أولويات السياسة البريطانية في الشرق الأوسط لعام 2008م
الجمل: ألقى السير نيغيل شينوالد، السفير البريطاني لدى الولايات المتحدة الأمريكية يوم 15 كانون الثاني 2008م الحالي محاضرة بمنتدى السياسة التابع لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وكان عنوان المحاضرة «بريطانيا والشرق الأوسط».
يعتبر السير شينوالد من العناصر البارزة التأثير على عملية صنع القرار البريطاني المتعلق بشؤون الشرق الأوسط، وقد سبق أن تولى منصب كبير مستشاري شؤون السياسة الخارجية والدفاع لرئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير. ويقول المراقبون بأن تولي السير شينوالد لمنصب السفير البريطاني في واشنطن يعكس دلالة واضحة على أن الحكومة البريطانية الحالية أصبحت أكثر اهتماماً بالتنسيق مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بملف الشرق الأوسط.
* "داونينغ ستريت" بريطانيا: إشكالية البحث عن دور في الشرق الأوسط؟
برز مصطلح الشرق الأوسط إلى حيز الاستخدام في ملفات جهاز المخابرات العسكرية البريطانية، وتطورت دلالات المصطلح الجيوسياسية بعد ذلك. وقد خاض البريطانيون بعض الصراعات العسكرية والكثير من الصراعات الدبلوماسية من أجل السيطرة على الشرق الأوسط، ولكن على خلفية تغير موازين القوى الدولية، فقد تغيرت خارطة النفوذ الأولى على نحو تراجع فيه النفوذ البريطاني بقدر كبير لصالح النفوذ الأمريكي وأصبحت بريطانيا نفسها برغم قوتها النووية واقعة ضمن دائرة النفوذ الأمريكي، هذا النفوذ الذي وصل في الفترة التي أعقبت غزو واحتلال العراق إلى قمته وكان الرأي العام البريطاني ونخبة حزب العمال والمحافظين المسيطرة على "داونينغ ستريت تتذرع دائماً بالطبيعة الخاصة للعلاقات البريطانية – الأمريكية القائمة على الروابط التاريخية الأنجلوساكسونية، ولكن مع تزايد تورط حكومة طوني بلير في التعاون المفتوح مع الإدارة الأمريكية تزايدت تبعية "داونينغ ستريت" للبيت الأبيض الأمريكي وعندها تحركت مشاعر العراقة و"البريستيج" الإنجليزي لتفعل فعلها في الرأي العام البريطاني الذي أصبح ناقماً على حكومته على النحو الذي أصبح فيه الشعب البريطاني أكثر حساسية إزاء علاقات عبر الأطلنطي مع الشقيق الأنجلوساكسوني.
الآن يريد البريطانيون "دوراً" في الشرق الأوسط ولكن حتى الآن لم تتضح ملامح وتفاصيل هذا الدور لأن قدرة لندن في صناعة سياسة خارجية شرق أوسطية خارج عباءة واشنطن تعتبر محدودة، والدليل على ذلك أن عملية صنع واتخاذ القرار الشرق أوسطي في "داونينغ ستريت" خلال فترة رئيس الوزراء العمالي الحالي غوردون براون تختلف كثيراً عن سياسة سابقه بلير. ويقول البعض بأن زعيمي حزب العمال البريطاني يقتسمان المهام بحيث صعد براون ليقدم خدماته لأمريكا وإسرائيل من داونينغ ستريت وتحول بلير لتقديم الخدمات التكميلية عبر منصب المبعوث الخاص للشرق الأوسط.
* الإدراك البريطاني الجديد: هل تغير شيء؟
يقول السير نيغيل شينوالد بأنه خلال الثمانية عشر شهراً الماضية حدث تغير كبير في المشهد الإقليمي الشرق أوسطي من أجل الأفضل، وبإعادة توحد المجتمع الدولي حول أجندة مشتركة من أجل دعم العراق الجديد وعملية السلام في الشرق الأوسط ولبنان، فإن مهمتنا عام 2008م هي أن نستغل هذه الفرصة من أجل:
• تعزيز نجاح عملية زيادة عدد القوات في العراق والإجماع الدولي الجديد والحث على المصالحة والتسوية السياسية والوطنية وتقوية قدرة الشعب العراقي على تولي المسؤولية عن أمنه ومستقبله السياسي.
• الاستناد والبناء على قمة أنابوليس لاتخاذ الخطوات الرئيسية باتجاه السلام العادل والدائم على الجبهة العربية – الإسرائيلية لجهة إعطاء الفلسطينيين دولتهم المستقلة وتأمين إسرائيل المعترف بها في العالم العربي.
• بذل جهودنا الدبلوماسية إزاء سوريا وإيران بشكل قوي وفاعل، بما يؤدي إلى جعل البلدين يعودان أدراجهما ويدركان بأنهما يواجهان خياراً استراتيجياً بين المزيد من المروق على المعايير الدولية والمزيد من العقوبات والعزلة، وبين التعاون مع المجتمع الدولي والحصول على المنافع السياسية والاقتصادية التي تترتب على ذلك.
والقراءة "العادية" للنقاط المشار إليها توضح بأن سياسة "داونينغ ستريت" الشرق أوسطية في مرحلة غوردون براون لا تختلف في قليل أو كثير عن سابقتها التي كانت خلال فترة طوني بلير، وكل ما هنالك أن السير شينوالد قد "فسر الماء بالماء" كما يقول المناطقة العرب.
* سوريا: أي دور لبريطانيا؟
تحدث السير شينوالد في محاضرته حول أي "دور لبريطانيا" قائلاً: "من المستحيل قياس المدى الكامل للتقاطعات المتبادلة بين بريطانيا والشرق الأوسط، إضافة إلى أن قدرتنا محدودة على العمل وحدنا في الشرق الأوسط، فعلاقتنا مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وعضويتنا –الدائمة- في مجلس الأمن الدولي، وعلاقاتنا التاريخية مع العديد من اللاعبين الرئيسيين في المنطقة –العرب، الإسرائيليين، الفارسيين، الأكراد- تمنحنا نفوذاً نحاول أن نستخدمه بكفاءة وفعالية".
وبعد ذلك يتعرض السير شينوالد لسوريا فيقول بأننا ظللنا حريصين على رؤية سوريا وهي تلعب دوراً إقليمياً بناءً ، والتطلعات لتعامل دبلوماسي – اقتصادي أكبر ما تزال قائمة ولكن ليس على حساب سيادة لبنان، أو عملية السلام واستقرار العراق. ونحن نؤيد بشدة الجهود التي تقودها الولايات المتحدة وفرنسا من أجل المساعدة في التوصل إلى رئيس لبناني جديد وبقاء الحكومة اللبنانية الحالية بقدر الإمكان وندين الاعتداء الأخير على البعثة الدبلوماسية الأمريكية في بيروت.
* الدور البريطاني وبقية مناطق الشرق الأوسط:
نقاط الاهتمام الأخرى في الإدراك البريطاني لسياسة "داونينغ ستريت" غوردون براون العمالية الجديدة إزاء الشرق الأوسط، والتي تطرق إليها السير شينوالد تمثلت في الآتي:
• عملية السلام: حيث يقول شينوالد بأن الأمن الإسرائيلي هو ضرورة قصوى وملحة للحل العادل وتخفيف المعاناة الفلسطينية، ويضيف بأن من الممكن الاهتمام بالجانبين –أي لأمن إسرائيل ومعاناة الفلسطينيين- عن طريق العملية السياسية التي تؤدي إلى خلق دولة فلسطينية تكون اقتصادياً واجتماعياً في سلام مع إسرائيل. أما مقاربة بريطانيا لعملية السلام فهي تستند إلى ثلاثة جوانب:
* دعم حل الدولتين.
* دعم أولئك الذين يعملون من أجل إحراز التقدم السلمي في المنطقة.
* ترقية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبشكل ثنائي، كما يقول السير شينوالد، فإن بريطانيا تركز حالياً على مجالات قليلة تتمثل على وجه الخصوص في:
* بناء المؤسسات الفلسطينية دعماً لأجندة طوني بلير.
* تأمين الدعم المالي للفلسطينيين.
* إصلاح قطاع الأمن الفلسطيني باعتباره مجالاً هاماً يمثل قيمة مضافة لجهودنا.
* دعم بعثة الاتحاد الأوروبي الساعية لتدريب قوات الشرطة المدنية الفلسطينية.
* دعم جهود فريق الجنرال كيث دايتون الاستشارية الأمنية.
• العراق: قال السير شينوالد بأن زيادة القوات الأمريكية كان لها تأثير حقيقي لجهة انخفاض عمليات العنف بنسبة 60% في سائر أنحاء العراق خلال الأشهر الستة الماضية وتراجع أداء تنظيم القاعدة لأول مرة بعد عدة سنوات، وإضافة لذلك أصبح العراقيون يتولون بشكل متزايد المسؤولية عن شؤونهم وقد كان التقدم المحرز في محافظة الأنبار ملحوظاً وهاماً لجهة استمراريته ولجهة كونه عملية عراقية المنشأ والتحضير. وتواصل قوات الأمن العراقية التطور والنمو كما ترحب بريطانيا بالصيغة الحالية لقانون اجتثاث البعث ونأمل في أن نرى تقدماً أكثر على المستوى الوطني فيما يتعلق بالتسوية والمصالحة الوطنية العراقية. وفي الوقت نفسه، يجب أن نكون واقعيين إزاء قدرة حكومة المالكي ومن ثم فإن أحد أولويات السياسة في عام 2008م يتمثل في الانتخابات المحلية (البلديات والمحافظات) والتي سوف تزود الزعماء الجدد الصاعدين بالقوة والسلطة، وتقوي التطورات الإيجابية الجارية على المستوى القومي الكلي العراقي. ويمثل العراق واحداً من الأولويات العالمية الأهمية للحكومة البريطانية، ودورنا خلال العام الماضي أصبح محصوراً طالما أن القدرات العراقية السياسية والأمنية قد تطورت. وفي تموز 2007م كنا نواجه 200 ضربة في الأسبوع في المجمع العسكري والقاعدة الجوية البريطانية في البصرة والآن أصبحنا نواجه أقل من خمسة ضربات في الأسبوع. وبرغم أن قواتنا ستبقى مع الحلفاء فإن دورها قد تم تعديله ليأخذ طابعاً إشرافياً وسوف نبقى مستعدين لمعاونة قوات الأمن العراقية متى طلبت منا القيام بذلك. وفي الجنوب، قمنا بالأساس بتدريب 30 ألف عنصر وسوف يستمر ويتواصل هذا النوع من التدريب. وإذا بقي الوضع الأمني مستقراً فإننا نتوقع أن تقلل حجم القوات بحوالي 2500 جندي في الربيع القادم مع الحفاظ على تمركز 500 عنصر بريطاني في الكويت كما تم الإعلان عنه. أما القرارات المتعلقة بما يتوجب على السياسة الخارجية البريطانية القيام به خلال العام 2008م فلم يتم اتخاذها بعد ولكن جزءاً كبيراً من جهود بريطانيا سوف يكرس لدعم المسارات الأخرى وعلى وجه الخصوص المسارات الاقتصادية وهذا هو السبب الأساس الذي دفعنا إلى القيام بإنشاء مفوضية تنمية الاستثمار في البصرة (لجهة تطوير المدينة كمركز وموقع استثماري) وصندوق دعم البصرة (لجهة مواجهة ضعف النظام المصرفي وتحسين تدفق القروض الائتمانية للمنشآت المتوسطة والصغيرة) ولجنة تطوير البصرة (لكي تعمل كجهاز استشاري).
• إيران: أشار السير شينوالد إلى النقاط الآتية:
* التحليلات والتوصيفات الأمريكية حول إيران ما تزال "مغلقة".
* تقرير تخمين القدرات النووية الإيرانية الذي أصدرته مؤخراً أجهزة المخابرات الأمريكية هو تقرير لن يغير شيئاً في مبررات توجهاتنا الثنائية المسار إزاء إيران.
* اهتمامنا بالبرنامج النووي الإيراني يقوم أساساً على اعتبارات عزم وتصميم إيران على القيام بتطوير تخصيب اليورانيوم وتطوير عملية الحصول على الماء الثقيل.
* حصول إيران على هاتين الميزتين يتيحان أمامها فرصة القيام بكل سهولة بإنتاج الأسلحة النووية.
* إن إيران ترفض الالتزام بمتطلبات ومشروطيات مجلس الأمن الدولي الملزمة قانونياً.
* سوف تحصل بعض الوقائع السياسية خلال الثمانية عشر شهراً القادمة وهي انتخابات المجلس (البرلمان الإيراني) في آذار 2008م والانتخابات الرئاسية الإيرانية في ربيع 2008م.
إذا يتوجب علينا في الخطوة الأولى القيام بالتحديد الدقيق للخيار المتاح أمام إيران والخطوة الثانية سوف تتمثل في مناقشة قرار مجلس الأمن الدولي الجديد لجهة أن إجازة وموافقة مجلس الأمن عليه سوف يترتب عليها إرسال إشارة قوية لإيران في فترة ما بعد تقرير المخابرات الأمريكية الأخير لجهة إفهام إيران بأن المشكلة لم تنته بعد، وقد وافق زعماء الاتحاد الأوروبي على الالتزام بعد أجازة مجلس الأمن لقراره الجديد، بعملية دفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض المزيد من الإجراءات ضد إيران. وحالياً، أوقفت معظم المصارف الأوروبية معاملاتها مع إيران وقريباً سوف لن يصبح أمام البنوك الإيرانية أي سبيل للتعامل مع القنوات المصرفية والمالية الأوروبية. وحالياً يوجد سخط متزايد داخل إيران وذلك على السواء في أوساط الرأي العام وداخل النظام الإيراني. ونحن نحتاج إلى استغلال وتوظيف التأثيرات السلبية التي حدثت في إيران بسبب العقوبات المطبقة حالياً كما يجب عدم إهمال أهمية المسارات الأخرى بحيث نطرح على الإيرانيين الخيار الأوروبي الذي سبق طرحه في العام 2006م والذي أيدته الولايات المتحدة والمتعلق بتطوير صناعة الكهرباء النووية للأغراض المدنية السلمية في إيران بواسطة الأوروبيين حصراً وأيضاً طرح المزيد من المزايا والمنافع الاقتصادية على الإيرانيين وعرض إمكانية رفع بعض العقوبات المفروضة ضدها في المجالات ذات الأهمية بالنسبة للإيرانيين وإعطاءهم فرصة التفاوض والمساومة حول قضايا الأمن الإقليمي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد