نتنياهو... رهانُ «الاعتدال العربي»
ليس مفاجئاً الكشف عن لقاءات سرية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورؤساء أو ملوك عرب. ولن يكون مفاجئاً أن تكون مثل هذه اللقاءات قد عقدت أيضاً مع آخرين، ممن لا تربطهم معاهدات سلام مع إسرائيل.
وينبع عدم المفاجأة من أكثر من عامل وسابقة. فقد شهدت العلاقات السرية بين إسرائيل وجهات عربية، أكثر من لقاء سري كُشف عنه لاحقاً، قبل اتفاقيات التسوية وبعدها. ولأنّ منسوب التقارب بين تل أبيب وأطراف عربية إقليمية بلغ درجة لم يعد بالإمكان التمييز فيها بين رؤى ومواقف كل منهما، في أكثر من ملف إقليمي. أيضاً، شهدت الأشهر الماضية، العديد من الرسائل المتبادلة بين إسرائيل والسعودية وآخرين، سواء عبر اللقاءات العلنية، أو المواقف التي كررها نتنياهو بأكثر من صيغة، في واشنطن وتل أبيب ومن على منبر الأمم المتحدة، وتتمحور حول مفهوم أنّ العديد من الدول العربية لم تعد ترى في إسرائيل عدواً، بل حليفاً. كل ذلك يجعل من مسألة وجود لقاءات سرية بين مسؤولين إسرائيليين ونظرائهم من العرب أمراً غير مفاجئ، وقد يكون متوقعاً من حيث المبدأ.
مع ذلك، فإن لقاء العقبة الرباعي، الذي ضمّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية الأميركية السابق، جون كيري، وما تخلله من اقتراحات أميركية وإسرائيلية، ينطوي على مجموعة من الرسائل والمؤشرات التي تتصل بالمرحلة التي تمرّ بها المنطقة العربية. ويكشف عن جانب مما يخطط للمنطقة، من زاوية تظهير تحالفات ومحاور لم يعد ينقصها سوى بعض الترتيبات التي قد تنتظر الراعي الأميركي، وأخرى تتصل بإنتاج آلية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، ووضع الشعب الفلسطيني أمام خيار وحيد، هو التكيف والتسليم بالاحتلال.
تمحور لقاء العقبة، كما كشفت صحيفة «هآرتس» وأكدته ردود الفعل الرسمية في إسرائيل، ومن بينهم نتنياهو، حول مبادرة سلام إقليمية، قدمها كيري، ومن ضمن ما شملت المطالب التي يكررها نتنياهو في ما يتعلق بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، والترتيبات الأمنية، إضافة إلى تبادل أراضٍ وحلّ لمشكلة اللاجئين بما يرضي إسرائيل، (لكونه مشروطاً بما لا يؤثر بالطابع اليهودي لإسرائيل).
ويؤكد هذا العرض إمكانية التوصل إلى صيغة تسوية نهائية، تحظى بدعم أميركي ومعسكر الاعتدال العربي وتراعي الشروط الأساسية لإسرائيل برئاسة نتنياهو. وبدا بما لا لبس فيه، أنّ نتنياهو، بما يمثله من فكر يميني صهيوني، يجسد رهان الاعتدال العربي. مع ذلك، فإن نتنياهو هذا هو من أجهض هذه الصيغة. وهو ما ما يُعزز، مرة أخرى، حقيقة أن التزامه شعار «حل الدولتين» ليس إلا التزاماً صورياً، ولا يهدف من وراء الشروط التي يضعها، سوى تكريس الوضع القائم، وفي الوقت نفسه إلقاء المسؤولية على السلطة الفلسطينية، وفي أحسن الأحوال، دفع السلطة إلى مزيد من خفض سقفها السياسي، وصولاً إلى القبول بما يسعى إلى فرضه ميدانياً. ولهذه الغاية، يعتمد نتنياهو ومجمل معسكر اليمين تكتيك مواصلة توجيه الاتهامات لرئيس السلطة، لكونه لا يوافق على تقديم المزيد من التنازلات لمصلحة التسوية النهائية.
بعد التطورات التي تشهدها المنطقة عموماً والساحة السورية خصوصاً، بات التمسك بالسلام الإقليمي، أكثر إلحاحاً لدى الطرفين الإسرائيلي و«الاعتدال» العربي. وهو شرط لازم في أي استراتيجية أميركية للمنطقة. لكن العقبة الأساسية كانت تتمحور في بلورة صيغة ملائمة لتصفية القضية الفلسطينية، تسمح للاعتدال العربي بالانتقال إلى مرحلة التحالف العلني مع إسرائيل. فهي كانت من متطلبات خطة أوباما لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي. وهي الآن أكثر إلحاحاً كجزء من استراتيجية إدارة ترامب، بعدما فشلت إدارة أوباما السابقة، في تحقيق ما كانت تسعى إليه على مستوى المنطقة (من دون تجاهل ما حققته من نتائج).
مع ذلك، كان نتنياهو ــ وما زال ــ يرى أن الظروف الإقليمية ستوفر لإسرائيل الفرصة لتحقيق ما يطمح إليه على مستوى الانتقال إلى مرحلة التحالف الإقليمي العلني، من دون الاضطرار إلى دفع أثمان بـ«العملة» الفلسطينية. ولئن كان هذا الرهان قائماً في فترة إدارة أوباما، فإن فرصه، بنظر اليمين الإسرائيلي، أكبر في مرحلة ترامب.
ويلاحظ على المواقف التي أدلى بها نتنياهو في لقاء العقبة أنه لم يواجه اقتراح كيري بالرفض الصريح والمباشر، لأن ذلك سيقدمه كمن يرفض تنفيذ المطالب التي يرفع لواءها هو. ويكشف عن حقيقة توجهاتها برفض صيغة التسوية النهائية وفق مبدأ «حل الدولتين». وإنما تذرع بأنه «سيجد صعوبة في تجنيد الدعم لها في الائتلاف الحكومي» كما كشفت صحيفة «هآرتس». وهكذا استطاع نتنياهو أن يتهرب من الاقتراح الأميركي، من دون أن يقول «لا». أعقبه بتكتيك داخلي، تمثل بالعرض الذي قدمه في حينه على رئيس المعسكر الصهيوني المعارض، يتسحاق هرتسوغ، بالانضمام إلى الحكومة، وأوحى من خلاله للوهلة الأولى كما لو أنه يطمح إلى ذلك من ضمن محاولة لتحريك عملية التسوية، لكن المناورة خُتمت في ذلك الحين بانضمام حزب «إسرائيل بيتنا»، برئاسة أفيغدور ليبرمان، وبقي هرتسوغ خارج الحكومة.
ولدى التدقيق في العرض المضاد الذي قدمه نتنياهو، في لقاء العقبة، يلاحظ أنه كان صريحاً في التعبير عن المعادلة التي يقبل بها. إذ طالب باعتراف أميركي بالكتل الاستيطانية، وتجميد البناء خارجها، فقط، وبمؤتمر سلام إقليمي، تشارك فيه السعودية والإمارات و«دول سنية أخرى»، وبضمانات من إدارة أوباما لصدّ خطوات معادية لإسرائيل في مؤسسات الأمم المتحدة. كل ذلك في مقابل السماح للفلسطينيين بالبناء في مناطق (ج)، في الضفة الغربية، ودفع مشاريع بنى تحتية في قطاع غزة، ونشر بيان رسمي يتطرق فيه بإيجابية للمبادرة العربية. وتجاهل نهائياً السقف السياسي الذي تطالب به السلطة الفلسطينية، والذي لا يجسد الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.
علي حيدر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد