خريف مبارك وربيع القذافي
الجمل: بدأت العلاقات على خط واشنطن – القاهرة تأخذ طابعاً جديداً وجاءت أولى المؤشرات الدالة على ذلك هذه المرة على صفحات مجلة ويكلي ستاندرد الناطقة باسم جماعة المحافظين الجدد، والتي تضمنت آخر إصداراتها مقالاً ساخناً حافلاً بتوجيه الانتقادات ضد الرئيس المصري حسني مبارك الذي ظل من أخلص حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
* سردية الهجوم على الرئيس مبارك:
كاتب المقال هو اليهودي الأمريكي جيفري عيزارفا، أما المجلة فيترأس تحريرها زعيم جماعة المحافظين الجدد ويليام كريستول، وقد حمل المقال عنوان «خريف مبارك» أشار فيه إلى النقاط الآتية:
• مثل كل الأوتوقراطيين العجائز ذوي الشرعية المنحدرة، فإن الرئيس مبارك يسعى من أجل الإبقاء على استمرار النظام القائم، وحالياً فإن حسني مبارك الذي حكم لفترة أطول من أي فرعون لم يترك حجراً واحداً لم يقلبه في سعيه لتأمين نظامه والحيلولة دون حدوث التغيير في السلطة.
• لفترة طويلة ظل الرئيس مبارك يستخدم الصراع العربي – الإسرائيلي كصمام لتنفيس وتهدئة السخط الشعبي.
• حاول الرئيس مبارك في العديد من المرات دفع انتباه الرأي العام المصري بعيداً عن الإخفاقات الداخلية عن طريق استخدام لهجة الخطاب السياسي الذي يوجه الانتقادات لأمريكا وإسرائيل.
• اعتمد الرئيس مبارك لنفسه صورة حليف واشنطن القوي والزعيم العلماني المناهض للتطرف الديني، وعمل على موازنة ذلك عن طريق معادلة تقول بوضوح: السلام مع إسرائيل والتعاون مع أمريكا مقابل قبض المعونات الأمريكية.
• برغم أن مبارك ظل يقبض من واشنطن ثمناً يبلغ مليار دولار سنوياً، فإنه وبعد مرور عشر سنوات ما زال غير قادر لا على تحقيق السلام مع إسرائيل ولا على التعاون مع أمريكا.
• الآن، أصبح الرئيس مبارك يقترب ويدنو من النهاية وستتضح أكثر فأكثر أن الفرضية القائلة بأن مصر هي وسيلة تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط هي فرضية خاطئة.
• داخل مصر تزايدت المشاكل الاقتصادية وخارج مصر لم يعد للتأثير أو النفوذ المصري من وجود، وإضافةً لذلك جلب الرئيس مبارك لمصر عدم احترام شعوب الشرق الأوسط وظل ومازال حتى الآن منهمكاً في إخفاء الركود والعجز.
• حتى الآن لم ينجح مبارك في تحقيق الاستقرار لنظامه وفي يوم الاحتفال بثورة 23 تموز اعتقلت قوات الأمن 14 شخصاً بتهمة محاولة إسقاط النظام.
• حتى الآن من غير المعروف كيف سيجد الرئيس مبارك المخرج وقد بلغ عمره 80 عاماً عندما تنتهي فترة ولايته الحالية في عام 2011م القادم.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن هذا المقال لم تكتف جماعة المحافظين الجدد بنشره على صدر صفحات مجلتها وإنما قام بنشره كذلك الموقع الإلكتروني الخاص بمعهد المسعى الأمريكي والذي يعتبر حالياً الواجهة الفكرية – السياسية – الإيديولوجية لصناعة القرار في الإدارة الأمريكية.
* من الذي بدل جلده، القاهرة أم واشنطن؟
الأزمة التي بدأت على خط واشنطن – القاهرة أخطر ما فيها أنها أصبحت أزمة هيكلية – وظيفية تتميز بالأبعاد والضغوط المتقاطعة:
• القاهرة ظلت تؤكد لواشنطن بأنها وحدها القادرة على تحويل أحلام السياسة الخارجية الأمريكية إلى واقع.
• واشنطن ظلت تطالب القاهرة بأجندة سياسية لا تتميز بسقفها العالي وحسب بل وبالطبيعة المستحيلة التنفيذ.
وعلى خلفية وعود القاهرة الجوفاء ومطالب واشنطن غير الممكنة، كان طبيعياً أن تعجز القاهرة وتفشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أجندة واشنطن، وبالمقابل كان طبيعياً أن تصاب واشنطن بالإحباط وذلك على النحو الذي أدى إلى صعود أزمة الثقة والمصداقية على خط القاهرة – واشنطن.
* هل من سيناريو جديد قادم؟
ما أورده معهد المسعى الأمريكي نقلاً عن مجلة الويكلي ستاندرد ليس سوى المقدمة أو بالأحرى الملامح البارزة الأولى التي تبشر بانقلاب كامل قادم في علاقات واشنطن مع القاهرة، وتشير التسريبات إلى أن شعور واشنطن بالإحباط وخيبة الأمل قد حدث بسبب بعض الأحداث والوقائع الجارية التي من أبرزها:
• فشل القاهرة في القيام بدور تعزيز التوجهات الأمريكية في الساحة اللبنانية.
• فشل القاهرة في إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المعتقل لدى حركة حماس.
• فشل القاهرة في إقناع حركة حماس بقبول خطة الإحدى عشرة نقطة المتعلقة بحل أزمة غزة.
• فشل القاهرة في تأمين حدود إسرائيل الغربية.
• فشل القاهرة في إفراغ سيناء من سكانها البدو المصريين.
• فشل القاهرة في الحد من تحركات الدبلوماسية السورية.
• فشل القاهرة في قطع الطريق على قمة دمشق.
إضافةً إلى العديد من الإخفاقات الأخرى، فقد أصبح واضحاً أن واشنطن ستلجأ إلى تغيير أو ربما تبديل الاتجاه إزاء علاقات خط القاهرة – واشنطن.
* هل تكون ليبيا البروكسي الأمريكي الجديد في المنطقة؟
في الوقت نفسه الذي أبرزت فيه جماعة المحافظين الجدد انتقاداتها العلنية للرئيس مبارك ونظامه، فقد تناقلت أجهزة الإعلام الأمريكية والعالمية التقارير والمعلومات حول قيام وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بزيارة تاريخية للعاصمة الليبية طرابلس من أجل عقد لقاء مع الزعيم الليبي معمر القذافي. المعلومات والتسريبات الواردة حول لقاء القذافي – رايس أشارت إلى الآتي:
• تم اللقاء يوم أمس الجمعة في العاصمة الليبية طرابلس.
• يعتبر هذا اللقاء بمثابة لقاء تاريخي لجهة قيام الإدارة الأمريكية بإرسال مسؤول في مستوى وزير الخارجية إلى ليبيا التي ظلت لفترة طويلة من ألد أعداء وخصوم محور واشنطن – تل أبيب في المنطقة.
• اللقاء تم عقده في مباني مجمع العزيزية الذي سبق أن قصفته الطائرات الأمريكية عام 1986م وقتلت فيه ابنة القذافي بالتبني.
• شارك الوفد الأمريكي في اللقاء لمدة عشرة دقائق فقط ثم انسحب تاركاً القذافي ورايس في اجتماع مغلق.
• التقت رايس وزير الخارجية الليبي عبد الرحمن شلقم وبحثا:
- ملف إيران.
- ملف الإرهاب.
- ملف النفط.
- ملف العراق.
- ملف فلسطين.
- ملف العلاقات الأمريكية – السورية.
- ملف الوضع في لبنان.
- ملف الوضع في السودان.
• صرحت رايس بأن الزيارة ستمثل بالنسبة للإدارة الأمريكية الآتي:
- الزيارة تمثل أمر هام لأمريكا.
- الزيارة تمثل البداية ومؤشر الانفتاح.
هذا، وعلى خلفية تحركات رايس إزاء ليبيا فهل ستكون طرابلس هي اللاعب الأمريكي الجديد الذي سيقوم بدور البروكسي الإقليمي بدلاً عن القاهرة؟ ومن الواضح أن الأمريكيين أصبحوا أكثر اهتماماً بليبيا والتطورات الجارية في طرابلس لعدة أسباب أبرزها:
• إن تخلي ليبيا عن برامج أسلحة الدمار الشامل ينظر إليه الأمريكيون والإسرائيليون باعتباره نموذجاً يتوجب على إيران وكوريا الشمالية الاحتذاء به.
• إن طرابلس تستطيع مساعدة ودعم أمريكا في ثلاثة محاور:
- دعم التوجهات الأمريكية إزاء البلدان الإفريقية بسبب علاقات وروابط القذافي مع الزعماء الأفارقة وهي روابط تستطيع واشنطن استثمارها وتوظيفها بكل سهولة.
- دعم التوجهات الأمريكية إزاء البلدان العربية.
- دعم التوجهات الأمريكية إزاء الدبلوماسية الشرق متوسطية التي تقودها فرنسا والتي تحاول واشنطن السيطرة عليها بحيث لا يترتب عليها انقلاب الاتحاد الأوروبي وعلاقات عبر الأطلنطي.
- السيطرة على موارد النفط الليبي وحرمان فرنسا وألمانيا من الحصول على النفط الليبي بمعزل عن موافقة واشنطن المسبقة.
- قطع الطريق على صعود ونمو العلاقات الروسية – الليبية.
إضافةً لذلك تقول بعض التحليلات الأمريكية بأن واشنطن تستطيع ابتزاز طرابلس على غرار ما فعلت مع الرياض لجهة توظيف المال الليبي على غرار المال السعودي في دعم المصالح الأمريكية ويرى بعض الخبراء الأمريكيون بأن تعاون واشنطن مع طرابلس أفضل من تعاونها مع القاهرة لعدة أسباب:
• إن ليبيا تستطيع دعم الجهود الأمريكية بالمال والنفط أما مصر فهي تطلب المزيد من المساعدات والمعونات ثمناً لذلك.
• نظام القذافي أكثر استقراراً من نظام مبارك.
• علاقات القذافي الإقليمية أفضل من علاقات مبارك وعلى وجه الخصوص في المنطقة العربية والإفريقية.
إضافةً لذلك، يقول بعض الخبراء الأمريكيون بأن فتح خط واشنطن – طرابلس سيتيح لواشنطن المزيد من قدرة المساومة المناورة على خط واشنطن – القاهرة بحيث يكون أمام القاهرة خيار أن يتعاون بأكبر قدر ممكن مقابل أقل ما يمكن من المساعدات وإلا فعلى القاهرة أن تفهم أن واشنطن لديها البديل وهو طرابلس.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد