دعم الاحتلال أم الاستقلال؟
الجمل: تطورت صيغ إدارة الصراعات والنزاعات والتعامل معها بما ترتب عليه تجاوز أطراف الصراع إلى ما يعرف بظاهرة "الطرف الثالث" ودوره في إدارة الصراع.
* صراع العراق ونظرية "الطرف الثالث":
في كانون الثاني 2003م، وضمن الجهود الدبلوماسية التركية، بادر وزير الخارجية التركي عبد الله غول –حالياً يتولى منصب الرئيس- إلى إطلاق عملية دبلوماسية وقائية هدفت لمنع وقوع الحرب الأمريكية ضد العراق، وذلك ضمن ما عرف بعملية "بلدان الجوار العراقي".
كان الهدف التركي أن تركز هذه العملية على قيام وزراء خارجية الجوار العراقي والعراق بإجراء اللقاءات والاجتماعات والمشاورات التي تمهد السبيل وتفسح المجال واسعاً أمام الحل السلمي للأزمة العراقية، ولكن كما اتضح بالفعل فقد تجاهلت الإدارة الأمريكية عن عمد المبادرة التركية.
* اجتماعات بلدان الجوار العراقي: المبادرة التركية بمنظور أمريكي:
لاحقاً، بعد اكتمال عملية الغزو الأمريكي لجأت الإدارة الأمريكية إلى مبادرة بلدان الجوا ر العراقي ولكن ضمن منظور جديد ركز على الآتي:
• توسيع نطاق المبادرة بحيث تتضمن بلدان الجوار العراقي الستة (سوريا، الأردن، السعودية، الكويت، إيران، تركيا) والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، ومجموعة الثمانية، والأمم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي.
• استخدام لجنة الجوار العراقي في القيام بمساندة التوجهات والخطط الأمريكية في العراق.
• استخدام لجنة الجوار العراقي في عملية الضغط على سوريا وبقية بلدان الجوار العراقي لكي تقوم بقمع المقاومة العراقية الرافضة للاحتلال الأمريكي.
* لجنة الجوار العراقي وإدارة الصراع:
تشير الوقائع إلى أن لجنة الجوار العراقي قد عقدت اجتماعها الأول في شرم الشيخ في مصر والثاني في اسطنبول في تركيا، أما الثالث فيجري انعقاده حالياً في العاصمة الكويتية الكويت.
• البعد الهيكلي: يجب أن يرتبط تشكيل لجنة الجوار العراقي بالمفهوم الإقليمي لمعنى الجوار العراقي، ولكن الإدارة الأمريكية على ما يبدو قد سعت إلى توسيع اللجنة بهذه الطريقة، على النحو الذي يترتب عليه إفساح المجال أمامها للقيام بالمناورة على الخطط الخارجية بقدر أكبر، ومن المعلوم أن الإدارة الأمريكية تستخدم السعودية والكويت والأردن في مناوراتها داخل لجنة الجوار العراقي، وحالياً، وبسبب وجود مثلث دمشق – طهران – أنقرة، فقد لجأت الولايات المتحدة إلى سياسة الهروب إلى الأمام عن طريق إضافة الأعضاء الدائمي العضوية في مجلس الأمن كفرنسا وبريطانيا، وبالإضافة إلى مجموعة الثماني تكون أمريكا قد اجتذبت إلى عضوية اللجنة كندا، إيطاليا، ألمانيا، اليابان.
• البعد القيمي: تأكيدات الإدارة الأمريكية الحالية تنطوي على سياق قيمي واحد لا بديل عنه وهو ضرورة أن يقوم حلفاء أمريكا ودول الجوار العراقي بمساعدة سلطات الاحتلال لتأمين وجود واستمرار سيطرتها على العراق. والسؤال الأمريكي الوحيد الذي ظل يطرحه مندوب أمريكا داخل اللجنة: ما هي المساعدات التي ستقدمونها لنا في العراق.
• البعد التفاعلي: تتقاطع أجندة الاحتلال الأمريكي مع أجندة السياسة الخارجية الشرق أوسطية الأمريكية المتطابقة تمام التطابق مع المشروع الإسرائيلي وعلى هذه الخلفية تركز الإدارة الأمريكية على استخدام الملف العراقي في الآتي:
* استهداف سوريا.
* استهداف إيران.
* ابتزاز تركيا.
* ابتزاز السعودية والخليج.
* نهب الموارد النفطية العراقية.
* استغلال العراق لنشر القواعد العسكرية الأمريكية.
* المنظور الأمريكي لمسار لجنة الجوار العراقي:
ليس المطلوب أمريكياً من لجنة الجوار العراقي النظر في أمور مثل انسحاب القوات الأمريكية وإنهاء الاحتلال وما شابه ذلك، وإنما ما هو مطلوب يمكن تلخيصه ضمن البنود الآتية:
• المنع: ويتمثل في منع وإيقاف عمليات المقاومة العراقية العسكرية والسياسية، ودفع دول الجوار للقيام بدور الجدار العازل الذي يمنع المقاومة. وهناك ثلاثة أدوار للقيام بهذه المهمة:
* التزويد: ويتمثل في تزويد سلطات الاحتلال الأمريكي باحتياجاتها اللازمة للاستمرار والبقاء في العراق، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الكويت والسعودية زودتا الإدارة الأمريكية بالكثير من الأموال تحت مزاعم "مساعدة العراقيين".
* التعاليم: وتتمثل في إخماد الحملات السياسية والإعلامية التي تتطرق إلى خضوع العراق للاحتلال العسكري الأمريكي، والتطرق بدلاً عن ذلك إلى العراق باعتباره بلداً حراً مستقل الإرادة وتجاهل وغض النظر عن كل ما هو عكس أو غير ذلك.
* بناء الجسور: ويتمثل في القيام بدور الرابط والجسر الواصل بين سلطات الاحتلال الأمريكي والعناصر العراقية المعارضة للاحتلال إضافة إلى تواصل دول الجوار العراقي مع تحالف المتعاملين العراقيين المسيطر في بغداد باعتباره الممثل الحقيقي للإرادة العراقية الحرة المستقلة.
• الحل: وتتضمن عملية الحل قيام دول الجوار العراقي بالتدخل بالوكالة وعن سلطات الاحتلال الأمريكي والإدارة الأمريكية في حل الخلافات والمشاكل العراقية عن طريق أربعة طرق:
* الوساطة.
* التحكيم.
* الموازنة.
* المساعدة.
• الاحتواء: ويتضمن الاحتواء القيام بالتدخل المباشر وغير المباشر من أجل قمع وإخماد عمليات المقاومة العراقية العسكرية والسياسية التي يواجهها الاحتلال الأمريكي وتتم عملية الاحتواء عبر ثلاثة طرق:
* الرصد: عن طريق قيام دول الجوار العراقي بعمليات الجمع الاستخباري للمعلومات وتسليمها للسلطات الأمريكية ولوكلائها في تحالف المتعاملين العراقيين المسيطر على بغداد.
* المرجعية: عن طريق القيام بدور المرجعية السياسية التي تصدر أحكامها ومغالطاتها المتحيزة لصالح سلطات الاحتلال الأمريكي دعماً لاحتلال العراق ورفضاً لاستقلاله.
* حفظ السلام: عن طريق إرسال قوات دول الجوار العراقي إلى العراق للقيام بعمليات حفظ السلام نيابة عن القوات الأمريكية، هذه العمليات التي تركز على قمع المعارضة المسلحة العراقية وتوفير الأمن والسلامة للجنود الأمريكيين.
سوف تثبت الوقائع والمعلومات إن لم تكن قد أثبتت بالفعل، أن لجنة الجوار العراقي هي عمل لا طائل من وراءه، بسبب عدم وجود الأرضية المشتركة، بين الولايات المتحدة والأطراف الأخرى، لأن واشنطن حتى الآن ما تزال تحاول القيام بابتزاز الأطراف الأخرى وتتفادى إدراك عدم وجود أي طرف يشارك واشنطن توجهاتها، وحتى دعم السعودية والكويت والأردن للإدارة الأمريكية هو دعم مصدره عدم القدرة على معارضة أمريكا، وبرغم ذلك، فإن الإدارة الأمريكية على ما يبدو سوف تستمر في سيناريو محاولة تطبيق وتجريب كل الأساليب والطرق الخاطئة وتفادي تطبيق الحل الصحيح، طالما أنه يجلب الخسائر والضرر لإسرائيل أولاً وأمريكا ثانياً.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد