لبنان ما بعد الرئيس لحود
الجمل: فشل اجتماع مجلس النواب اللبناني في انتخاب الرئيس الجديد، وغادر الرئيس اللبناني السابق إميل لحود قصر بعبدا الرئاسي بعد انتهاء ولايته دون زيادة أو نقصان.
* المرحلة الجديدة في الأزمة اللبنانية:
تزايد الخلاف والانقسام بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار حول التوافق على اختيار الرئيس الجديد، وفشلت جميع المحاولات الخارجية بواسطة الأطراف الإقليمية والدولية في إقناع الطرفين بالتوافق.
لم تنجح جلسة مجلس النواب في الحصول على النصاب القانوني، وذلك بسبب نجاح قوى 8 آذار في استخدام قوتها على النحو الذي أدى بشكل كامل إلى حرمان قوى 14 آذار من استخدام قوة أغلبيتها البرلمانية. وبدءاً من اليوم تغيرت الملامح التي كانت تميز الوضع السياسي اللبناني مفسحة المجال لملامح جديدة:
• تتفق كمياً (بشكل جزئي) مع خصائص المرحلة السابقة لجهة أن القوى المختلفة ما زالت تتمثل في قوى 14 آذار وقوى 8 آذار.
• تختلف كيفياً عن خصائص المرحلة السابقة لجهة الفراغ الدستوري الجديد الذي نشأ بفعل خلو منصب الرئاسة وغموض الدستور اللبناني وقابليته الشديدة للتأويل بالإضافة إلى عدم توافق الأطراف المعنية بالخلاف.
* زخم الأزمة اللبنانية: بين التصعيد والتهدئة:
لجأ الرئيس السابق إميل لحود قبيل مغادرته قصر بعبدا الرئاسي إلى نشر قوات الجيش اللبناني كإجراء وقائي لحماية الأمن والحفاظ على أجهزة الدولة. من جانبها قامت قوى 14 آذار على لسان رئيس الوزراء فؤاد السنيورة بإطلاق التصريحات التي تبشر اللبنانيين بدنو الحل وإمكانية ملء الفراغ الدستوري، كذلك لوحظ أن زعماء 14 آذار (تحديداً جعجع وجنبلاط والحريري) قابلوا الأوضاع الجديدة بقدر كبير من الرضا والارتياح. أما قوى 8 آذار فقد قابلت المرحلة الجديدة بالشكوك والحذر والإصرار على خوض التحدي والمواجهة، ومن الواضح أن فريق 14 آذار سوف يلجأ إلى استخدام الحكومة اللبنانية وتوظيف الهياكل المؤسسة الرسمية في عملية تثبيت وضعه، بالمقابل فإن فريق 8 آذار سوف يلجأ إلى الشارع من جديد لتفعيل المعارضة الشعبية التي كان قد بدأها مما يؤدي إلى الضغط على حكومة السنيورة وقوى 14 آذار.
* أبرز التساؤلات:
حتى موعد انعقاد جلسة مجلس النواب يوم الجمعة القادم ستظل الكثير من الأسئلة معلقة بلا إجابة، من أبرزها:
• هل تستطيع قوى 14 آذار أو قوى 8 آذار التوافق على "صفقة محددة" يتم بعدها وبناءً عليها اختيار الرئيس الجديد؟
• قامت الأطراف الخارجية -كالولايات المتحدة وفرنسا- بدور بارز خلال الفترة السابقة ولكنها فشلت، فهل تستطيع تقديم "جديد" بخصوص الأزمة اللبنانية؟
• تحركت فرنسا بشكل ملفت (بقي كوشنير في بيروت أسبوعاً كاملاً!!) على كافة محاور وخطوط الأزمة اللبنانية الداخلية والخارجية. بكلمات أخرى، فقد قالت فرنسا كل ما عندها ولكنها لم تنجح في حلحلة الأزمة فما الذي تبقى لها لتقوله؟
• قوى 14 آذار تملك الأغلبية البرلمانية البسيطة (50%+1) وتستطيع "بكل سهولة" انتخاب الرئيس الذي تريد لكن المشكلة تكمن في اكتمال النصاب القانوني لمجلس النواب بمعنى أن النصاب القانوني (ثلثي أعضاء المجلس) لن يكتمل إلا في حال حضور نواب 8 آذار التي ستبقى تستخدم هذه النقطة باستمرار وتقوم عن طريقها بتوجيه "الضربات البرلمانية الاستباقية" والناجحة دستورياً في إحباط محاولات قوى 14 آذار.... إذاً، فما هو الحل الأمثل لهذه المشكلة "الدستورية" التي لم ينجح حتى الآن خبراء القانون والدستور في حلها، خاصة وأن المحكمة الدستورية العليا غير موجودة؟ فقد حرم السياسيون اللبنانيون "الديمقراطيون" الشعب اللبناني من أن تكون له أسوة بالعالم الديمقراطي الحر محكمة دستورية تتولى الحفاظ على الدستور وصيانته وإصدار الأحكام في المنازعات الدستورية.
• والسؤال الكبير: هل سيتم التوافق على رئيس لبناني جديد خلال هذه الفترة؟ والآن، ما هو الحل؟ وكيف يكون؟ ومن أين يأتي؟
* الجيش اللبناني:
كل جيوش العالم تتصدى لحماية التراب والوطن والدستور إلا الجيش اللبناني، ففي كافة الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان، لم يحرك الجيش اللبناني ساكناً (بسبب ضعفه)، كما أنه ومع بداية الحرب الأهلية انقسم فوراً بفعل الاصطفاف الطائفي وأصبح غير موجود عملياً ليساعد في ردع الفصائل والمليشيات المتحاربة وقتها من تدمير بعضها البعض وتقويض استقرار لبنان. ومع انتهاء الحرب وتوقيع اتفاق الطائف أُعيد بناء الجيش (المهدد بالانقسام حتى الآن) وباتت مهمته إحصاء الخروقات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية لا غير.
عموماً، السيناريو اللبناني أصبح أمام ثلاثة خيارات:
• التصعيد والمواجهة: وتتوقف احتمالات حدوثها على الآتي:
* تمادي قوى 14 آذار في روابطها الوثيقة المعلنة مع الولايات المتحدة الأمريكية وروابطها الأخرى غير المعلنة (والتي باتت شبه معلنة) مع إسرائيل.
* تمادي السعودية ومصر والأردن في دعم حكومة السنيورة وقوى 14 آذار.
* تورط الجيش اللبناني في تنفيذ توجهات قوى 14 آذار المعادية للمقاومة وحزب الله وحماية الفراغ الدستوري ودعم السنيورة في القيام بملء هذا الفراغ والقيام بالاستحواذ غير الدستوري على سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية.
• التوافق والحل: إن احتمالات التوافق والحل ما تزال ضئيلة لأن التوافق على شخصية الرئيس لا بد أن يسبقه توافق على "الأجندة الرئاسية" والتي هي بالأساس سبب الخلاف. بكلمات أخرى:
* المشروع الإسرائيلي يركز على المضي في قررا المحكمة الدولية ونزع سلاح حزب الله والمقاومة اللبنانية.
* المشروع الوطني اللبناني يركز على أن ملف المحكمة الدولية لا يهدف إلى تحقيق العدالة وإنما يهدف إلى تنفيذ مؤامرة دولية في المنطقة، وقد ثبت ذلك على خلفية فضيحة تزوير الأدلة والإثباتات التي حاول أن يقدمها المحقق اليهودي الألماني ديتليف ميليس، كما أن نزع سلاح المقاومة وحزب الله هو أمر غير ممكن في ظل وجود خطر إسرائيلي.
إن الصراع بين المشروعين هو جوهر الصراع اللبناني – اللبناني (تاريخياً) مهما اختلف التسميات (14 شباط أو 8 آذار أو.. أو..) وهو صراع يدخل في صميم العوامل التي تحدد من هو الرئيس المناسب لكل طرف. بكلمات أخرى، فإن كل فريق من الفرقاء اللبنانيين يريد رئيساً يحقق طموحاته وينفذ مشاريعه. ومما زاد من حدة الصراع بين الفريقين الدعم الدولي الأمريكي – الفرنسي – الإسرائيلي – السعودي – الأردني – المصري لقوى 14 آذار في مقابل الدعم الشعبي لقوى 8 آذار، خاصة في الفترة التي أعقبت حرب الصيف الماضي 2006م ضد إسرائيل. وتشير كافة التوقعات إلى أن التوافق غير ممكن حالياً طالما أن نقاط الالتقاء بين مشروع وطني مقاوم ومشروع مهادن محابي شبه معدومة (بطبيعة الحال).
• استمرار الوضع القائم: وهو يكون في حالة عدم وجود رئيس للبنان وقيام رئيس الوزراء باستلام صلاحيات وسلطات الرئاسة. ويتوقف نجاح هذا السيناريو على عوامل داخلية متنوعة منها دعم الجيش لرئيس الوزراء وحياد الشارع اللبناني إزاء الخلاف بين الفريقين الرئيسيين بالإضافة إلى قدرة الجيش الفعلية على ردع قوى 8 آذار. أما العوامل الخارجية فهي تتمثل في مقدار الدعم الذي سيتلقاه رئيس الوزراء فؤاد السنيورة من الدول الكبرى (بالذات أمريكا وفرنسا وبريطانيا) والمنظمات الدولية (بالذات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية) والدول العربية (بالذات سوريا والسعودية وبقدر أقل مصر والأردن).
عموماً، تقول المعلومات بأن حكومة السنيورة توافرت أمامها فرصة استغلال عدم وجود رئيس لجمهورية للدفع باتجاه ما يلي:
• الحصول على التأييد الأمريكي – الفرنسي – البريطاني لقيام السنيورة بتولي مهام وصلاحيات رئيس الجمهورية لحين التوافق على انتخاب الرئيس الجديد.
• الحصول على تأييد إسرائيل ومصر والأردن باعتبارها أطراف إقليمية رئيسية.
أما قوى 14 آذار فإنها ستتحرك باتجاه العاصمة الأمريكية والعاصمة الإسرائيلية للتوافق أكثر مع مخططات اللوبي الإسرائيلي في المنطقة وبالذات في عملية استهداف سوريا والفلسطينيين وعملية منح المزايا والتسهيلات العسكرية والاستخبارية للأمريكيين والإسرائيليين عن طريق مشروع قاعدة القليعات. وتشير التوقعات كذلك إلى أن قوى 14 آذار سوف تعمل باتجاه إطالة أمد المفاوضات والمشاورات مع قوى 8 آذار مما يؤدي إلى التوافق حول رئيس محدد وفي نفس الوقت يتيح لرئيس الوزراء تمرير القرارات التي كان من غير الممكن تمريرها عبر الرئيس لحود.
بالمقابل، فإن قوى 8 آذار ستجد أن الحل الوحيد المتاح هو توسيع العمل الجماهيري لكسب الرأي العام اللبناني على النحو الذي يتيح لها قدرة استخدام الشارع اللبناني لإسقاط حكومة السنيورة، وإذا اشتدت الضغوط على الحكومة وقوى 14 آذار، فإن إسرائيل ستتدخل لتقديم المساعدة عن طريق اغتيال المزيد من عناصر 14 آذار على النحو الذي يؤدي إلى استعادة سيناريو مهاجمة سوريا وتحميلها المسؤولية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد