ساركوزي يدعم مبادرة الجامعة العربية ويطلب استئناف الحوار مع سوريا

يعود الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى مساء اليوم إلى بيروت، محاولا تجاوز الانتكاسة السياسية التي سبقت وتلت اجتيازه الحدود اللبنانية باتجاه دمشق، أمس، حيث حصل سجال سياسي بين «المفوضين» بالحوار من جانبي الأكثرية والمعارضة، أي النائبين سعد الحريري وميشال عون، وكذلك بشكل غير مباشر بين الحريري والرئيس نبيه بري، وهو الأمر الذي جعل بعض المراقبين يتخوفون من احتمال تطيير الجلسة الثانية من الحوار الرباعي في مجلس النواب، مساء اليوم، وذلك على مسافة 48 ساعة من الجلسة المقررة الاثنين لانتخاب رئيس جديد للجمهورية صار محتما أنها ستؤجل الى موعد جديد.
واللافت للانتباه أنه بالتزامن مع وصول موسى الى دمشق، بدأ رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، زيارة مفاجئة للعاصمة السورية على صلة مباشرة بالملف اللبناني، بينما أظهرت مداولات قيادات المعارضة في أعقاب انفضاض حوار ساحة النجمة، وجود احتجاج ضمني على أصل تفسير عمرو موسى لـ«مبادرة القطّامية»، قبل الانتقال الى بحث ما دعا اليه من ضمانات وتطمينات متبادلة بين الطرفين.
وقبيل ساعات قليلة من وصول موسى الى دمشق، حيث سيجتمع اليوم بالرئيس  بشار الاسد ونائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم، بعد لقاء أول جمعهما، مساء أمس، بحضور وزير خارجية قطر، وقالت مصادر سورية مطلعة  قولها إن دمشق تفهم المبادرة العربية بأنها تعني «أن لا يملك أي من الطرفين (المعارضة والموالاة) لا قدرة التعطيل من خلال الثلث الضامن ولا قدرة الاستئثار من خلال النصف زائدا واحدا، بينما يبقى قرار الترجيح بيد رئيس الجمهورية وليس بيد أي من الطرفين».
ويعني هذا التفسير أن دمشق تتماهى مع التفسير الذي قدمته المعارضة وخاصة الرئيس نبيه بري الى عمرو موسى منذ اللحظات الأولى لإعلان المبادرة عندما بادر رئيس المجلس بالقول للأمين العام للجامعة عبر الهاتف إننا نفهم المبادرة أنها تعني 10+10+.10
ونقل عن المصادر نفسها قولها بوجوب أن تكون الخطة العربية متكاملة، أي ترابط عناوينها الثلاثة، وخاصة موضوع الانتخاب الرئاسي وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
وقالت مصادر أن مساعد الأمين العام للجامعة السفير هشام يوسف، بقي في بيروت، حيث عقد، أمس، سلسلة اجتماعات أبرزها الاجتماع المشترك الذي ضمه ومسؤول العلاقات السياسية في «التيار الحر» جبران باسيل والمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين خليل والنائب علي حسن خليل في الرابية واستمر حتى ساعة متأخرة ليلا.
كما اجتمع السفير يوسف بممثلين عن فريق الأكثرية وكذلك بالمستشار الدبلوماسي لرئيس الحكومة السفير محمد شطح. وتركز البحث حول تركيز نقاط الاختلاف والاتفاق في ضوء الجولة الأولى من المحادثات، ولا سيما موضوعي الضمانات وقانون الانتخاب.
وعلم أن ممثلي المعارضة أبلغوا يوسف، كما عمرو موسى من قبل أن المعارضة مستعدة للسير في صيغة الأقضية، وأن تلتزم خطيا بذلك وأن يشكل قانون العام 1960 ركيزة اساسية مخافة أن يبادر فريق الموالاة الى الهرب الى الأمام عبر طرح اعتماد تقسيمات جديدة للأقضية، وهي النقطة التي كان قد ألمح اليها الرئيس أمين الجميل بإصراره على رفض الالتزام الخطي بذريعة أن ذلك الأمر يشكل افتئاتا على صلاحيات مجلس النواب وأنه يحتاج الى وقت ويجب أن يدرس بهدوء.
ونفت أوساط قيادية في المعارضة ما سربته أوساط رئيس كتلة المستقبل بأن الرئيس بري هو من اعترض على صيغة القضاء، «بينما حقيقة الأمر أن النائب الحريري «طحش» قائلا ان والده استشهد من أجل القضاء وبالتالي يؤيد اعتماد القضاء، لكنه ترك للرئيس الجميل أن يعبر عن هواجس النائب وليد جنبلاط ومسيحيي الأكثرية بوجوب الذهاب نحو صيغة أقل من القضاء، من أجل ضمان فوزهم بأكبر نسبة من المقاعد»، وحذرت المصادر نفسها «من أن يؤدي منطق الحريري الى تخريب البلد، إذا قرر المضي في خيار كهذا»، وشككت بالتالي في امكان قبول فريق الأكثرية بإجراء الانتخابات النيابية في العام ألفين وتسعة اذا استمرت الأزمة مفتوحة على مصراعيها».
وبينما أخذ القانون الانتخابي بتقسيماته المختلفة وخاصة قانون العام 1960 حيزا كبيرا من مناقشات السفير يوسف مع المعارضة والأكثرية، تردد أن المعارضة أبلغت السفير هشام يوسف في اجتماع الرابية لومها على الموقف الذي أعلنه عمرو موسى بعد اجتماع ساحة النجمة لأنه حوّله الى طرف «فإذا كان موقفه يعبر عن موقف الجامعة رسميا بمقدور المعارضة الرد عليه رسميا اما اذا كان يجتهد في تفسير موقف الجامعة، فإنه قد انحاز الى فريق لبناني». ورد السفير هشام يوسف أن جواب عمرو موسى يحتمل احدى الصيغتين اللتين تطرحهما المعارضة (10+10+10) والأكثرية (14+6+10)، وهو الموقف نفسه الذي ابلغه موسى للرئيس بري أمس.
كما أن المعارضة أبلغت السفير يوسف رفضها صيغة الضمانات والتطمينات خارج صيغة المشاركة وفق نص دستوري محكم، ما يعني أن ذلك اما يقود الى اعطائها الثلث الضامن أو اعتماد التفسير الذي أعطته المعارضة لـ«مبادرة القطامية»، لجهة المثالثة (10+10+10). وقال أحد قياديي المعارضة للسفير يوسف «اذا كانوا جديين ونواياهم صادقة في الضمانات، لماذا لا يمنحون المعارضة فقط 11 وزيرا من أصل ثلاثين بدل أن يعطونا ثلاثين من ثلاثين بواسطة الضمانات الشفهية»! 
وقالت مصادر أن الرئيس بري جدد أمام عمرو موسى تمسكه بتفسيره للمبادرة، رافضا ضمنا التفسير الذي قدمه الأمين العام، ولكنه ترك للعماد عون أن يعلن عن موقف المعارضة خلال الاجتماع المقرر اليوم أو غدا على أبعد تقدير.
وقال بري لموسى الموضوع هو الحكومة وليس الرئيس. لقد توافقنا على العماد ميشال سليمان والمسألة التي يجب أن ننجزها هي الحكومة... والمعارضة متمسكة بتفسيرها الذي قدمه العماد عون (10+10+10) وهو الذي سيشكل الضمانة خاصة في ضوء تجربة الحلف الرباعي والضمانات التي تم التوافق عليها وكيف انتهى الموضوع الى ما نحن عليه اليوم».
ودعا بري موسى الى التركيز مجددا على موضوع العلاقات السورية السعودية، وقال له «في امكانك أن تنقل الى قيادتي البلدين موقفي الداعي الى توافقهما من أجل لبنان وإذا كان متعذرا اجتماع قيادتي البلدين في هذه اللحظة، لتجتمعا على مستوى وزيري الخارجية من أجل التوافق من أجل لبنان».
ومن المتوقع أن يطل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله اليوم، في ختام مسيرة عاشوراء المركزية في الضاحية الجنوبية، عبر شاشة عملاقة، حيث سيتطرق الى العناوين الداخلية والإقليمية مع التركيز على الموضوع الفلسطيني بالإضافة الى الأزمة السياسية الراهنة وموقف «حزب الله» منها.
في باريس، قالت مصادر دبلوماسية فرنسية ان الجانب الفرنسي استأنف اتصالاته مع الجانب السوري حول لبنان في خطوة لم تعرف أبعادها، فيما رفضت مصادر رسمية سورية في دمشق التعليق على الأمر.
وتزامن ذلك، مع اعلان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان الازمة في لبنان «لن تنتهي لأنها تغذى من الخارج»، وقال ردا على سؤال حول الحوار مع دمشق ان دبلوماسية المصالحة التي ينتهجها مع دول مثل ليبيا ليست إطلاقا للمجاملة، وتابع «عندما يتبين أن الاتجاهات التي تم التوافق عليها في الحوار لم تحترم أو عندما لا يؤول هذا الحوار الى النتائج المتوقعة من واجبي أن استخلص العبر بكل وضوح وهذا ما فعلته بشأن سوريا ولبنان الذي من حقه التطلع الى الاستقلال وهي نقطة لن تساوم عليها فرنسا ولن تتخلى عنها».
وقال الرئيس الفرنسي ان «الجامعة العربية اعتمدت بالإجماع خطة تسوية تتبنى تماما الأفكار التي قدمتها فرنسا. ويتعين على هذا الأساس أن يتحمل كل فرد مسؤولياته داخل وخارج البلاد وأن يحكم المجتمع الدولي على كل طرف فاعل من خلال أفعاله. وستبقى فرنسا الى جانب اللبنانيين، كل اللبنانيين».
وأعلن المتحدث الرسمي باسم الأليزيه ديفيد مارتينون عن دعم فرنسا المطلق للمبادرة العربية.

المصدر: السفير