ما يجمع وما يفرق بين السنة والشيعة
يتناول كتاب «العلاقة بين السنة والشيعة» قضية شديدة الحساسية في العالم الإسلامي اليوم، تفرق بين أطرافه وتشل حركته وتضعفه أمام أعدائه وخصومه، وهي قضية العلاقة بين السنة والشيعة.
مسألة العلاقة بين السنة والشيعة كما يفتتح الحديث عنها الدكتور محمد سليم العوا في هذا الكتاب، تهم كل مسلم ولا سيما في هذا الوقت الذي ينشط فيه صناع الفتنة ودعاة الفرقة والراغبون في تمزيق شمل الأمة بإثارة موضوعات الخلاف بين فرقتيها الكبيرتين السنة والشيعة.
وهؤلاء يستثمرون ما يجري في العراق من صراع سياسي بشع لا يرقب المشاركون فيه –بعضهم في بعض- إلا ولا ذمة، ويعرجون على ما يجري في لبنان من محاولة بعض القوى طمس كل أثر لانتصار المقاومة الإسلامية التي يقودها حزب الله على العدو الصهيوني مرتين في ست سنين.
وحتى لا يتبادر إلى ذهن القارئ سوء فهم وظن بأن المؤلف يهون من الخلاف بين السنة والشيعة، يقر العوا بأنه لا ينكر هذا الخلاف "وإلا كنا كمنكري الشمس في رابعة النهار، ولكننا نضع الخلاف في موضعه، فنقول للمخطئ أخطأت وندله على سبب خطئه ومن أين أتي فيه، كما نقول للمصيب أصبت بعد أن نقف على دليل قوله وحجته فيه، والإنصاف خلق إسلامي أصيل لا يجوز للمسلم أن يخلي سلوكه وقوله وعمله منه".
إذا كانت فرقة السنة لا تحتاج إلى تعريف مفصل، فإن المؤلف تحدث بشيء من البيان والتفصيل في تعريفه للشيعة التي يقصدها في البحث، فيقول "ونحن في هذا النص عندما نتحدث عن الشيعة فإنما نعني الشيعة الإمامية الاثني عشرية، أو الجعفرية، وهم الفرقة التي ينتمي إليها شيعة إيران والعراق ولبنان وسوريا ودول الخليج كافة".
كما يعرف المذهب الشيعي بأنه المذهب الجعفري نسبة إلى "إمام الشيعة السادس جعفر الصادق الذي أصل المذهب الفقهي وأسسه، وقد كان إماما جليل الشأن في الفقه، وكان ممن أخذ عنه الإمامان الجليلان أبو حنيفة ومالك".
يركز الدكتور العوا في البداية على الجوامع بين السنة والشيعة، فيؤكد أن ما "يجمع بيننا وبين إخواننا من الشيعة الإمامية الإيمان بالله تعالى ربا وبمحمد نبيا ورسولا وبكل ما جاء به من عند الله تبارك وتعالى كما قال سبحانه {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} (البقرة: 285).
كما يجمع بين السنة والشيعة الإيمان بالقرآن كتابا منزلا من عند الله تبارك وتعالى وأنه محفوظ بحفظ الله له، ويستشهد بنص للشيخ يوسف القرضاوي في كتابه "مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية" يقول فيه "ولا يخالف مسلم سني أو شيعي في أن ما بين الدفتين من سورة الفاتحة إلى سورة الناس هو كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، به يستدل الفقهاء والمتكلمون وإليه يرجع الدعاة والمرشدون، ومنه يستمد الموجهون والمربون بلا خلاف بين أحد منهم وآخر على حرف فما فوقه أنه من كلام الله تعالى".
لكنه يتوقف أمام مسألة تحريف القرآن مفردا إياها بالتفصيل "لأن كثيرا من علماء أهل السنة وعامتهم يعتقدون اعتقادا شبه جازم أن الشيعة الإمامية يعتقدون أن القرآن محرف بالنقص منه".
ويستند هؤلاء في نظر سليم العوا إلى أمرين: أولهما تأليف أحد علماء الشيعة المتأخرين كتابا ذهب فيه إلى تحريف القرآن وسماه "فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب" وهو المحدث حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي الشهير بالمحدث النوري المتوفى عام 1320هـ.
والثاني هو ما ورد من إشارات في بعض كتب الشيعة المعتمدة عن وجود كتاب يسمونه "مصحف فاطمة" تقول هذه الروايات "إنه ليس في القرآن منه حرف وإنه يبلغ ثلاثة أمثال القرآن".
ويورد العوا رد علماء الشيعة مثل هبة الله الشهرستاني والإمام الحجة البلاغي وآية الله خميني والشيخ المفيد والمحقق هادي معرفة على هذا الكتاب، وقد أجمعوا على الوقوف ضد القول بتحريف القرآن وبوجود مصحف فاطمة وتفنيد رواياته سندا ومتنا.
ثم يذهبون بعد ذلك إلى أن هذه الروايات من التفسير الذي علمه جبريل عليه السلام لنبيه صلى الله عليه وسلم.
كما يجمع بين السنة والشيعة الالتزام بالأحكام العملية من صلاة وصيام وزكاة وحج، والاختلاف بين الفريقين كالاختلاف بين مذاهب أهل السنة بعضها مع بعض في الفروع الفقهية أو في أصول الاستدلال.
ويتحدث الكاتب عن عقائد لا يقرها السنة للشيعة مثل اعتقادهم بنصية تنصيب الإمام وعصمته وسب الصحابة.
ويؤكد المؤلف أن مسألة الخلافة -أو الإمامة- عند أهل السنة من مسائل الفروع الفقهية وليست من مسائل الاعتقاد، "فلا تثريب على الشيعة إذا عدوها من المسائل الاعتقادية، ولا تثريب على السنة إذا عدوها من المسائل الفروعية".
ولكن سليم العوا يلفت الانتباه إلى الاجتهادات الحديثة التي ظهرت في الفقه الشيعي وغيرت –إلى حد كبير- من الفكرة الأصلية للإمامة المنصوص عليها، ومن أهمها اجتهاد آية الله منتظري بسبب مكانته العلمية بين مراجع التقليد الأحياء، وبسبب تقليد الأغلبية العظمى من أعضاء البرلمان الإيراني والوزراء وجمهور الناس في إيران له.
وقد أفتى هذا الإمام بأن "سبب استقرار الحكم هو رضا الأمة، وأصل الحكومة لا ريب فيه والولاية المطلقة للفرد غير المعصوم ربما توجب استبداده في أعماله وأحكامه، وأن يتدخل فيما ليس متخصصا فيه، فعلى الناس أن ينتخبوا للحكم خبيرا بمختلف الأمور ولهم أن يشترطوا في انتخابهم إياه مدة خاصة، ومدة حكم غير المعصوم وسلطاته تابعتان لانتخاب الناس حدوثا وبقاء".
ويستعرض المؤلف بعد هذا عقائد أخرى يختلف فيها الفريقان مثل المهدي المنتظر وعصمة الأئمة الاثني عشرية والتقية، ويرى أن الخلاف حولها يسير.
لكن مسألة سب الصحابة -التي يرى أنها مسلك وليست عقيدة- هي النقطة الحساسة، إذ يقول عنها القرضاوي "لا يمكن أن نتفاهم ونتقارب فيما بيننا وأنا أقول أبو بكر رضي الله عنه، وأنت تقول أبو بكر لعنه الله، فكم الفرق بعيد بين الترضي عن شخص وقذفه باللعنة".
ثم يردف العوا أن هذا الأمر بدأ يتغير في إيران وبدأ اتجاه الكف عن سب الصحابة يتقوى مقدما شهادات كل من الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ يوسف جمعة.
وانتهى إلى أن "الذي ينبغي أن يقال لإخواننا الشيعة إن السب في ذاته ليس أمرا حسنا فالمؤمن ليس سبابا ولا لعانا، وإذا كان القرآن الكريم ينهى المؤمنين عن سب الأوثان لئلا يثير ذلك حفيظة المشركين {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} (الأنعام: 108)، والنبي صلى الله عليه وسلم يتكرر في أحاديثه النهي عن السب.. فكيف يسوغ مسلم لنفسه أن يقع في هذه الخطيئة الشنيعة؟"
يوجه الدكتور العوا أصبع اللوم والاتهام في التفريق بين السنة والشيعة إلى السياسة، فهي السبب في البدء وهي السبب في المنتهى، هي السبب في زمن الصحابة والتابعين، وهي اليوم كذلك في زماننا ووقتنا الرديء.
وقد تناول الكاتب السياسة المتهمة بالتفريق من خلال أحداث سياسية ساخنة جدا شهدتها المنطقة العربية الإسلامية في الشرق الأوسط والخليج العربي كالثورة الإسلامية في إيران وسعي الغرب لإجهاضها عندما لاحظ أن قلوب المسلمين كانت معها، فقام بتحريض النظام العراقي ضدها في حرب دامت ثماني سنوات، مشجعا النعرة العربية ضد النعرة الفارسية حتى افترق الشعب العربي بين مؤيد لإيران وآخر مؤيد للعراق.
ثم جاءت الفرقة الثانية بعد الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان عام 1982 وظهور حزب الله وانتصاره عام 2000 على الصهاينة، ثم في عام 2006، وأمام هذا الوضع حرضت الصهيونية والاستعمار الأميركي بعض الدول العربية ضد المقاومة بإثارة الانتماء المذهبي لحزب الله لتفريق الأمة وتوسيع الهوة بين سنتها وشيعتها.
ويؤكد العوا في نهاية الكتاب أن أعداء الأمة الإسلامية ما فتئوا يعملون بالمبدأ الاستعماري الاستكباري المعروف "فرق تسد"، ويوضح أن مسؤولية العلماء المسلمين هي التقريب والتوحيد والوقوف ضد نزعات التفرق والتعصب المذهبي المذموم.
ويورد شهادات وكلمات لعلماء إيرانيين يرفضون نشر التسنن بين الشيعة ونشر التشيع بين السنة درءا للفتنة وتقديرا للموقف الخطير الذي تمر منه الأمة.
وينهي كتابه بخلاصة انتهى إليها المستشار طارق البشري بعد استعراضه للحروب التي شهدتها المنطقة، فقال "إنها 11 حربا في 58 عاما، هي حرب أميركية إسرائيلية ضد الشعب العربي في أقطاره كلها، وهي مستمرة بما يفيد أنها حرب واحدة ذات معارك متجددة تحدث كل بضع سنوات محدودة وتنتقل أرضا ومحاربين، ومن هنا يظهر أن العداء عداء إستراتيجي ممتد وحاكم لأسس العلاقة بين الطرفين".
يعلق سليم العوا بالقول "وقد تكرر الحديث الصادر عن مسؤولين أميركيين من أن الضربة القادمة ستكون لإيران.. ثم البقية آتية –عندهم- لا ريب فيها، فكيف نواجه هذا ونحن مشغولون بتكفير بعضنا بعضا وتكذيب بعضنا بعضا، وتشكيك بعضنا في بعض؟".
لا يمكن أن نغطي الشمس بالغربال، فالخلاف بين سنتنا وشيعتنا تاريخي وواقعي وعميق وخطير، ولهذه الأسباب ينبغي للأمة أن ترتفع فوق الخلاف بأن تعلو عليه ولا يعلو هو عليها.
والحق أن هذا جهد جبار وشاق جدا، ولكنه ضروري وواجب، ومن أوجب واجبات العلماء أن يحملوا الأمة معهم إلى هذا المستوى.
فهل نكون أعجز من آخرين تجاوزوا خلافاتهم واستطاعوا حلها بالطرق العاقلة؟! وهل هم أعقل منا ونحن أحق بالعقل والتوحيد من غيرنا؟!.. تلك هي المسألة.
حسن السرات
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد