عن نفسه بحالة من الاختفاء شبه الكامل باستثناء وزارات بعينها على رأسها الدفاع والداخلية.
ومعارك كتابة وتعديل الدستور أعادت المصريين الى المربع صفر، ومسيرات الإخوان الدورية المنددة بالجيش والشرطة والشعب تثير غثيان البعض وخوف البعض الآخر، وعمليات التفجير المنتشرة في سيناء والمقتربة من القاهرة ترهب الجميع خوفاً من تكرار سيناريوات عربية، ومعاناة الاقتصاد وتعثر أداء المصانع والشركات، ومن ثم تهديد العمالة، وإصرار فصائل سياسية عدة على إبقاء المصريين في دوامة الصراعات السياسية والمعارك الأيديولوجية والمشاحنات الدينية ... أي من ذلك كله لم يوفر فرصة عمل واحدة أو يضمن وسيلة مواصلات آمنة لشابة أو يكلل علاقة خطبة بالزواج.
أمينة خيري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد