لماذا تمول ال"سي آي إي" الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في هوليود
الجمل- ترجمة: مالك سلمان:
يشير روب كال إلى أن المجمع العسكري – الصناعي هو الفائز بجائزة "الكرة الذهبية":
فاز "هوملاند" ("الوطن") بجائزة أفضل مسلسل تلفزيوني, وجائزة أفضل ممثل تلفزيوني وأفضل ممثلة تلفزيونية. إنه عرض مسلٍ جداً يصور بعض جوانب الخلل في نظام "المجمع العسكري الصناعي الاستخباراتي".
فاز "آرغو" بجائزة أفضل فيلم وجائزة أفضل مخرج. يمجد الفيلم "وكالة الاستخبارات المركزية", وقد أطنبَ آفليك المديح في مديح "سي آي إيه".
وذهبت جائزة أفضل ممثلة إلى جيسيكا تشاستن في "زيرو دارك ثيرتي", وهو فيلم تعرضَ للانتقاد بسبب ترويجه لاستخدام التعذيب.
يلعب "المجمع العسكري الصناعي الاستخباراتي" دوراً متزايداً في حياتنا. وسوف نرى في السنوات القليلة القادمة أفلاماً تركز على استخدام تكنولوجيا الطائرات الآلية في العمل البوليسي والجاسوسي في الولايات المتحدة الأمريكية. إذ إننا نشاهد سلفاً أفلاماً تبين قدرة الجواسيس على اختراق كل وجه من أوجه حياتنا الخاصة وتفاصيلها الحميمة. ومن خلال صناعة أفلام ومسلسلات تلفزيونية تحتفي بهذه التمددات السرطانية للدولة السرطانية, تعمل "هوليود" والاستوديوهات الكبرى على تطبيع الأفكار التي تقدمها لنا: الكذب على الشعب, والتلفيق الروتيني لقصص تغطي ما يحدث في الحقيقة.
كنت آمل ألا يفوز فيلم "زيرو دارك ثيرتي" بأية جوائز. كنت آمل على الأقل أن يتم رفض مثل هذه الدعاية الفجة لفاعلية التعذيب من قبل "غولدن غلوبز". لكن ذلك لم يحدث.
الحقيقة هي أننا نعيش في زمن تمت فيه عسكرة البوليس بشكل كبير. ولسنا بحاجة إلى أفلام ومسلسلات تلفزيونية تحتفي بهذه العسكرة. كما لسنا بحاجة إلى تسلية تعمل على تطبيع الخروقات البذيئة لخصوصياتنا والتي تفرضها علينا الدولة الاستخباراتية. نحن بحاجة إلى قصص تحتفي بأشخاص يقفون بوجه هذا التيار العارم الذي يجرف حرياتنا, ويمتص مواردنا, ويمسح آخر معاقل خصوصياتنا.
يشير ديفيد وولش إلى أن الفائز الفعلي ﻠ "جوائز الأكاديمية" في سنة 2013 هو "سي آي إيه":
تم ترشيح "زيرو دارك ثيرتي", الذي تمجد فيه كاثرين بيغيلو بشكل شبه فاشستي الدورَ الذي لعبَته "سي آي إيه" في ما يسمى "الحرب على الإرهاب", لخمس جوائز.
بالطبع هناك العديد من أفلام الحرب التي تنتجها "هوليود".
كان للمؤسسة العسكرية دائماً تأثير مباشر على "هوليود". فعلى سبيل المثال, ينوه كتاب نشرته جامعة تكساس:
"كانت ‘وكالة الاستخبارات المركزية’ متورطة بشكل كبير في تشكيل محتوى الأفلام والتلفزيون, وخاصة بعد أن أسست برنامجَ ارتباط مع الصناعة الترفيهية في أواسط التسعينيات من القرن الماضي."
ويندب الكتاب
"التأثير الكبير الذي تمارسه ‘سي آي إيه’ الآن على ‘هوليود’."
يقول غيزمودو:
"لدى ‘سي آي إيه’ كومة من الأفكار الصالحة لسيناريوهات أفلام."
لدى وزارة الدفاع, وكل فرع من أفرع المؤسسة العسكرية تقريباً, برنامج ارتباط مع الصناعة الترفيهية على غرار "سي آي إيه".
إذا كنت ترغب في صناعة فيلم حربي وتحتاج إلى سربٍ من طائرات إف – 22, أو مجموعة من قوات المارينز, أو خاملة طائرات تابعة للبحرية, كل ما عليك أن تفعله هو أن تتصل بمكتب الإعلام الترفيهي في وزارة الخارجية وسوف يقولون لك إن كان بمقدور الجيش أن يستغني عن دبابة "إيبرامز إم1 إي1" التي كنت دوماً تحلم بها ليوم أو يومين في التصوير.
قال ڤينس أوغيلڤي, نائب مدير مكتب ارتباط الإعلام الترفيهي في وزارة الدفاع, ﻠ "دينجر روم" ("غرفة الخطر"): "السيناريوهات التي تصلنا تعبر عن رؤية الكاتب لكيفية عمل وزارة الدفاع. ونحن نحرص على أن يتم تصوير الوزارة والمنشآت والأشخاص بالشكل الأكثر دقة وإيجابية."
تعمل "هوليود" مع المنظمات الحكومية لصناعة أفلام أكثر مصداقية منذ سنوات طويلة (فعلى سبيل المثال, عمل جيري بروكهايمر و "باراماونت بيكتشرز" بشكل وثيق مع البنتاغون أثناء تصوير فيلم "توب غَن"). لكن هذه الظاهرة تخضع لتمحيص نشأ حديثاً. فقد ظهر بعض الجدل مؤخراً عندما تساءلَ بعض الصحفيين وأعضاء الكونغرس إن كانت الحكومة ستعطي "سوني بيكتشرز" أية معلومات أثناء تصويرهم لفيلم عن مقتل أسامة بن لادن.
في رسالة إلى وزارة الدفاع و "سي آي إيه" الشهر الماضي, عبرَ عضو الكونغرس الجمهوري بيتر كينغ عن غضبه بسبب العلاقة القائمة بين البنتاغون ومخرجة الفيلم كاثرين بيغيلو. وقد زعم كينغ أن بيغيلو قد اطلعت سلفاً على معلومات سرية يمكن أن تعرضَ حياة بعض الأمريكيين للخطر.
يتكون الإجراء المتبع من مراجعة السيناريو, وتدوين ملاحظات بخصوص ما ترغب وزارة الدفاع في تغييره, وإعادة السيناريو إلى المنتج. فإذا تمت هذه التغييرات, يقدم الجيش كافة المساعدات الممكنة مثل المعلومات التي رفعت عنها السرية, والمعدات, والأشخاص, إلخ بمثابة مكافأة.
لماذا اشتركت وزارة الدفاع مع "توينتيث سنتشري فوكس" في صناعة دعاية عن الجيش الأمريكي في فيلم "إكس مِن", أو مع المهووس بالمتفجرات مايكل بي في صناعة أجزاء فيلم "ترانسفورمرز" الثلاثة؟ يقترح ديفيد سيروتا في "واشنطن بوست" أن أعمالاً ترفيهية من هذا النوع هي "دعاية ممولة من الحكومة".
كما أشارت "الغارديان" في سنة 2001 إلى أن هذه الأشياء تحصل منذ زمن طويل:
"للمرة الأولى في التاريخ, عينت [سي آي إيه] ضابط ارتباط رسمي مع هوليود: عميل ‘سي آي إيه’ القديم تشيس براندون, الذي أمضى حياته المهنية طوال 25 سنة في الدفاع عن الديمقراطية, كما هو مذكور هنا, في المسارح الجنوب أمريكية المظلمة أثناء الحرب الباردة. وفي هذه الأيام, تتلخص مهمته في الترويج لإنجيل معدَل ﻠ ‘سي آي إيه’ في تنزلتاون, بهدف محو الصورة المخزية التي اكتسبتها الوكالة خلال ‘بعثة الكونغرس الكنسية حول الاغتيالات’ في سنة 1977, والتي جاهدت كثيراً لكي تتخلصَ منها."
اكتشفت وكالات حكومية أخرى, مثل "إف بي آي" والاستخبارات السرية والاستخبارات العسكرية, منذ وقت طويل فوائد تقديم العون لأفلام مثل "صمت الحملان", "في خط النار" و "توب غَن".
على "سي آي إيه", التي انضمت متأخرة إلى اللعبة, أن تعوضَ عن 25 سنة من الارتياب – بعد تاريخ أسود من عمليات الاغتيال السرية, والحروب السرية, والانقلابات غير الشرعية, والاعترافات المدمرة لبعض العملاء السابقين من أمثال فيليب أغي أو جون ستوكويل – في حال أرادت تلميعَ صورتها. ويمكن لذلك أن يكون صراعاً مريراً, بما أن الوكالة تواجه الانتقادات بسبب فشلها في التنبؤ بأحداث 11 أيلول – ولكن فجأة, أو من باب الصدفة ربما, سيتم إطلاق مجموعة من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية عن "سي آي إيه" هذا الخريف.
أثبت براندون و الوكالة دورهما في تلميع هذه الصورة. "الوكالة" عبارة عن دراما جديدة أنتجتها محطة "سي بي إس" مليئة بأفضل وأذكى العملاء الذين يشمرون عن سواعدهم ويعالجون مشاكلَ تتعلق بالأمن القومي. وتصف الحلقة الأولى محاولة ﻠ "سي آي إيه" لإحباط محاولة اغتيال فيديل كاسترو. ويمكن لذلك أن يفاجىءَ أي شخص يتذكر محاولات الوكالة المتكررة في الستينيات من القرن الماضي لقتل كاسترو عن طريق السيجار المتفجر ورجال العصابات والمواد الكيماوية المعدة لإتلاف شعر لحيته, هذا عدا عن غزو "خليج الخنازير" الفاشل.
كما قدمت الوكالة المساعدة لمسلسل "إيلياس", وهو مسلسل حركة تلعب فيه جينيفر غارنر دور البطولة كخريجة جامعية وجاسوسة متميزة على غرار مسلسل "لا فام نيكيتا". كما تتعاطى كوميديا "صحبة سيئة", من بطولة آنطوني هوبكنز, مع التوصيفات الساخرة المماثلة للوكالة التي كان براندون سعيداً بتقديم المساعدة لها.
إن موافقة "سي آي إيه" على دعم أي فيلم أو مسلسل تلفزيوني متوقفة على شرط واحد فقط: التوصيف الإيجابي لعمل الوكالة.
في السابق جرت العادة أن يتم الاعتماد على الاستوديوهات لمنع أفلام, مثل "تحت النار", توجه انتقادات مباشرة إلى "سي آي إيه".
في الحقيقة, بدأت "سي آي إيه" العمل مع هوليود في الخمسينيات من القرن الماضي:
"تعمل ‘سي آي إيه’ مع هوليود منذ الخمسينيات من القرن الماضي. ...
بدأت ‘سي آي إيه’ العمل مع هوليود بهدف التأثير على المشاهدين الأجانب. فقد كان الهدف الحقيقي تشكيل السياسة الخارجية أو كسب التعاطف والتأييد خارج أمريكا خلال الحرب الباردة.
أسست ‘سي آي إيه’ مركزَ أبحاث لمحاربة الإيديولوجيا الشيوعية قام بالتفاوض حول حقوق رواية أورويل ‘مزرعة الحيوانات’, حيث يظهر خنزير يتكلم على الشاشة قبل ظهور ‘شبكة شارلوت’ بعشرين عاماً. كما سعت ‘سي آي إيه’ إلى الترويج لنظرة معينة إلى الحياة الأمريكية, مثل فرض بعض التعديلات على سيناريوهات أفلام في الخمسينيات من القرن الماضي لتقديم الشخصيات السوداء بشكل أكثر لياقة والشخصيات البيضاء أكثر تسامحاً. وقد هدفت هذه الصورة ‘المناسبة سياسياً’ إلى ترويج انطباع إيجابي عن أمريكا في عالم استقطابي أثناء الحرب الباردة."
من المؤكد أن الإنتاجات المؤيد للتعذيب, مثل "زيرو دارك 30" و المسلسل التلفزيوني الممول من قبل "سي آي إيه" "24", مزيفة 100%؛ إذ يؤكد خبراء الاستجواب المحافظون والليبراليون أن التعذيبَ يضر بالأمن القومي أكثر مما يساعده.
تخلق مشكلة طائرات "سي آي إيه" الآلية إرهابيينَ أكثر مما تقتل منهم.
كما أن جهود "سي آي إيه" الأخرى عرضتنا للخطر أكثر مما وفرت لنا الأمان.
لكننا نتحدث عن "تنزلتاون" هنا ... لذلك لا أحد يتوقع الحقيقة.
بالطبع, عملت "سي آي إيه" والوكالات الحكومية الأخرى, منذ زمن طويل, على توجيه الإعلام الرسمي أيضاَ.
لا عجبَ, إذاً, أن الإعلام الرسمي يؤيد الحرب دائماً ويقوم بالترويج لمعلومات مضللة حول أعداء مفترَضين لحشد الدعم لحروب جديدة. فعلى الرغم من انهيار دعاية أسلحة الدمار الشامل في العراق, إلا أن الإعلام القديم لا يزال منكباً على تلفيق أكاذيبَ جديدة.
"واشنطن بلوغ"
تُرجم: عن ("غلوبل ريسيرتش", 16 كانون الثاني/يناير 2013)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد