حزب الله اللبناني بوصفة ظاهرة فريدة في النظام الدولي المعاصر
الجمل: بعد مرور أكثر من 25 عاماً على إنشاء حزب الله اللبناني، فإنه مايزال يمثل ظاهرة فريدة من نوعها في النظام الدولي المعاصر، وذلك بسبب الخصوصية التي ظل يتميز بها، والتي جعلته يتخطى حاجز كونه منظمة لميليشيا مسلحة صغيرة الحجم في بلد صغير المساحة والسكان مثل لبنان، فقد أصبح حزب الله لاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط، يتميز بالأداء الميداني العسكري والسياسي الناجح في مواجهة إسرائيل وأمريكا وحلفائهم اللبنانيين والغربيين.
برغم قيام حزب الله بتنفيذ الكثير من العمليات العسكرية، فإن العمليات التي تمثل المعالم البارزة على طريق تطور حزب الله ونضجه السياسي والعسكري تتمثل في الآتي:
- 1983: تفجير السفارة الأمريكية في بيروت، والذي أسفر عن مصرع 63 أمريكياً داخل السفارة، ثم أعقب ذلك بسبعة شهور، قيام حزب الله بعملية تفجيرية أخرى في مطار بيروت أدت إلى مصرع 241 عسكرياً أمريكياً.
- 1984: تنفيذ عملية تفجيرية ضد إحدى المنشآت التابعة للسفارة الأمريكية في بيروت بشكل أدى إلى مقتل 24 أمريكياً. ثم أعقب ذلك بتنفيذ عملية تفجيرية أدت إلى مقتل 58 جندياً فرنسياً كانوا يتمركزون بمطار بيروت الدولي.
- 2000: قتل ثلاثة جنود إسرائيليين، وأسر بعض رجال الأعمال الإسرائيليين.
- 2006: أسر الجنود الإسرائيليين، وأعقب ذلك قيام مقاتلي حزب الله بإلحاق الهزيمة العسكرية بالجيش الإسرائيلي في حرب الصيف الماضي بجنوب لبنان.
التسلسل الزمني المتعاقب لخط عمليات حزب الله العسكرية والسياسية، يشير إلى قدرة الحزب في المجالين السياسي والعسكري، وذلك من مجرد ميليشيا تقوم ببعض العمليات التعرضية، وعمليات حرب العصابات على طريقة اضرب واهرب، مثل تفجير السفارات والمجمعات وخلافه، هي قدرة قد تطورت إلى مرحلة القدرة على خوض المواجهات العسكرية الشاملة، وفقاً لقواعد الحرب اللامتماثلة، والتي نجح حزب الله في تطبيق قواعد الاشتباك الخاصة بها، ضد الجيش الإسرائيلي في حرب الصيف الماضي، وقد شكلت هذه الواقعة حدثاً بارزاً أدى إلى تراجع جيوش العالم الكبيرة مثل الجيش الأمريكي والبريطاني والفرنسي عن مذهبيتها العسكرية والقتالية، وذلك على نحو انكب فيه الخبراء العسكريون والاستراتيجيون بانهماك بالغ من أجل صياغة قواعد جديدة لخوض الصراع في الحروب والمواجهات اللامتماثلة.
أبرز المزايا التي يتفوق بها حزب الله في الوقت الراهن تتمثل في الآتي:
- الحيوية المتجددة: وتتمثل في قدرة حزب الله على:
• التعويض: استطاع حزب الله في كل المراحل السابقة تعويض خسائره بكفاءة عالية، وكانت البدائل الجديدة أفضل مما كان قبلها، وحالياً تشير التقارير إلى أن حزب الله قد خرج من حرب الصيف الماضي وهو أكثر قوة من الناحيتين السياسية والعسكرية.
• الكفاءة والفعالية: تتسم عمليات حزب الله دائماً بالكفاءة والفعالية، بحيث لا تجد عمليات عسكرية عشوائية، بل دائماً ترتبط بالجانب السياسي، الأمر الذي أدى إلى تعزيز قدرة حزب الله على المضي قدماً والانتقال بفعالية من المعركة العسكرية إلى المعركة السياسية.
• المرونة: برغم تمركز حزب الله في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية إلا أنه قادر على التمتع بها من مناورة عسكري سياسي كبير الحجم والتأثير، وذلك على أساس قدرته الفائقة في التأثير على صنع واتخاذ القرار في واشنطن، تل أبيب، باريس، ولندن..
• التكيف: استطاع حزب الله أن يتجاوز كل الخطوط الفاصلة في البيئة السياسية والاجتماعية اللبنانية، فالمسيحيون اللبنانيون ينظرون لمقاتل حزب الله مثل أي مسيحي، والسنة ينظرون إلى مقاتل حزب الله كمقاتل سني، وهي ميزة لا تتمتع بها الميليشيات والفصائل اللبنانية الأخرى، الأمر الذي دفع الكثير من المحليين في سائر أنحاء العالم، بما في ذلك بعض المحللين الإسرائيليين إلى القول بأن زمن حزب الله الشيعي قد ولى وأصبح الآن هناك حزب الله العربي اللبناني.
- وحدة الجهد: بعد حرب الصيف انكفأت إسرائيل تواجه مشاكل هزيمتها، ولكن حزب الله مضى قدماً في معركته، واستطاع أن يحرز الكثير من التقدم، وبرغم أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا، تفتخر بالديمقراطية والليبرالية، إلا أن حزب الله استطاع أن يتحول من هزيمته العسكرية التي ألحقها بإسرائيل في الساحة اللبنانية، إلى هزيمة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا سياسياً في لبنان، وذلك عندما طالب بإجراء الانتخابات أو الاستفتاء الشعبي إزاء بعض المواضيع السياسية، ومن ثم فإن رفض الثلاثي أمريكا- فرنسا- بريطانيا للانتخابات والاستفتاء يعتبر في حد ذاته هزيمة سياسية وأيديولوجية، وذلك لأنه أظهر الثلاثي المنادي بتطبيق الديمقراطية الانتخابية في العالم بمظهر الرافض والمتراجع عن هذه الديمقراطية.
التحديات القادمة أمام حزب الله في داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط، ماتزال كثيرة ومتصاعدة وأكثر تعقيداً، وبرغم وجود القوات الدولية في لبنان، والأساطيل العسكرية الامريكية في الخليج، والقوات الأمريكية والبريطانية في العراق، وجيش إسرائيل الكامل العتاد والاستعداد.. فإن الجميع مازال يحسب ألف حساب لوجود حزب الله اللبناني، الذي بدأ شيعياً، وبعد ربع قرن أصبح عالمياً.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد