ثلاثة سيناريوهات لمستقبل السياسة الخارجية التركية

18-12-2008

ثلاثة سيناريوهات لمستقبل السياسة الخارجية التركية

الجمل: تشير معطيات الخبرة التاريخية إلى أن العلاقات التركية – الأمريكية ظلت دائماً تكتسب الحرارة والدفء عندما يكون الأمن الأمريكي والأمن الإسرائيلي في مواجهة التحديات والمخاطر وقد ظلت أنقرة تستغل فرص التهديدات والمخاطر هذه للحصول على المعونات والمساعدات، والآن وبصعود إدارة أوباما فإن أجندة إدارة بوش ستختفي من الساحة التركية.
* خط أنقرة – واشنطن: التساؤلات الحرجة:
يتمثل أبرز التساؤلات الحرجة في الآتي:
• إلى أي مدى ستتكيف أنقرة مع أجندة إدارة أوباما الديمقراطية الجديدة، التي ستحل محل إدارة بوش التي شهدت علاقات خط أنقرة – واشنطن خلال عهدها المزيد من التوترات في الأعوام الماضية.
• إلى أي مدى ستتكيف واشنطن مع أجندة حكومة حزب العدالة والتنمية التركي المسيطرة على أنقرة وهي الأجندة التي سبق أن سعت إدارة بوش إلى الضغط على أنقرة للتراجع عنها.
تشير التوقعات إلى أن الخلافات على خط أنقرة – واشنطن ستظل قائمة طوال ما كانت تل أبيب موجودة وتحاول تفعيل علاقات خط واشنطن – أنقرة لخدمة مصالحها في المنطقة العربية أو مناطق القوقاز أو حتى داخل تركيا.
* جدول أعمال علاقات أنقرة – واشنطن: ماذا تحمل الأجندة:
من خلال متابعة روابط أنقرة – واشنطن يمكن الإشارة إلى الملفات الآتية باعتبارها تشكل نقطة التقاطع في المصالح بين تركيا وأمريكا، هذا ويمكن استعراض هذه الملفات مع توضيح تأثير العامل الإسرائيلي في التشويش على أجندة هذه الملفات ومحاولة توجيه مياهها لتصب في الطاحونة الإسرائيلية:
• ملف النفط والغاز: تسعى الولايات المتحدة إلى استخدام الأراضي التركية كممر لأنابيب النفط والغاز القادمة من آسيا الوسطى ومن شمال العراق ومن مناطق بحر قزوين بحيث تسيطر الشركات الأمريكية على تدفقات النفط والغاز التي تشكل القوام الاستراتيجي لإمدادات الاقتصاديات الأوروبية من الطاقة، ويتمثل التشويش الإسرائيلي في مساعي اللوبي الإسرائيلي الهادفة إلى تمديد هذه الأنابيب عبر البحر المتوسط إلى سواحل إسرائيل بحيث يتم تصدير النفط والغاز إلى أوروبا انطلاقاً من الموانئ الإسرائيلية وليس من الموانئ التركية.
• ملف العراق: تحاول واشنطن دفع تركيا إلى التعاون معها في عملية استدامة السيطرة الأمريكية على العراق، ويتمثل التشويش الإسرائيلي في محاولة تل أبيب دفع أمريكا وتركيا باتجاه القبول بمشروع إقامة الدولة الكردية المستقلة التي ستقوم بدور نقطة التمركز التي يمكن الانطلاق منها باتجاه تهديد إيران والعراق والقوقاز وآسيا الوسطى، إضافة إلى إمكانية استخدامها في تهديد الأمن القومي العربي من الاتجاه الاستراتيجي الشمالي – الشرقي. وعلى هذه الخلفية توترت العلاقات بين واشنطن الداعمة لملف الدولة الكردية وأنقرة الرافضة لهذا الملف.
• ملف عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي: ظلت تركيا تعمل باستمرار من أجل الالتحاق بالاتحاد الأوروبي باعتبارها تمثل إحدى أهم طموحات الرأي العام التركي، وبالمقابل حاولت أمريكا دعم عضوية تركيا ولكن التشويش الإسرائيلي كان أكثر فعالية في دفع واشنطن باتجاه استخدام ملف العضوية كوسيلة لابتزاز تركيا ومحاولة استغلال قدراتها الهيكلية والوظيفية في الساحتين الإقليمية والدولية بأكبر ما يمكن.
من الصعب الفصل بين هذه الملفات والملفات الأخرى الناتجة عن تداعيات تقاطعات هذه الملفات وتداخل أجنداتها على سبيل المثال لا الحصر لا يمكن فهم أسباب إيقاف تركيا لعمليتها العسكرية ضد شمال العراق فجأة بمعزل عن علاقات خط أنقرة – واشنطن القائم على أساس موقف تل أبيب وأجندة اللوبي الإسرائيلي المرتبطة بأجندة اللوبي الكردي الموجود في واشنطن.
* حزب العدالة والتنمية: إشكالية تحقيق التوازن بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية التركية:
سيجد الحزب مشكلة حقيقة في تحقيق التوازن بين أجندة جدول أعمال السياسة الداخلية وأجندة جدول أعمال السياسة الخارجية ويمكن توضيح ذلك من خلال "إشكالية الأولوية" حيث يتمثل السؤال الصعب أمام أنقرة في أنه لمن ستكون الأولوية: هل لأجندة السياسة الداخلية أو الخارجية؟ بكلمات أخرى، فإن الرأي العام التركي أيد حزب العدالة والتنمية من أجل برنامجه وشعاراته الهادفة إلى إدماج تركيا ضمن بيئتها الشرق أوسطية أما حلفاء تركيا الخارجيين بقيادة واشنطن وتل أبيب فإنهم يحاولون الدفع باتجاه استخدام تركيا كممر للنفوذ والهيمنة على العالم العربي والقوقاز وآسيا الوسطى وهو أمر سيدخل أنقرة في علاقات عداء وصراع مع دول وشعوب هذه المنطقة وهو أمر وبالتأكيد سيترتب عليه إفشال مشروع إدماج تركيا ضمن بيئتها الشرق أوسطية.
* مستقبل السياسة الخارجية التركية:
أصبحت السياسة الخارجية التركية في مواجهة المفاضلة بين ثلاث خيارات يمكن الإشارة إليها على النحو الآتي:
• السيناريو المثالي: ويتضمن الالتزام بإدماج السياسة الخارجية التركية مع أجندة السياسة الخارجية الأمريكية على غرار ما كان يحدث خلال فترة حكم الرئيس تورغت أوزال وسليمان ديميريل وفي هذه الحالة سيحدث الآتي:
- ستفقد تركيا روابطها الوثيقة مع دول جوارها الإقليمية.
- ستتحول تركيا إلى قاعدة للعدوان الإسرائيلي ضد دول جوارها الإقليمي وهو أمر سيورط تركيا في صراعات إقليمية وعلى وجه الخصوص مع إيران.
- سيورط تركيا في عداوات مع موسكو وذلك بما سيترتب عليه حرمان تركيا من مزايا مرور أنابيب النفط والغاز الروسي ونفط وغاز آسيا الوسطى عبرها.
- سيورط حكومة أنقرة في صراع مع الرأي العام التركي نفسه لأن محور واشنطن – تل أبيب سيطالب أنقرة بتقديم التنازلات للحركات الكردية الانفصالية.
• السيناريو اللايقيني: ويتضمن الالتزام بانتهاج جدول أعمال سياسة خارجية تقوم على محاولة الجمع بين الأجندة المتناقضة – المتنافرة والتي تستند إلى معطيات نظرية اتخاذ القرار لجهة إدارة الأزمات المستفحلة ومن أبرز مخاطر هذا السيناريو نجد:
- فقدان السياسة الخارجية التركية للاتجاه.
- تزايد شكوك دول الجوار الإقليمي في مصداقية تركيا السياسية والاستراتيجية.
- تزايد شكوك المستثمرين الأجانب في مصداقية استقرار الأوضاع في تركيا.
- تزايد ضغوط محور تل أبيب – واشنطن لدفع أنقرة باتجاه تقديم المزيد من التنازلات.
• السيناريو الواقعي: ويتضمن الالتزام بإعطاء الأولوية للاعتبارات المتعلقة بإدماج تركيا ضمن بيئتها الإقليمية الشرق أوسطية وهذا معناه:
- مواجهة الضغوط الإسرائيلية – الأمريكية.
- مواجهة المعارضة العلمانية التركية التي يقودها حزب الشعب الجمهوري.
- مواجهة الحركات الانفصالية الكردية التي سوف لن تتردد إسرائيل وأمريكا في تزويدها بالدعم المفتوح لجهة إذلال أنقرة وإرغامها على التراجع أو جعل الجيش التركي يواجه خطر الهزيمة على يد الحركات الكردية بما يجعله ينقلب على حكومة أنقرة.
- مواجهة ضغوط الاتحاد الأوروبي وذلك بقلب المعادلة بحيث بدلاً من أن تنصاع تركيا لشروط عضوية الاتحاد الأوروبي يضطر الاتحاد الأوروبي للقيام بتقديم التنازلات لتركيا حفاظاً على المصالح الاستراتيجية الأوروبية في تركيا التي لن يستطيع الأوروبيون المغامرة بفقدانها دفعة واحدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن انسحاب تركيا من حلف الناتو سيترتب عليه إفقاد الناتو لكامل قيادته الجنوبية وأيضاً لفقدان الجيش التركي الذي يشكل ثاني أكبر قوة داخل الناتو.
عموماً، حتى الآن لم تتضح الخطوط والمعالم الرئيسية لسياسة إدارة أوباما الديمقراطية إزاء تركيا ولكن على خلفية صعود هيلاري كلينتون إلى منصب وزير الخارجية الأمريكي فإن من المتوقع هو أن تحاول الإدارة الأمريكية الجديدة اعتماد الأجندة الآتية إزاء تركيا:
• الضغط على تركيا من أجل مساندة برامج العقوبات الجديدة المتوقعة ضد إيران.
• الضغط على تركيا من أجل عدم عقد أي اتفاقيات تغطية مع روسيا والاكتفاء بإفساح المجال حصراً للشركات النفطية الأمريكية.
• الضغط على تركيا من أجل إرسال المزيد من القوات إلى المسرح الأفغاني.
• الضغط على تركيا من أجل تقديم التنازلات أو على الأقل تخفيف ضغوطها على الحركات الكردية المتمركزة في العراق.
• الضغط على تركيا من أجل تقليل جهودها في ملفات الصراع العربي – الإسرائيلي وترك هذه الملفات لواشنطن لتقوم باتخاذ ما تراه مناسباً من جهود دبلوماسية.
• الضغط على تركيا عن طريق ابتزازها باستخدام آلية المعونات والمساعدات لجهة إرغامها على التراجع عن توجهاتها.
• الضغط على تركيا عن طريق الضغط على حلفاء أمريكا المعتدلين العرب وأذربيجان وجورجيا لجهة تقليل روابطهم مع أنقرة.
• الضغط على أنقرة عن طريق استخدام الورقة القبرصية لجهة دعم اليونان وانفصال جمهورية قبرص اليونانية.
• تقديم الدعم السري الاستخباري لحزب الشعب الجمهوري وغيره من الحركات السياسية التركية الحليفة لمحور واشنطن – تل أبيب,.
لكن وبرغم كل هذه الضغوط فإن ورقة سيناريو السياسة الخارجية الواقعية هي مفتاح النجاح والخروج من كل أزمات تركيا لأن هذا السيناريو سيظل الخيار الوحيد الأمثل لجهة تزايد شعبية حزب العدالة والتنمية إضافة إلى ضمانات استمرار بقائه في السلطة إضافة لذلك، وتأكد بالفعل أن المواجهات والخلافات السابقة التي حدثت على خط أنقرة – واشنطن في العامين الماضيين وبرغم محاولات محور واشنطن – تل أبيب الضغط على أنقرة فقد أدت إلى تزايد شعبية حزب العدالة والتنمية على النحو الذي أرغم واشنطن وتل أبيب على التراجع والعمل من أجل تقديم التنازلات لأنقرة:
• كان محور واشنطن – تل أبيب يرفض قيام أنقرة بتنفيذ أي عملية عسكرية ضد شمال العراق ولكن عندما بادرت أنقرة إلى تنفيذ العملية اضطرت واشنطن وتل أبيب إلى القيام بمساعدة أنقرة خوفاً من خسارة تركيا.
• كان محور واشنطن – تل أبيب يطالب بدخول أنقرة إلى ساحة المواجهة في البحر الأسود إلى جانب جورجيا إضافة إلى المشاركة في الحشود العسكرية البحرية الأمريكية والغربية في البحر الأسود خلال الحرب الجورجية – الروسية ولكن عندما رفضت أنقرة السماح للسفن الأمريكية بعبور مضيق البوسفور اضطرت واشنطن وإسرائيل إلى القبول والموافقة واستبدال مخططاتهما عن طريق الاكتفاء بوجود قطع الناتو البحرية وبعض القطع الأمريكية التي كانت موجودة سلفاً في البحر الأسود.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...