شرق المتوسط في مشروع القرن الأمريكي الجديد

الجمل: التطورات الإقليمية والدولية بعد انتهاء نظام القطبية الثنائية ودخول النظام الدولي مرحلة "السيولة" الدولية التي تميزت بالشكوك واللايقين في مركز الولايات المتحدة ومدى مصداقية مكانتها القيادية العالمية للنظام الدولي اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وأمنياً.
* سوريا – الشرق الأوسط: إشكالية النظام الدولي:
تمثل سوريا إحدى المكونات الجيوسياسية الهامة في منطقة الشرق الأوسط، ويزداد تأثير العامل السوري أكثر فأكثر ضمن منطقة الشرق الأوسط التي ما زالت تمثل منطقة "القلب الحيوي" لكامل إقليم الشرق الأوسط الممتد من موريتانيا إلى باكستان. مفهوم "عبقرية المكان" الذي أشار إليه المفكر الجغرافي المصري الراحل جمال حمدان ينطبق بشكل ثلاثي على سوريا:
• تقع سوريا ضمن إقليم الشرق الأوسط التي تتقاطع فيه قارات العالم الثلاث آسيا – أوروبا – إفريقيا.
• تقع سوريا ضمن منطقة شرق المتوسط التي تمثل المنطقة "الفرعية" الأكثر أهمية داخل إقليم الشرق الأوسط.
• تمثل سوريا "القلب الحيوي" لمنطقة الشرق الأوسط.
وتأسيساً على هذه المزايا التي تتمتع بها سوريا فإن الكثير من التفاعلات الجارية في المنطقة الفرعية – الإقليم – العالم يتوقف نجاحها أو فشلها على سوريا. بكلمات أخرى، يتوقف مصير مشروع القرن الأمريكي الجديد على سيطرة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط وهي سيطرة لن تكتمل طالما أن سوريا خارج نطاقها فالنظام الدولي الذي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية بناءه يتوقف على مصير إقليم الشرق الأوسط، الأمر الذي جعل الشرق الأوسط يتعرض للمزيد من الضغوط الأمريكية وبدرجة أكبر الضغوط على منطقة شرق المتوسط التي تمثل سوريا قلبها الحيوي. وبالمقابل لم تكن سوريا، كما كان  يتوقع الكثير من الخبراء، "ملفاً سهلاً" أمام مشروع القرن الأمريكي الجديد.
* سوريا – شرق المتوسط: تداعيات المخاطر الجديدة:
الفكر الاستراتيجي الأمني – العسكري أصبحت له تداعياته المباشرة وغير المباشرة، تماماً مثله مثل الفكر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى أن التحولات في نظرية المسرح الأمني – العسكري تمخضت مؤخراً عن العديد من النتائج الخطيرة والتي كان من أكثرها خطورة تجميع المسارح الأمنية – العسكرية، بواسطة الخبراء الأمريكيين، في مسرح أمني – عسكري واحد على النحو الذي ترتب عليه أن أصبحت المواجهات الجارية تنضوي جميعها ضمن مواجهة واحدة، والدولة الوحيدة التي استطاعت التكيف مع معطيات المسرح الواحد هي الولايات المتحدة الأمريكية والتي أصبح الإدراك الأمني – العسكري فيها يركز على افتراض وجود سبعة مسارح للمواجهة هي:
• مسرح الشرق الأوسط: وتم تخصيص القيادة الأمريكية الوسطى لتكون مسؤولة عن المواجهة فيه.
• مسرح أوروبا: وتم تخصيص القيادة الأوروبية لتكون مسؤولة عن المواجهة فيه.
• مسرح الباسفيك: وتم تخصيص القيادة الباسيفيكية لتكون مسؤولة عن المواجهة فيه.
• مسرح الشمال: وتم تخصيص القيادة الشمالية لتكون مسؤولة عن المواجهة فيه.
• مسرح الجنوب: وتم تخصيص القيادة الجنوبية لتكون مسؤولة عن المواجهة فيه.
• مسرح إفريقيا: وتم تخصيص القيادة الإفريقية لتكون مسؤولة عن المواجهة فيه.
• مسرح الوطن الأمريكي: وتم تخصيص قيادة الوطن الأم لتكون مسؤولة عن المواجهة فيه.
• مسرح الفضاء: وتم تخصيص قيادة الفضاء لتكون مسؤولة عن المواجهة فيه.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن هذه القيادات ليست معزولة عن بعضها بل تنضوي جميعاً ضمن ما يعرف بـ"القيادة المشتركة الموحدة"، كذلك تقدم هذه القيادات عمليات الدعم والمساندة بين بعضها البعض عن طريق التنسيق والعمليات المشتركة التي تشرف عليها "هيئة الأركان المشتركة" المنضوية تحت القيادة المشتركة الموحدة. وتعتبر سوريا – شرق المتوسط هدفاً رئيسياً لكل هذه الكيانات الأمنية – العسكرية بما يترتب عليه تزايد المهددات والتحديات القائمة أمام المنطقة.
* سوريا – شرق المتوسط: تداعيات الفرص الجديدة:
تشير معطيات الخبرة التاريخية إلى انه لم يحدث أن استطاع أي كيان دولي في العالم أن يحقق سيطرته على كيانات العالم الأخرى أياً كانت الوسيلة عن طريق كسر إرادتها وتطويعها:
• البعد الهيكلي – البنائي: خلال الفترة الماضية كانت خارطة منطقة شرق المتوسط تتكون من كيانات سياسية تتضمن ثلاثة أنواع:
* كيانات مؤيدة للمشروع الأمريكي – الإسرائيلي: الأردن، مصر، السعودية، دول الخليج، لبنان، السلطة الفلسطينية.
* كيانات معارضة للمشروع الأمريكي- الإسرائيلي: سوريا – إيران.
* كيانات متأرجحة: اليمن.
ولكن بحلول العام 2008م فقد دخلت ضمن خطوط الخارطة المزيد من القوى النوعية الجديدة التي لم يكن ظهورها ثانوياً وإنما مؤثراً في العمق على النحو الذي أدى إلى إعادة رسم وتشكيل الخارطة. وعلى سبيل المثال لم يعد حزب الله اللبناني وحركة حماس وحركات المقاومة العراقية مجرد جماعات مسلحة وإنما أصبحت تشكل قوى حقيقية تدخل وتمارس التأثيرات ذات الفعالية الكبيرة في رسم الخارطة الجيوسياسية لمنطقة شرق المتوسط على النحو الذي قلب خطط وتوقعات جميع الخبراء. أما الفرص الجديدة فهي تتمثل في تداعيات التغذية العكسية للضغوط التي أدت إلى:
* معارضة الرأي العام الأمريكي لتوجهات الإدارة الأمريكية الحالية على النحو الذي أدى إلى خسارة "معسكر الحرب الجمهوري" لانتخابات الكونغرس وأصبح يهدد بخسارة انتخابات الرئاسة الأمريكية التي أصبحت أكثر احتمالاً.
* الحد من قدرة إسرائيل على الحصول على النتائج الجيوسياسية الجديدة عن طريق استخدام القوة العسكرية وعلى وجه الخصوص بعد حصول عدة مؤشرات أبرزها:
 * خطر الردع الصاروخي السوري.
* هزيمة حزب الله للقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان وإنهاء طموحات المخططين الإسرائيليين التي كانت تفترض نجاح الجيش الإسرائيلي في تنفيذ مشروع تأمين حدود إسرائيل الشمالية.
* هزيمة حركة حماس الفلسطينية لحصار القوات الإسرائيلية في قطاع غزة وإنهاء طموحات المخططين الإسرائيليين التي كانت تفترض نجاح الجيش الإسرائيلي في تنفيذ مشروع تأمين حدود إسرائيل الجنوبية.
  * فعالية تأثير قوة الردع الإيراني وتمثل ذلك في:
* عدول الإدارة الأمريكية عن مخطط ضرب إيران ومحاولة استبدال المخاطر المترتبة على ذلك بالفرص التي تؤكد على التعاون مع إيران من أجل:
    * استمرار الوجود الأمريكي في العراق.
    * استمرار الوجود الأمريكي في أفغانستان.
    * استمرار الوجود الأمريكي في الخليج.
* محاولة إقناع إيران بالابتعاد عن سوريا وحزب الله وسوريا والصين وحركة حماس.
* إبطال فعالية إيران في التأثير على منطقة آسيا الوسطى والقوقاز.
* عجز إسرائيل عن ردع إيران وتمثل في أن الموقف الأمريكي الجديد إزاء إيران قد أدى إلى انكشاف الغطاء والسند الأمريكي الذي كانت تعتمد عليه إسرائيل من أجل إشعال المواجهة مع إيران وتوريط الولايات المتحدة في حرب جديدة.
• البعد القيمي: لم تعد عوامل قوة السيطرة على منطقة شرق المتوسط تنحصر فقط في القوة الأمنية – العسكرية والاقتصادية والسياسية، وإنما أصبحت تتضمن عوامل ضعف الأطراف المستهدفة بهذه السيطرة. بكلمات أخرى، فقد برز عنصر "القوة القومية" كعامل مهم في الحد من فعالية السيطرة على المنطقة بالوسائل العسكرية والأمنية وبهذا الخصوص فإن صعود الشعور القومي أدى إلى:
* صعود شعبية سوريا في الشارع العربي.
* صعود شعبية حزب الله اللبناني.
* صعود شعبية حركة حماس.
* صعود حزب العدالة والتنمية التركي.
* عزلة المؤيدين لمشروع السيطرة الأمريكية على المنطقة:
* عدم تأييد الشارع العربي للنظامين المصري والأردني وحكومة السنيورة و"المتعاملين" العراقيين الذين يقودهم نوري المالكي.
* ضعف طموحات قوى السيطرة بسبب تزايد الإحباطات وردود الفعل السلبية التي أدت إليها عمليات هزيمة إسرائيل في جنوب لبنان وغزة، وتصاعد المقاومة العراقية وتزايد الردع الإيراني وهزيمة القوى العلمانية التركية المتحالفة مع أمريكا وإسرائيل.
وحتى الآن لم تكتمل الصورة على الصعيد القيمي وما تزال التجاذبات قائمة على كلا الجانبين بحيث:
* حلفاء أمريكا في المنطقة ما زالوا يراهنون على إمكانية تحقيق النجاح عن طريق المضي قدماً في التعاون مع إدارة بوش.
* خصوم أمريكا في المنطقة برغم رفضهم الكامل فإنهم ما زالوا غير قادرين على اللجوء إلى توسيع المواجهة بشكل علني ضد أمريكا.
وبين الحلفاء والخصوم توجد معركة الرأي العام الأمريكي والرأي العام في منطقة شرق المتوسط باعتبارها تمثل الفيصل في الحسم ووضع الحد النهائي لإدارة بوش ولأنظمة وكيانات المعتدلين العرب.
• البعد التفاعلي: ماذا يحمل عام 2008م، الحسابات الإستراتيجية المتوقعة في معادلة سوريا – شرق المتوسط:
ما تزال حتى الآن معادلة سوريا – شرق المتوسط تتميز بحالة السيولة والشكوك واللايقين، فبرغم دلالات مؤشرات موازين القوى فإن كل الخيارات ما تزال مطروحة على طاولة دوائر صنع القرار:
* خيار الاستقرار: ويقوم على احتمالات انقلاب مكانة المتغيرات في معادلة المنطقة. بكلمات أخرى، ظلت إسرائيل طوال الفترة الماضية تمثل "المتغير المستقل" في مواجهة الإدارة الأمريكية التي تمثل المتغير التابع، والآن، وبسبب تحول الرأي العام الأمريكي من نزعة الحرب إلى نزعة السلام فإن صعود الإدارة الأمريكية الجديدة يمكن أن يترتب عليه أن يصبح دور أمريكا مستقلاً ويصبح دور تل أبيب تابعاً تماماً كما حدث في سيناريو الملف النووي الإيراني الحالي. إن حدوث هذا التحول سوف يؤدي بالتأكيد إلى المزيد من اللجوء والدفع باتجاه تفضيل خيارات الاستقرار بحيث يمكن أن تتم مفاوضات السلام العربي – الإسرائيلية وحل الأزمة اللبنانية عن طريق التوافق وإجراء انتخابات مبكرة للمجلس النيابي إضافة إلى إحراز بعض التقدم على مسار عملية السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالإضافة إلى احتمالات انسحاب الجيش الأمريكي المتوقع ولو جزئياً من العراق.
* خيار التصعيد: ويقوم على احتمالات نجاح إسرائيل واللوبي الإسرائيلي في القيام باختراق كبير داخل مكونات البيئة السياسية الأمريكية، وتحديداً في مجال النجاح في تضليل الرأي العام الأمريكي وإعادة شحنه بالتعبئة السلبية الفاعلة على غرار ما أدت إليه أحداث 11 أيلول 2001م، ونجاح مثل هذا الاختراق سوف يؤدي إلى:
  * إشعال المزيد من المواجهات في المنطقة.
  * فرض المزيد من العقوبات على كيانات المنطقة.
 وحتى الآن يعتبر خيار التصعيد هو الأقل احتمالاً ليس بسبب ضعف القوة العسكرية الأمريكية ولكن بسبب إدراك دوائر صنع القرار الأمريكي بأن القوة الأمريكية وإن كانت تتميز بالعديد من نقاط القوة إلا أنها تعاني من نقطة ضعف رئيسية تتمثل في أنها محدودة التأثير لجهة أنها قادرة على إلحاق الخسائر بالطرف الآخر ولكنها غير قادرة على فرض السيطرة عليه وإخضاعه نهائياً وهو ما أكدت على صحته تجربة استخدام القوة الأمريكية في العراق.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة