تنظيم الد ولة يتمكن في البادية.. و”حراس الدين” يكسر الطوق
ثلاثة كمائن نفذها تنظيم “داعش” خلال أسبوع واحد، كانت كافية لإعادة تسليط الضوء على ظاهرة عودة نشاط التنظيم وتصاعده في مناطق تواجده عموماً، وفي منطقة البادية السورية خصوصاً.
في الثلاثين من كانون الأول/ ديسمبر، وقع كمين حافلات المأذونية في منطقة الشولا غربي ديرالزور وأسفر عن استشهاد ما يقارب 40 جندياً سورياً كانوا في طريقهم لقضاء عطلة رأس السنة مع عائلاتهم، تلاه كمين في محيط مدينة البوكمال استهدف فجر الجمعة، وتحديداً في الساعات الأولى من العام الجديد، مجموعة مدعومة من قبل طهران، وذكرت بعض التقارير الإعلامية أن ضابطاً إيرانياً قتل جراء ذلك من بين ثمانية ضحايا كانوا حصيلة الكمين. ليل الأحد – الاثنين الماضي، كانت حافلة أخرى على طريق السلمية – الرقة على موعد مع كمين جديد لعناصر “داعش” أسفر عن استشهاد وجرح 23 شخصاً بينهم عسكريون.
تقارب الفواصل الزمنية بين الكمائن، قابله تباعد مسارح تنفيذ الكمائن التي امتدت من الشولا إلى البوكمال وصولاً إلى منطقة إثريا شرق حماة، في إشارة واضحة إلى أن خلايا “داعش” ومفارزه الأمنية أصبحت تمتلك القدرات والإمكانيات اللازمة للتخطيط وتنفيذ عمليات مكثفة في وقت زمني متقارب، وهو الأمر الذي يُستشف منه أن “داعش” لا يعاني من نقص في كوادره البشرية وأعداد مقاتليه برغم الخسائر الكبيرة التي مني بها العام الماضي والتي بلغت حسب “المرصد السوري لحقوق الانسان” ما يقارب 600 قتيل سقطوا في معارك مع الجيش السوري وحلفائه، من دون احتساب أعداد قتلاه جراء الاشتباكات مع أطراف أخرى مثل قوات سوريا الديمقراطية ونتيجة الغارات الأميركية.
وكانت بعض التقارير قد قدرت أعداد مقاتلي “داعش” المنتشرين في البادية السورية بحوالي 4000 مقاتل، غير أن إحصاءات “المرصد السوري” جديرة بإثارة الشكوك حول صحة هذا الرقم لأنه يعني أن “داعش” خسر في عام واحد وخلال مواجهاته مع طرف واحد أكثر من ربع عدد مقاتليه، ومع ذلك لم تنعكس هذه الخسارة سلباً على نشاطه ونوعية عملياته. ومن شأن ذلك ترجيح صحة تقدير من ذهب إلى القول إن أعداد مقاتلي داعش بين خلايا نشطة وأخرى نائمة قد تصل إلى حدود العشرة آلاف.
ترافقت ميزةُ تقارب الفواصل الزمنية مع ميزة أخرى هي تباعد مسارح تنفيذ الكمائن والتي امتدت من الشولا إلى البوكمال وصولاً إلى منطقة إثريا شرق حماة
وتتمثل الميزة الثالثة التي تتسم بها كمائن “داعش” اﻷخيرة في طابعها النوعي الثقيل الذي يمكن استخلاصه بسهولة من دقة تنفيذ العمليات وحجم الضحايا الناجم عنها، وهي معطيات لم تتوافر في الغزوات التي أعلن عنها التنظيم منذ مقتل زعيمه أبي بكر البغدادي حيث لم تستطع أية غزوة من الغزوات الثلاث التي قام بها “داعش” بقيادة زعيمه الجديد أبو ابراهيم الهاشمي أن تستقطب اهتماما إعلامياً كما فعلت الكمائن الأخيرة.
ويعتبر كمين حافلات المأذونية أقسى عملية على الإطلاق يقوم بها “داعش” من حيث عدد الضحايا الناجم عنها، وذلك منذ خسارته في معركة الباغوز في ربيع العام 2019.
ومما لا شك فيه أن تعيين قيادات جديدة في منطقة البادية قبل أشهر قليلة، بعد مقتل أبي أيوب العراقي الذي لم يكن يتمتع بخبرات كافية للتعامل مع المناطق الصحراوية، لعب دوراً بارزاً في استنهاض نشاط “داعش” في المنطقة وإعطائه أبعاداً أمنية وعسكرية أكثر من العمليات التي كان ينفذها في عهد القيادة القديمة.
وفيما كشفت وسائل إعلام “داعش” عن المسؤول عن المفارز اﻷمنية في دير الزور، وهو أبو منصور اﻷنصاري، وذلك من خلال إجراء مقابلة معه في صحيفة “النبأ” التي تصدر عن ديوان إعلامه المركزي، بقيت قيادته في مناطق البادية اﻷخرى غير معروفة حتى تاريخه.
غير أن تعيين قيادة جديدة ﻻ يكفي لتفسير ما طرأ على نشاط “داعش” من تغييرات نوعية في الكم والكيف. وقد يكون من الضروري البحث عن جزء من الجواب على ذلك في أروقة الطرف اﻵخر وكيفية تعاطيه مع هجمات “داعش” وازدياد خطورتها. فلماذا يقع هذا العدد الكبير من الضحايا في صفوف الجيش السوري في هذا التوقيت جراء عمليات “داعش”؟ هل يتعلق اﻷمر بخلل ما في أداء وحدات الجيش أم هو مجرد تزامن هذه العمليات مع انهماك الجميع في متابعة ما يمكن أن يترتب على مرور ذكرى اغتيال قاسم سليماني من تداعيات وتطورات، وبذلك التراخي في متابعة عمليات “داعش” والتصدي لها؟.
رجحان كفة المواجهات الصحراوية التي تتخذ شكل حرب العصابات (اضرب واهرب) لمصلحة “داعش”، فاﻷخير يمتلك خبرة في التعامل مع الطبيعة الصحراوية وتحمل مشقاتها، كما أنه أصبح يحفظ عن ظهر قلب المعابر والممرات التي تربط جهات الصحراء اﻷربع مع محافظات سورية كثيرة
قد تكون بعض الظروف المحيطة لعبت دوراً في مفاقمة حصيلة كمائن “داعش” اﻷخيرة، وربما ساهم العامل اﻻنساني الذي يصيب بعض الضباط والجنود في مناسبات يتمنون قضاءها مع عائلاتهم في تسهيل المهمة أمام عناصر “داعش” للإيقاع بأكبر عدد ممكن من هؤﻻء بين قتيل وجريح، ولكن ما ينبغي مراعاته هو رجحان كفة المواجهات الصحراوية التي تتخذ شكل حرب العصابات (اضرب واهرب) لمصلحة تنظيم “داعش”، فاﻷخير يمتلك خبرة وافرة في التعامل مع الطبيعة الصحراوية وتحمل مشقاتها، كما أنه أصبح يحفظ عن ظهر قلب المعابر والممرات التي تربط جهات الصحراء اﻷربع مع محافظات سورية كثيرة وخصوصاً خطوط التماس مع الجيش السوري وحلفائه، وتبعا لذلك يستطيع التخطيط لعمليات وتنفيذها من دون تكاليف كبيرة وبأقل عدد ممكن من المقاتلين.
كما أن عمليات الرصد واﻻستطلاع التي تقوم بها مفارز التنظيم مستغلة التضاريس الطبيعية الصعبة للصحراء، تساهم في اختيار أفضل مكان لتنفيذ العملية وأكثرها احتماﻻً ﻻيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا وهو ما يسعى إليه “داعش” للفت اﻻنتباه إلى أنشطته المستجدة.
وفي ظل اﻻعتقاد بأن انشغال السوريين واﻻيرانيين بذكرى اغتيال سليماني قد يكون لعب دوراً في تصاعد عمليات “داعش”، يبقى السؤال هل ذكرى سليماني ستكون مجرد ثغرة موقتة تنتهي بانتهاء التوتر الذي نجم عنها في المنطقة، أم أن اﻷدوار الوظيفية التي يمكن أن يقوم بها “داعش” ما زالت قائمة وتنتظر انفتاح ثغرات أخرى في جدار المعادﻻت اﻻقليمية القائمة للتعبير عن ذاتها على اﻷرض ﻻ سيما في ظل تصاعد التوتر في منطقة شرق الفرات ﻷسباب عدة، أهمها تضارب المصالح بين اللاعبين الرئيسيين هناك، والتهديد التركي بمواصلة العمليات العسكرية ضد القوات الكردية، فضلاً عن صعوبة المفاوضات بين موسكو ودمشق من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة ثانية ﻻيجاد صيغة تجنّب المنطقة عملية تركية.
وقد يكون اﻷخطر هو دخول تنظيم “حراس الدين” (“فرع القاعدة” في سوريا)، على خط الصراع على بلدة عين عيسى، من خلال تنفيذه أول عملية تفجير خارج منطقة خفض التصعيد في إدلب، حيث استهدف يوم الجمعة الماضي قاعدة روسية في بلدة تل السمن، معلناً تمكنه من كسر الطوق المفروض عليه في إدلب ونقل بعض أنشطته وخلاياه إلى منطقة شرق الفرات، ويعني ذلك أن المعادلة في المنطقة ستصبح أكثر تعقيداً وقد تنفتح على احتماﻻت لم تكن موجودة في السابق، خصوصاً وأن المنطقة المستهدفة تشكل عمقاً حيوياً لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فضلا عن أنها تمثل عقدة طرق هامة.
180بوست - عبد الله سليمان علي
إضافة تعليق جديد