ما هو تأثير الانتخابات الفرنسية على النظام الدولي الراهن؟
الجمل: تؤكد معظم المؤشرات الماثلة حالياً، بأن الانتخابات الرئاسية الفرنسية -سوف تكون جولتها الأولى في 22 نيسان الحالي، وجولتها الثانية في 6 أيار القادم- سوف لن تنحصر تداعياتها داخل فرنسا، بل ستأخذ طابعاً عابراً للحدود، بحيث يتردد صداها في كافة هياكل ومفاصل النظام الدولي الراهن.
• دائرة التنافس:
أصبحت دائرة التنافس تنحصر في أربعة مرشحين رئاسيين، هم:
- نيكولاس ساركوزي، مرشح حزب الاتحاد من أجل فرنسا، وتأتي شعبيته في المرتبة الأولى.
- سيغولين رويال، مرشحة الحزب الاشتراكي الفرنسي، وتأتي شعبيتها في المرتبة الثانية.
- فرانسوا باير، مرشح حزب اتحاد الديمقراطية الفرنسية، وتأتي شعبيته في المرتبة الثالثة.
- جون لوبان، مرشح حزب الجبهة الوطنية، وتأتي شعبيته في المرتبة الرابعة.
• قضايا التنافس:
الحملات الدعائية الانتخابية التي تتم حالياً بواسطة المرشحين، بهدف التأثير على خيارات الناخبين الفرنسيين، تركز على تقديم الحلول إزاء القضايا التي تشكل الاهتمام الرئيسي للناخب الفرنسي، ومن أبرزها قضايا: العمل، المرتبات والأجور، الضرائب، الإصلاح الاقتصادي، السياسة الخارجية، الهجرة، الدفاع، الصحة، البيئة، الطاقة، الجريمة والأمن.
• أبرز التوقعات:
تشير الاستطلاعات إلى أن فوز نيكولاس ساركوزي، مرشح حزب الاتحاد من أجل فرنسا، في الجولة الأولى، وصعوده إلى الجولة الثانية، أصبح شبه مؤكد، وذلك لأن 54% من الرأي العام الفرنسي يؤيد ساركوزي. أما المرشح الثاني الذي سوف يصعد مع ساركوزي لمرحلة المنافسة النهائية، فهو أحد اثنين: إما سغولين رويال مرشحة الحزب الاشتراكي الفرنسي، أو فرانسوا بايرو مرشح اتحاد الديمقراطية الفرنسية، أما جون لوبان مرشح حزب الجبهة الوطنية، ففرصة الفوز بالجولة الأولى والانتقال إلى الجولة الثانية ضئيلة وذلك لأن معدل تأييد الرأي العام الفرنسي له لم يتجاوز 12،5% في أحسن الأحوال.
بالنسبة للجولة الثانية، هناك الكثير من الحسابات المعقدة، ففي حالة صعود ساركوزي وسيغولين رويال، تقول التوقعات بأن ساركوزي سوف يفوز إذا حصل على أصوات أقصى اليمين الفرنسي البالغة 12،5%، أي على أصوات مؤيدي جون لوبان، ولكن إذا امتنع مؤيدو لوبان عن التصويت في انتخابات الجولة الثانية –وهو أمر وارد- وفي الوقت نفسه قام أنصار اليسار الفرنسي، وبعض أنصار فرانسوا بايرو بالتصويت لصالح سيغولين رويال، فإن ساركوزي سوف لن يفوز بالجولة الثانية.
كذلك في حالة صعود فرانسوا بايرو مرشح اتحاد الديمقراطية الفرنسية، مع ساركوزي، فإن ساركوزي لن ينجح إذا قام أنصار سيغولين رويال –وهو أمر وارد- بالتصويت لصالح فرانسوا بايرو، خاصة إذا صوّت أنصار مرشح أقصى اليمين –وهو أمر وارد أيضاً- لصالح فرانسوا بايرو باعتباره يمثل يمين الوسط.
الجدل الدائر حالياً حول الانتخابات الفرنسية، سببه الرئيسي هو التوقعات المتزايدة بفوز ساركوزي، وذلك لعدد من الاعتبارات أبرزها:
• انتماء ساركوزي اليهودي: إن وجود رئيس جمهورية يهودي في فرنسا سوف يكون واحدة من أبرز الظواهر غير المسبوقة في البلدان الأوروبية والغربية، وحدوثها من الممكن أن تنتقل عدواه إلى البلدان الأوروبية الأخرى، بحيث يصعد جيل جديد من الرؤساء الأوروبيين اليهود بمثل الطريقة التي صعد بها جيل الرؤساء الأوروبيين المنتمين للأحزاب المسيحية الديمقراطية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
• أجندة ساركوزي: وتتميز أجندة برنامج ساركوزي الانتخابي بنزعة التغيير الشامل في السياسة الفرنسية، ومن أبرزها:
- تغيير نمط السياسية الفرنسية التي تقوم على الحوار الهادئ والتأني في إصدار القرارات الحاسمة.
- الخروج التام عن الخط الديغولي القائم على اعتبارات الخصوصية الفرنسية إزاء البيئة الإقليمية الأوروبية، والدولية.
- معاداة التوجهات الاشتراكية وسياسات الدعم الاجتماعي.
- تبني سياسة خارجية تابعة لأمريكا.
- فرض القيود الشديدة إزاء الهجرة والمهاجرين.
لاحظ المراقبون، وجود الكثير من الخلفيات التي تشكل توجهات ساركوزي السياسية، في حالة فوزه بالرئاسة الفرنسية، ومن أبرز هذه الملاحظات:
- تأييد إدارة بوش وجماعة المحافظين الجدد غير المحدود لساركوزي.
- لقاءات واجتماعات ساركوزي المتكررة بالجماعات اليهودية الأمريكية، والأوروبية.
- خلال فترة تولي ساركوزي لوزارة الداخلية الفرنسية، قام بايكال المسؤولية عن لجنة ملف الهجرة إلى المحامي أرنو كلارسفيلد، وكانت مسؤولية اللجنة تتمثل في فحص ملفات الأجانب المقيمين والموجودين في فرنسا، وتحديد شروط الإقامة ومن تنطبق عليهم أولاً هذه الشروط. وقد تبين لاحقاً أن أرنو كلارسفيلد هذا، كان يهودياً، ويرتبط بعلاقة خاصة قوية مع ساركوزي.. كذلك كان مقيماً في إسرائيل، وحصل على الجنسية الإسرائيلية في عام 2002م، وأيضاً قام بأداء الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، حيث عمل ضمن قوات حرس الحدود المرتبطة بالمخابرات العسكرية الإسرائيلية، وكان دائم الوجود في المعابر المطلة على المناطق الفلسطينية، حيث كان يقوم بفحص هويات الفلسطينيين.
- استلام ساركوزي لأموال الدعم الانتخابي من الجمعيات والمنظمات اليهودية، وأيضاً من جماعات المافيا الروسية- الإسرائيلية، وذلك عبر الكثير من الحسابات المصرفية السرية في فروع البنوك الأوروبية المرتبطة بالمافيا الروسية- الإسرائيلية، واليهودي الروسي خودوركوفيسكي، الذي كان يتولى مسؤولية شركة ليكوس النفطية الروسية.
- إنشاء ساركوزي لجهاز أمن خاص به عندما كان وزيراً للداخلية، وكانت عناصر هذا الجهاز من اليهود الفرنسيين، وهناك الكثير من التقارير –من بينها تقارير بعض فروع أجهزة المخابرات الفرنسية- التي تؤكد مسؤولية هذا الجهاز عن التفجيرات التي حدثت في فرنسا خلال العام الماضي، وهدفت لتحميل المسؤولية للعرب والمسلمين المقيمين في فرنسا.
وعموماً، على ما يبدو فإن السياسة الخارجية الفرنسية سوف تواجه امتحاناً صعباً، وذلك لأن التبعية لأمريكا سوف تضر كثيراً بالمصالح الفرنسية، وذلك على غرار ما حدث للمصالح البريطانية بسبب سياسة حكومة طوني بلير التابعة لأمريكا، والتي لم تجلب لطوني بلير سوى المعارضة الداخلية المتزايدة، وبسبب الدعم والتأييد الواضح الذي سوف تقدمه فرنسا لإسرائيل خلال فترة رئاسة ساركوزي، فإن المصالح الفرنسية في العالم العربي، سوف تتضرر بقدر كبير، بما في ذلك مكانة فرنسا في البلدان العربية، إضافة إلى أن التشدد ضد المهاجرين سوف يؤدي بقدر كبير إلى مضايقة ليس سكان المغرب العربي (التونسيين، الجزائريين، والمغاربة) وحسب، بل وأيضاً الخليجيين والكثير من اللبنانيين الذين يعتزون كثيراً بارتباطاتهم الفرنسية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد