دنيس روس يروج نفسه بديلاً مستقبلياً لكوندوليزا رايس
الجمل: نشر الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى نقلاً عن صحيفة «يو إس تودي» الأمريكية الشهيرة، مقالاً كتبه دنيس روس خبير اللوبي الإسرائيلي ومبعوث السلام الأمريكي السابق للسلام في الشرق الأوسط، وقد حمل المقال عنوان "اليوم الذي يلي أنابوليس".
يقول روس:
حالياًَ، ما يقرب من 50 بلداً ومنظمة يجتمعون في أنابوليس الشرق الأوسط، وذلك للتحدث، نظرياً، حول دعم السلام الإسرائيلي – الفلسطيني. وأقول نظرياً لأن نائب وزير الخارجية السوري سوف تكون له أجندة مختلفة – أجندة تتعلق بتشديد السوريين على أن "الحل الشامل" الدائم يتضمن مطالباتهم بمرتفعات الجولان والانسحاب إلى حدود 4 حزيران 1967م، هي التي يمكن أن تؤدي إلى أي إمكانية للسلام. والمندوبون العرب الآخرون بالتأكيد سوف يقومون بتأييد ودعم الطلب السوري، ويجب عدم الاستغراب طالما أن الاعتقاد في ذلك يشكل القاسم المشترك الأدنى بين العرب في مثل هذه التجمعات الكبيرة.
لما كان حجم الاجتماع يجعل من السهل للعديد من الممثلين العرب الحضور وجعل هذا التجمع يشبه إلى قدر كبير الأمم المتحدة، ويقلل ظهور وبروز التعامل مع إسرائيل، وما تزال هناك قيمة في إظهار الدعم والتأييد الدولي لاستئناف ومعاودة عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية وهو موضوع أنابوليس. وسوف لن يؤدي إلى إنتاج أو إحداث أي اختراق مفهومي إزاء السلام، وسوف لن يكون بمثابة ملتقى للتفاوض و"فقط مجرد التصريحات والأحاديث هي وحدها الممكنة في مثل هذه الترتيبات"، وسوف لن يقدم أي أفق للحل السياسي للصراع الذي قامت وزيرة الخارجية كوزندوليزا رايس بوضعه باعتباره هدفها الرئيسي في كانون الثاني.
وبدلاً من ذلك، فهو يمثل عملية سياسية وليس إنهاءً سياسياً للعبة، التي تحاول إدارة بوش إطلاقها والبدء فيها. وبعد ما يقرب من 7 أعوام من "اللاعملية سلام" فمن الممكن اعتبار هذا أمراً وتطوراً مستحسناً.
* لا اتفاقات بعد:
طالما أنه، لا مؤتمر أنابوليس ولا المفاوضات لهما قاعدة مشتركة متفق عليها. فالمندوبون العرب جاؤوا يحملون التوقعات، وليس التفاهمات إزاء المبادئ الرئيسية أو المحددات الرئيسية للمحادثات التالية. فحتى الإسرائيليون والفلسطينيون ما زال يتوجب عليهم الاتفاق حول المواجهات الحقيقية الواقعية المتعلقة بالمحادثات: هل هي "خارطة الطريق" الأمريكية للسلام؟ هل هي قرارات مجلس الأمن الدولي؟ هل هي مبادرة السلام العربية التي طرحت علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل بعد الانسحاب إلى حدود 1967م والاتفاق حول قرار عادل إزاء اللاجئين الفلسطينيين؟
اسألوا المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين، وسوف يخبرونكم بأنهم لم يتفقوا حول أي أسس للمفاوضات. وإذا كانت هناك أي إستراتيجية لما سوف يأتي لاحقاً، فإنها ليست واضحة لهؤلاء المشاركين في الاجتماع. وهكذا إذا كان أنابوليس يبدو باعتباره مجرد حدث دولي وليس إطلاقاً فعلياً لأي عملية، فما الذي يجب أن يتضمنه بحيث يشكل بداية جديدة صحيحة؟
بادئ ذي بدء يجب أن يضع المؤتمر بياناً يدرك بوضوح الخطوات التالية، فالرئيس بوش بلا شك سوف يقدم حديثاً يطرح فيه مرة ثانية رؤية من أجل التوصل إلى حل "الدولتين"، وسوف تكون مهمة رايس في نهاية الاجتماع أن تحدد ما الذي سوف يتم التفاوض حوله؟ ومن الذي سوف تتم مفاوضته؟ وحول أي مسائل؟ وعلى أي مستويات؟ ووفقاً لأي جدول؟
ولكنها بالأساس حددت بأنه بعد المؤتمر، سوف تكون المفاوضات حول قضايا الوضع النهائي المتعلقة بالقدس، واللاجئين، والحدود، والأمن والمياه –هذه القضايا هي التي يتوجب حلها فيما عرف بـ"المرحلة الثالثة" من خارطة الطريق إلى السلام- وذلك في أثناء القيام بتنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في المرحلة الأولى من خارطة الطريق. ويبدو ذلك حسناًَ ولكنه سوف لن يحدث مطلقاً.
يعود تاريخ خارطة الطريق إلى عام 2003م وقد ظلت في حالة احتضار منذ ذلك التاريخ. التزامات المرحلة الأولى –تجميد الإسرائيليين لكل أنشطة الاستيطان وإزالة الحواجز والعوائق أمام حركة الفلسطينيين وبدء الفلسطينيين في تفكيك البنيات التحتية الإرهابية وإصلاح مؤسساتهم- أصبحت تعني أشياءً مختلفة لكلا الجانبين. فكل طرف وكل جانب يحدد التزاماته ضمن الحد الأدنى وفي نفس الوقت يحدد التزامات الطرف الآخر ضمن الحد الأقصى.
إذا ربطت الوزيرة تنفيذ التزامات المرحلة الأولى مع المفاوضات حول الوضع النهائي، وتم إنجاز القليل من الالتزامات، فإن ذلك سوف يؤثر بالضرورة على مفاوضات الوضع النهائي. هذا، وحتى عملية تعيين مسؤول أمريكي لكي يشرف على المفاوضات، وهو مسؤول لا يلبي المواصفات والمعايير المطلوبة، فإنه سوف يفشل إلا إذا قامت الوزيرة بتحديد معيار للأداء يتم وضعه كأساس يلتزم به كل جانب.
* قائمة عمل كوندوليزا رايس:
سوف لن تكون قائمة الواجبات والعمل صحيحة إلا إذا أخذت في الاعتبار بوضوح المصاعب والعراقيل التي يمكن أن تواجه كلا الجانبين في القيام بتنفيذ الواجبات والالتزامات. وعلى الوزيرة أن تعلن أنه بعد المحادثات مع الطرفين فإنها سوف تقوم بثلاثة أشياء:
• تقديم تعريفات وتحدديات لما يمكن أن يعتبر إيفاءً بالالتزامات.
• تحديد وتشكيل مجموعات إسرائيلية – أمريكية، وإسرائيلية - فلسطينية، للعمل من أجل تنفيذ هذه الالتزامات.
• أن تقوم هذه المجموعات برفع التقارير لها على الأقل خلال فترة شهر واحد.
إزاء قضايا ومسائل الوضع النهائي، فإن على الوزيرة رايس أن تعلن بأنه سوف تكون هناك مجموعات عمل إسرائيلية – فلسطينية حول مواضيع وقضايا: أورشليم (القدس)، اللاجئين، الحدود، الأمن والمياه. وسوف تكون الاجتماعات الأولى لهذه المجموعات خلال فترة أسبوعين من انتهاء المؤتمر. وعلى وزراء الخارجية في كل طرف أن يكونوا مسؤولين عن تنظيم وتنسيق مجموعات العمل وتقديم التقارير حول التقدم المحرز أو المشاكل والعراقيل التي تواجه مجموعات العمل، وأن يتم تسليم هذه التقارير بشكل مشترك إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس، كل أسبوعين أو ثلاثة. وعلى الزعماء أن يكونوا مستعدين من أجل تقديم الموجهات مع بعضهم البعض (واتخاذ القرارات إذا كان ذلك ضرورياً)، طالما أن إحراز التقدم هو المقصود.
برغم أن كل ما سبق يبدو في ظاهره أمراً يتميز بالآلية الميكانيكية، فإن ثمة شيئاً واحداً يمكن أن يكون يقينياً: الأطراف سوف تنتهي من مساوماتها الخشنة حول الوسائل العلاجية الطويلة المدى، طالما أن هذا الأمر لم يحدث منذ البداية. ولا شيء من هذا القبيل يمكن أن يؤمن النجاح وذلك لآن التسوية التاريخية يجب أن يتم القيام بها بواسطة القادة (أولمرت وعباس) الذين يواجهون معارضة حقيقية وكوابحاً وعراقيلاً هائلة.
ولكن، طالما أن أنابوليس قد تم ترتيبه ليكون مجرد فعل يتعلق بمهنة شأن "الدولة" وليس بمهنة شأن "المرحلة"، فإن ما سيحدث لاحقاً سوف يتمثل في أن مؤتمر أنابوليس كان يحمل شيئاً يختلف عما يشّف عنه حالياً.
(انتهى مقال دنيس روس).
عموماً، ليست هذه المرة الأولى التي يوجه فيها دنيس روس انتقاداته اللاذعة لأداء كوندوليزا رايس وزرة الخارجية الأمريكية، فقد سبق أن كتب مقالاً حمل عنوان "مفاتيح كوندي". وتجدر الإشارة إلى أن انتقادات دنيس روس لا تركز على جوهر المشكلة بل يتحدث بطريقة مثالية كأنما حل مشكلة الشرق الأوسط هو أمر يمكن القيام به عن طريق وضع التدابير الإجرائية السليمة من الناحية الإدارية للمؤتمرات وطريقة إدارة المفاوضات، وتنسيق العلاقات العامة وغير ذلك.
دنيس روس نفسه، من المتورطين في تعقيدات أداء السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط، وهي تعقيدات لعب فيها خبراء اللوبي الإسرائيلي ومن بينهم دنيس روس الذي كان له القدح المعلّى في إنشاء تجمع المعتدلين العرب في فترة حرب إسرائيل – حزب الله صيف عام 2006م. وذلك من خلال مقالاته المشهورة التي دعا فيها الإدارة الأمريكية إلى التآمر لصالح إسرائيل متذرعاً بعبارته الشهيرة التي قال فيها "إن التآمر في الشرق الأوسط هو مثل الأوكسجين"، وعلى ما يبدو فإن روس من خلال انتقاداته للترتيبات والإجراءات التنظيمية يريد التسويق لنفسه خاصة وأنه شديد الارتباط بجماعات اليهود الديمقراطيين الأمريكيين، وسوف لن نشطح بعيداً إذا توقعنا بأن روس يمهد لنفسه ليكون وزير الخارجية الأمريكية القادم إذا فاز الديمقراطيون بالرئاسة الأمريكية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد