ليس هناك أي سبب يدفع الحكومة السورية لاستخدام الأسلحة الكيماوية

22-05-2013

ليس هناك أي سبب يدفع الحكومة السورية لاستخدام الأسلحة الكيماوية

الجمل - باتريك كوكبيرن- ترجمة: د. مالك سلمان:

"لا أخاف من أي شيء إلا من الله والغازات السامة," قال ضابط عراقي قاتلَ في الحرب الإيرانية – العراقية. "إنها مثل الشبح. لا يمكن أن تدافع عن نفسك ضدها." فعلى الرغم من أنه لم يكن هدفاً للغازات السامة بصفته عضواً في الجيش الذي استخدمها, إلا أنه كان يعرف ما تفعله بضحاياها.
الغازات السامة أسلحة مرعبة. ولا يزال الناس يموتون في إيران من تأثير تناول الأطعمة الملوثة منذ حوالي ربع قرن. وهي أحد أنواع الأسلحة التي تم تحريمها بنجاح جزئي بين استخدامها الأول على نطاق واسع في الحرب العالمية الأولى ومرة ثانية من قبل صدام حسين بكثافة أكير ضد الإيرانيين والأكراد في الثمانينيات من القرن الماضي.
ولذلك من الصواب إجراء تحقيق دقيق في مزاعم استخدام القوات المسلحة السورية للأسلحة الكيماوية ضد سراقب, وهي بلدة يسيطر عليها المتمردون تقع في جنوب غرب حلب, في 29 نيسان/إبريل. فقد أفاد الأطباء لإيان بانل, من "بي بي سي", أنهم بعد قصف بالمدفعية قاموا بمعالجة 8 أشخاص يعانون من مشكلات في التنفس, كان بعضهم يتقيأ بينما كانت حدقات بعضهم متضيقة.
بعد ذلك توفيت امرأة اسمها مريم خطيب. وقد قال ابنها محمد: "كانت الرائحة فظيعة وخانقة. لم نستطع التنفس. تشعر وكأنك ميت. لم أتمكن من الرؤية لثلاثة أو أربعة أيام." وتظهر أفلام فيديو صورها أشخاص محليون حوامة تلقي شيئاً يبدو أنه يترك وراءه دخاناً أبيضَ.
إن تجربتي في محاولة تغطية الاتهامات بنشر أو استخدام مثل هذه الأسلحة تدفعني إلى الحذر. فالسكان المحليون, بما في ذلك الأطباء, غالباً ما يكونون على قناعة أنهم تعرضوا للهجوم بأسلحة غريبة, ولكن لا يتمتعون بأية تجارب سابقة في مجال الأسلحة التقليدية أو الكيماوية.
فعلى سبيل المثال, يشك الأطباء في الفلوجة غرب بغداد أن أسلحة غير تقليدية قد استخدمت ضد المدينة عندما هاجمتها القوات الأمريكية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2004. ويمكن لذلك أن يفسر ولادة العديد من الأطفال المشوهين منذ ذلك الوقت. من المستحيل على المرء ألا يتعاطف مع معاناة هؤلاء الناس أو أن يخفي شعورَه بالغضب الشديد.
ولكن من خلال إلقاء اللوم على الأسلحة غير التقليدية, يمكن للناس أن يقللوا من أهمية ما يمكن للذخائر التقليدية أن تفعله. فخلال أسبوعي المواجهة في الفلوجة في سنة 2004, قامت وحدات المدفعية الأمريكية بإطلاق حوالي 379 قذيفة سريعة الانفجار من عيار 155 مم بمعدل يومي على هذه المدينة الصغيرة. وإضافة إلى ذلك, قامت الطائرات الأمريكية بإلقاء 318 قنبلة, كما أطلقت, مع الحوامات, حوالي 391 صاروخاً.
في ذلك الوقت, زعمت الحكومة العراقية برئاسة إياد علاوي أن 200 بيتاً فقط تعرض للدمار أو الضرر. لكن كتاباً ظهر مؤخراً بعنوان "نهاية اللعبة: القصة الحقيقية للصراع على العراق من جورج بوش إلى باراك أوباما", للكاتبين مايكل غوردن وبرنارد ترينور, والذي أخذت منه هذه الأرقام, يكشف أن قوات المارينز الأمريكية "قدرت أن عملياتها قد دمرت بين 7000 و 10,000 منزلاً من بين اﻠ 50,000 منزلاً في المدينة, بالإضافة إلى 60 مسجداً." وربما يقدم هذا الاستخدام الكثيف للقوة النارية تفسيراً كافياً لتشوهات الولادة الفظيعة.
يتم إطلاق الاتهامات باستخدام الغازات السامة في سوريا في ظل المزاعم المزيفة حول امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل والتي تم تلفيقها لتبرير الحرب على العراق. فليس من المدهش, إذاً, أن ذلك دفعَ الناسَ في كافة أنحاء العالم للتشكيك في قصص امتلاك أو استخدام أسلحة الدمار الشامل التي يتم استخدامها لتبرير دعم حرب أخرى.
بالطبع, ليس من مصلحة الحكومة السورية استخدام الأسلحة الكيماوية لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى التدخل العسكري الأجنبي. كما أن الجيش السوري لا يحتاج إلى استخدام هذه الأسلحة بمثابة سلاح رعب لأن المدفعية والقصف الجوي وفرق الموت كافية لإخافة الناس ودفعهم إلى الفرار. فهناك سلفاً مليون ونصف لاجىء خارج البلاد.
يتحمل الصحفيون قدراً كبيراً من المسؤولية عن إضفاء المصداقية على القصص التي اختلقها المنشقون العراقيون, والاستخبارات والحكومات الأجنبية عن أسلحة الدمار الشامل في العراق. ففي تلك الحالة, كان من الواضح لأي شخص أن المنشقين العراقيين بقصصهم الدسمة, والأحزاب المعارضة التي روجت لهم, كانوا يهدفون إلى دفع الولايات المتحدة إلى استخدام القوة العسكرية ضد صدام حسين. وعندما يتعلق الأمر بالأسلحة الكيماوية, فإن لدى المعارضة السورية أسباباً مشابهة ومفهومة.
أما بالنسبة إلى مصداقية مزاعم الحكومات الغربية حول أسلحة الدمار الشامل, من المفيد أن نتذكر أنها تسامحت مع استخدام صدام حسين للغازات السامة على نطاق واسع. كما فعلوا أكثر من الإشاحة بنظرهم. إذ يقول جوست هيلترمان في كتابه "علاقة سامة: أمريكا, العراق, وقصف حلبجا بالغازات السامة", إن القوى الغربية "أرسلت إشارات متكررة إلى العراق تفيد أن بمقدور النظام الاستمرار, وحتى التصعيد, في استخدام الأسلحة الكيماوية – وهذا ما فعله, حيث أتى الهجوم على حلبجا [حيث مات الآلاف من الأكراد المدنيين] بمثابة الذروة."

تُرجم عن ("كاونتربنتش", 20 أيار/مايو 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...