نزار صباغ يكتب عن أحزاب الجبهة والانتخابات واستحضار الماضي
قد يكون المهتمون بالشأن العام على قناعة تامة بتزايد حالات اليأس والقنوط والفراغ ، التي تعيشها الغالبية الساحقة من المواطنين نتيجة لمجريات الأحداث والتطورات والمتغيرات وبخاصة في الساحة الداخلية في بلادنا ، وبانواعها كافة .
لا اعتقد أن أحداً من المواطنين غير مهتم ، أو أنه غير مبال بكل ما جرى ويجري من متغيرات وأمور حياتية وسياسية داخلية ، من المياه والكهرباء إلى التنظيم المروري إلى الارتفاع في الأسعار إلى تزايد معدلات البطالة إلى الأرقام الوهمية عن نسب النمو إلى مجمع كفتارو وتحليل زواج المسيار إلى التخلف المتزايد في أجهزة وزارة الداخلية إلى "غضنفريات" نقيب الفنانين إلى "مهازل" الانتخابات ... وصولاً إلى اسكندرونة والجولان .
ولا اعتقد أنه يضع الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني في مقدمة المشكلات أو أنهما السبب الرئيس في كل المنغصات اليومية أو السبب المباشر في احباطاته المستمرة والمتزايدة ، إلا لسبب واحد باعتقادي وهو مقدرته على توجيه الشتائم لهما جهارة وعلانية دون وجل عوضاً عن وزاراتنا العتيدة .
وزاراتنا المتلاحقة التي تتحفنا دائماً بانجازاتها وخططها الخمسية متلاحقة الفشل ، وأرقامها الوهمية عن نسب النمو والفقر والبطالة والنهوض الاقتصادي المستندة بغالبيتها إلى قاعدة غير حقيقية من البيانات وقواعد المعلومات التي يتم اعدادها وفقاً لتوجيهات شفهية ...
وزاراتنا التي تضم في عضويتها ممثلين عن الأحزاب المتحالفة في نطاق "الجبهة الوطنية التقدمية" ... كما هو الحال في "مجلس الشعب" و"مجالس الإدارات المحلية" ، بكل المعلومات التي نملكها عن الآليات المتبعة في "التعيين" ضمن لوائح "أحزاب الجبهة".
سبق وأن كتبت مقالاً بعنوان "الإدارات المحلية والانتخابات " تطرقت خلاله إلى العديد من التفصيلات والمعايير الواجبة - والتي نجمت عن تجربة شخصية استمرت أربع سنوات في مجلس مدينة حماة - وبخاصة أن للمجالس المحلية دور هام في مستقبل أي مدينة ولسنين عدة قادمة ... وضمن هذا السياق أذكر أنه قد سبق وأن قامت وزارة الإدارة المحلية بتنفيذ ورش عمل حول "قانون الانتخابات للإدارات المحلية" بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة منذ حوالي سنتين سبقت ومنها في حماة ، شاركت ومجموعة من الزملاء أعضاء المجلس فيها وتقدمنا بآرائنا حول القانون وطالبنا بتعديل الكثير من البنود الواردة فيه ، ومنها على سبيل المثال الدوائر الانتخابية ولوائح الشطب والسن المحدد للترشح والمؤهل الثقافي وغير ذلك من الأمور التي تسهم في التفعيل والتطبيق الحقيقيين لمفهوم الإدارة المحلية بما يتطابق تماماً مع التغير في المفاهيم المجتمعية العامة وتطورها بعد مرور ثلاثة عقود تقريباً على "تجربة الإدارة المحلية" ، وأذكر هنا أن الأحزاب المتحالفة تحت مسمى "الجبهة الوطنية التقدمية" قد ساهمت بتقديم توصياتها حول ذات الموضوع .
وقد تقدمنا أيضاً بمقترحات تتعلق بالإدارة المحلية ومنها الفصل التام بين رئاسة المجالس ورئاسة الكادر التنفيذي (البلديات) وأن لا يكون موظفي البلديات أعضاء في المجالس وأن تكون رئاسة المجلس انتخاباً حقيقياً من أعضاء المجلس وليس تعييناً ، إضافة إلى التطوير لصلاحيات أعضاء المجالس .
كانت خطوة جيدة باعتقادي ، تثبت وجود حالة حقيقية من الاهتمام بإحداث نقلة جدّية تطويرية في "الإدارة الشعبية" بدلاً من الاستمرار برفع الشعارات الفارغة التي عفى عليها الزمن ... وكان من المفترض الإسراع بتنفيذ عملية تقاطعات حول الآراء تمهيداً لإصدار قانون جديد للإنتخابات وللإدارة المحلية ، قبل الانتخابات الحالية بزمن مقبول .
نحن حقيقة بحاجة مستمرة إلى ما يمكن تسميته بالنقد الذاتي ، أن نتوقف طويلاً أمام أنفسنا ونقوم بمراجعة حقيقية لأعمالنا كي نستطيع إجراء عملية تقييم واقعية شفافة لما قمنا به من أعمال ومواضع الخلل والخطأ ، وكي نستطيع الابتعاد عن نسب الانجاز الورقية المخادعة التي تسبب للجميع مزيداً من الإحباط ، وكي نستطيع وضع برامج بالأولويات الحقيقية تبعاً لمقتضيات المصلحة العامة التي أفهمها بأنها مصلحة المواطنين الذين يمثلهم عضو المجلس ...
حقيقة أن هذا النوع من التقييم مفقود لدينا نظراً للآليات التي لا تزال متبعة منذ أكثر من عقود ثلاث إلى الآن ، إضافة إلى أنه قد يكون نتيجة لإبعاد القسم الأكبر من المثقفين المهتمين بالشأن العام عن المشاركة في الآراء أو التنفيذ والتوجه نحو مراكز النفوذ المختلفة .... كما أن هذا النوع من التقييم في ظل الواقع الذي نعيشه من إدعاء البراءة وتوجيه أسباب الفشل نحو الغير دائماً - كما "أتحفنا" السيد عطري بذلك مؤخراً – ، عبارة عن محاولة للهروب من المسؤولية أو تجاهلها والإيهام بأننا ضحايا أو مغلوب على أمرنا وأن قوى خارجية تتحكم بنا دائماً ولا مجال أمامنا سوى الدعاء ....
لا اتمنى ان ينطبق هذا الأمر على "أحزاب الجبهة" بمجموعها وبخاصة أنها أحزاب تحمل "هموم وتطلعات الجماهير" وانها تمثل "المثقفين الثوريين" و"حاملي الأفكار التطويرية والنهضوية لخير ومصلحة البلاد" ، إنما هي وللأسف توافق السيد عطري على مقولاته وبخاصة أن ممثليها في الوزارة يعملون برئاسة السيد عطري ...
استغرب تماماً الاختلاف الحاد ما بين التوجه الفكري للأحزاب والممارسة العملية لها ... واستغرب تماماً مناداتها ومطالباتها الكلامية بمحاربة الفساد والقضاء عليه ، وقبولها بالتراخي في إصدار القوانين التي تفعل دور التنمية الشعبية والتمثيل الشعبي الصحيح ، والتطبيق الفعلي لسيادة القانون ... و"تجاهلها" لكيفية المجريات الحقيقية لعمليات الانتخاب في "الإدارات المحلية" و"مجلس الشعب" .
واستغرب تماماً العمل التنفيذي العكسي للتوجيهات الصادرة عن رئاسة الجمهورية وكأن المسؤولين الإداريين والتنفيذيين بشتى مرتباتهم الوظيفية قدموا إلينا من "المريخ" أو انهم من طينة مختلفة أو من توجه فكري مختلف أو بحاجة إلى ترجمان لإفهامهم المعنى المقصود من "المواطنية" و"مسؤولية المواطن وحقوقه" و "المواطن مسؤول والمسؤول مواطن" وغير ذلك من التوجهات .
وباعتقادي ، لا يمكن لأحد كائناً من كان ، إدعاؤه عدم معرفته بالمشكلات أو كيفية سير العمل وأنه بعكس التوجهات، بدءاً من أصغر مرتبة وظيفية في الدولة إلى رئاسة مجلس الوزراء والقيادة القطرية وقيادة أحزاب الجبهة ...
ولا أعتقد أن عملية التوليف الفكري الثقافي للمنظومة الاجتماعية - لصالح عقيدة معينة أو فكرة محددة - مؤثرة كما كانت في الماضي ، تلك العملية التي يقول عنها الأستاذ على الوردي " إن الإنسان يخضع في حياته الاجتماعية لتنويم يشبه من بعض الوجوه التنويم المغناطيسي وهو ما يمكن إن نسميه بـالتنويم الاجتماعي فالمجتمع يسلط على الإنسان منذ طفولته الباكرة إيحاءا مكررا في مختلف شؤون العقائد والقيم والاعتبارات الاجتماعية وهو بذلك يضع تفكير الإنسان في قوالب معينة يصعب الخروج منها. وهذا هو الذي جعل الإنسان الذي نشأ في بيئة معينة ينطبع تفكيره غالبا بما في تلك البيئة من عقائد دينية وميول سياسية واتجاهات عاطفية وما أشبه فهو يظن انه اتخذ تلك العقائد والميول بإرادته واختياره ولا يدري انه في الحقيقة صنيعة بيئته الاجتماعية ولو انه نشأ في بيئة أخرى لكان تفكيره على نمط أخر .." (من كتاب لمحات اجتماعية في تاريخ العراق القديم ) .
هذا ما يمكن اعتباره تسمية ملطفة ومخففة لثقافة القطيع أو ثقافة الوهم التي تنحسر تدريجياً إنما بقوة وثبات ضمن مجتمعنا ، وهو ما لا يمكن إنكاره أو تجاهله لأن التطور هو سنة الحياة وما كان يعتبره البعض صحيحاً خلال حقبة زمنية ما فإنه غير صحيح في حقبة أخرى ... وهو نتيجة لعوامل عدة ومختلفة لا يمكن تجاهلها كما لا يمكن إيقافها كما هي المعرفة وتلاقي الثقافات والحضارات والأفكار وتبادل المعطيات .
الخلل معروف عند الجميع وحالة الإحباط تتزايد عند المواطنين ولا بد من وقفة حقيقة مع الذات .... وقفة صادقة تنطلق من التطور الحتمي للحياة والمعارف وتلاقح الثقافات والتغيرات في الرؤى والتطلعات والاستراتيجيات .
هذه الوقفة التي يتوجب على جميع الأحزاب المتحالفة ضمن إطار "الجبهة الوطنية التقدمية" تنفيذها ، بواقعية وسرعة وجرأة وصراحة تامة ... لأنها وفي الأساس ، أحزاب تعنى بالوطن وشؤونه وتطوره وتقدمه ، أي بشؤون المواطن إنطلاقاً من برامج سياسية شاملة داخلية وخارجية ، تعنى بالبناء الداخلي السليم والصحيح للوطن والأمة لا لمصلحتها أو للقائمين الأبديين عليها فقط ...
المفاهيم المجتمعية متغيرة ومتطورة باستمرار ولا يمكن لمطلق تنظيم حزبي كان الإدعاء بامتلاكه الرؤى الصحيحة الصالحة لكل زمان ، والاستمرار بذلك مع مسير الزمن وتطور الحياة .
كما يتوجب الكف عن الوهم القائل أننا ( كشعوب عربية) الأفضل والأحسن والأنقى ، ومن ثم الضحية التي يتآمر الجميع على اغتصابها ... لأن من هو أفضل وأحسن وأنقى إنما هو الحضاري الذي يفرض وجوده على الآخرين بحضارته ومعرفته ويعطيهم منها ما يرغبون - لأن الحضارة هي العطاء الإيجابي لعموم البشرية - ، لا أن يستورد معرفته منهم ويدعي انه الأفضل .
الوقفة المطلوبة أو جزء منها ، وقفتها منفذيّة طرطوس في الحزب السوري القومي الاجتماعي من خلال انسحابها من لائحة الجبهة الوطنية التقدمية في انتخابات مجالس الإدارات المحلية في طرطوس ، وذلك لاعتبارات عدة على ما أعتقد ... قد يكون أهمها مجموعة من التراكمات الناجمة عن العقليات الإدارية والتنفيذية لما يسمى "قيادة فرع أحزاب الجبهة" في طرطوس ، والتناقض الكبير ما بين الطروحات والتوجيهات المعلنة لرئاسة الجمهورية من جانب وكيفية التنفيذ والآليات التنفيذية من الجانب الآخر ، إضافة إلى جديّة الالتزام والاهتمام بمشكلات وهموم المواطن وجديّة الاهتمام بتطبيق قانون الإدارة المحلية المعمول به - رغم ضرورة تطويره - ، ونوعية الاعتبارات والمعايير والخلفيات التي اتبعت لتسمية الأعضاء في لائحة "الجبهة" ، إضافة إلى حالة الابتعاد من قبل المواطنين عن المشاركة في عملية الانتخاب ..
هذا عدا عن واقعه الحقيقي كتنظيم حزبي له حضوره ووجوده وفاعليته التي لا يمكن إنكارها أو تغييبها - وهذا ما يعلمه أبناء محافظة طرطوس تماماً – الأمر الذي لا يمكن لأي منطق كان القبول بأي تهميش لدوره في المجتمع ، تأكيداً لتفعيل دور الأحزاب المطلوب ، لا مجرد إعطاءها "حصة" من قالب للحلويات .
وعبارة "الاجتماعي" كما يعلم الصف الحزبي القومي ، لم تكن مجرد إضافة تجميلية لاسم الحزب بل إنها من صلب العقيدة والعمل الحزبي ، لأن الحزب السوري القومي الاجتماعي ، وأي حزب آخر كان ، يعمل من خلال المجتمع ، وللمجتمع ...
كما أن عمل الأحزاب عامة في بلادنا ، لا يتعلق بالصراع مع الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني فقط بل إن العمل في الشأن المجتمعي والنهضوي الداخلي اقتصادياً وعلمياً وصحياً وثقافياً واجتماعياً ، وتحقيق مصلحة البلاد والمواطنين وحمل همومهم ومشكلاتهم ومعالجتها ضمن سياسة ممنهجة واضحة ، وتطوير القوانين وتطبيقها ... إلخ ، هو من صلب العمل الحزبي .
وبالنسبة لي ، اتمنى أن يكون الفعل الذي بدأه الحزب في طرطوس بداية لوقفة صادقة مع الذات ، ولجميع الأحزاب....
حول الوقفة إياها ، أعتقد أن جزء من المشكلة قد يكمن ، أو أنها جميعها ناجمة عن المفهوم المتداول لمعنى المادة التاسعة من الدستور عند البعض ، وللآليات المتبعة من خلال العمل والتعامل في قيادة وفروع الجبهة الوطنية التقدمية و"الميزات" و "الحوافز" المقدمة والمعطاة لرؤسائها أو أمنائها العامين والفرعيين وتعاملهم مع باقي الأحزاب أو مع المنتمين إلى الأحزاب التي يمثلونها ، وبخاصة للأحزاب التي يمكن تسميتها بالراسخة ضمن تحالف أحزاب الجبهة ...
في جميع الأحوال ، ألا يستدعي الأمر التساؤل بصراحة عن موقفها تجاه العمل بما هو مخالف لأحكام الدستور ، من التوجه الاقتصادي الجديد إلى تقاضي الرسوم المالية في المشافي الحكومية إلى التغير الحاصل في أمور التعليم الجامعي وما قبل الجامعي ..؟
لا أدعو هنا إلى حالة من التمرد كما سيحاول البعض من المعتادين على الاصطياد في الماء العكر ، إنما أدعو إلى التوقف عن العيش بثقافة الوهم ، وإلى ممارسة العمل الحزبي بفعالية لأن الأحزاب جميعها من المجتمع ، وإلى المجتمع ..
وللعمل الحزبي كما هو معروف ، الدور الأساس في النهضة والتقدم لا العكس ... وليس من الخطأ أن تنظر الأحزاب إلى إثبات وجودها وفعاليتها الحقيقية بالطرق الديموقراطية ، وتقديم الأفضل والأحسن للمواطنين وفقاً لبرامجها السياسية والاقتصادية ، فذلك أمر طبيعي في الحياة السياسية السليمة في العالم .... إنما الخطأ ألا تفكر بتقديم الأفضل والأحسن للمجموع والبقاء كما هي ، أقوال دون أفعال .
يبقى التساؤل قائماً ، ما المانع من تطبيق ذلك في الإدارات المحلية على الأقل ؟ كمرحلة أولى حقيقية من العملية الديموقراطية الشعبية التي يمكن أن تنتج عن عملية انتخابية شفافة حقيقية وبرامج انتخابية معلنة ، هذا إنطلاقاً من أن أحزاب الجبهة ذات قواعد شعبية ولها برامج نهضوية تطويرية لمصلحة المجتمع .
وضمن سياق انتخابات الادارات المحلية ، أذكر هنا صراحة أن الرأي الشعبي العام كان شبه معلن حول الأعضاء "المرشحين ضمن لوائح الجبهة" المعينين في المجالس المحلية ، وقد وصل إلى عموم الجهات صاحبة العلاقة ، والأمر ذاته في حماة وبمجرد إعلان الأسماء التي تضمها لائحة مرشحي أحزاب الجبهة ...
إضافة إلى عدم تجاهله المشاركة الفاعلة بسبب عدم وجود برامج انتخابية حقيقية لدى المرشحين عامة - "المعينين" أو المستقلين – إلا القلة القليلة منهم ، وعدم تمكن المرشحين المستقلين من اللقاء مع المواطنين ومحاورتهم في مشكلاتهم ورؤاهم حول مدنهم ومستقبلها وتطورها ودور المجالس المحلية في ذلك كما هي المتطلبات الحقيقية الواجبة لإيجاد المفهوم الصحيح للثقافة الانتخابية - لا أن يقتصر الأمر على عدة اجتماعات "جماهيرية" لمدراء ورؤساء المديريات والدوائر والمنظمات الشعبية مع قيادات "أحزاب الجبهة" تطبل لها الصحافة المحلية وتزمر وتعبئ الصفحات بصور وكلام لا يغني ولا يسمن - ، هذا إضافة إلى الضعف في انتشار الثقافة المعرفية الواجبة حول الإدارة المحلية وواجباتها ومسؤولياتها .
كما أعتقد أن مجريات الانتخابات لا تختلف في حماة عن باقي المدن ، فنسب الاقتراع الحقيقية من قبل المواطنين المهتمين كانت ضئيلة جدا تعبيراً عن حالة الإحباط السائدة وكمثال أذكر هنا أن الكثير من المراكز لم تصل أعداد المقترعين الحقيقيين فيها إلى المئة ، أما عن كيفية حصول الانتخابات فقد كان تداول البطاقات الانتخابية على قدم وساق ولكميات كبيرة منها – عدا بعض الاستثناءات - ، كما وصلت أعداد الناخبين في بعض المراكز إلى أرقام تجاوزت المئة ضمن فترات القيلولة المعتادة عند المواطنين (؟) رغم أنها لم تكن تتجاوز العشرات قبل زمن قصير ، وبديلاً للناخبين عن الكتابة ضمن الغرف السرية فقد تمّ نسخ الآلاف من اللوائح الانتخابية المكتوبة بأسماء البعض وبطريقة مبتكرة (ملونة) ومضافة إلى لائحة أحزاب الجبهة ، أما "الهدايا" بأنواعها وكميات الطعام والحلويات فقد كانت توزع على المراكز الانتخابية وغير ذلك من الوعود ومواعيد اللقاء اللاحقة ، وبذلك كانت النتائج محسومة سلفاً وظهرت كما تم توقعه ، ويؤسف له ...
هذا عدا عن تلك الحمامة الطائرة التي ترفرف دائماً في الأوقات الحرجة وتدلي بدلوها في كل عملية انتخابية كالصندوق الجوال المعتمد في "انتخابات مجلس الشعب" .
والمؤسف أيضاً أن تكون الأقوال التي ترددت صحيحة من أن الشكاوى والطعون التي تم تقديمها إلى الجهات صاحبة العلاقة والمرفقة بثبوتيات ، تم رفضها وتجاهلها .... مما استدعى من البعض المهتم إطلاق تسمية المهزلة على هذه الانتخابات ....
هذا مع ملاحظة أن أسماء المرشحين المستقلين كانت تضم فيما بينها أسماء اجتماعية جيدة وكفاءات ثقافية ومعرفية مشهود لها إنما بنسبة ضئيلة ، وقد خرج معظمها بالطبع من دائرة المنافسة .
والمؤسف أكثر تسمية ما حصل بالعملية الديموقراطية ، إلا إذا كان الغرض إثباتاً أن هذا الشعب اللامبالي يستحق مثل هذه النتائج ، وبالطبع فإن هذا الشعب اللامبالي يضم بينه كثيراً من أعضاء تحالف أحزاب الجبهة .
اتساءل هنا ، كيف سيكون الأمر عليه إن كان هناك تفعيل حقيقي لدور الأحزاب ومنظمات المجتمع الأهلي؟ كيف سيكون عليه الأمر إن كان هناك تغيير حقيقي لقانون الانتخابات ولقانون الإدارة المحلية سبق إجراء الانتخابات ؟ كيف سيكون الأمر عليه إن وقفت الأحزاب وقفة صادقة مع الذات ، أو إن شاركت في الانتخابات ببرامج انتخابية خاصة بها ..؟ ألم يحن أوان وقفة صدق مع الذات والقبول بصحة الاعتراضات والطعون حول مجريات الانتخابات ...؟ ألا يمكن لذلك أن يساهم بقدر كبير في إعادة حالة الثقة بين المواطن والحكومة ...؟
ألم يحن أوان المعالجة الحقيقية للمشكلات وتحمل المسؤولية من قبل التنظيمات الحزبية المتحالفة ضمن إطار "الجبهة" ، وبشكل حقيقي لا كلامي ...؟ ألم يحن أوان التوقف عن محاولة الهرب باللجوء إلى الماضي واستحضاره ...؟ ألم يحن أوان التوقف عن الهروب المخدِّر وتجهيل المجتمع بالالتجاء إلى الغيبيات والدين والشعارات ...؟
ألم يحن أوان إجراء تلك المراجعة النقدية الذاتية أم أن أولي الأمر لا يرغبون ، وأن تقافة الوهم والقطيع والشعارات الكلامية الفارغة هي الطاغية برأيهم ، وأن العيش الأسلم - برأيهم - هو التصرف كالنعامة ...؟
وختاماً ، تحياتي وتهنئتي أقدمها للحزب السوري القومي الاجتماعي – منفذيّة طرطوس .
31/8/2007
نزار صباغ
إضافة تعليق جديد