صراع الأجنحة داخل «حماس» واستطالاته الخارجية
الجمل: لم يعد قطاع غزة تلك الرقعة المستطيلة المعزولة الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط بين إسرائيل ومصر، وإنما أصبحت بمثابة جيب يمارس تأثيراً جيو-سياسياً متزايداً على الأبعاد الهيكلية والقيمية والتفاعلية لتوازنات الصراع الكلي والجزئي الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط.
* أزمة غزة: منظور التحليل السياسي الجزئي:
نجحت حركة حماس في إقصاء حركة فتح وفرض سيطرتها الكاملة على قطاع غزة بمدنه الثلاث رفح، غزة، خان يونس. وبرغم خروج حركة فتح وهزيمتها داخل القطاع إلا أنها مضت قدماً في مواصلة الصراع مع حركة حماس ولكن بالوسائل السياسية والوسائل الأخرى غير العسكرية، أما داخل القطاع، وتحديداً داخل حركة حماس، فتقول التسريبات الواردة من القطاع بأن صراع السلطة والثروة الذي كان دائراً بين حركة حماس وفتح تحول بعد سيطرة حماس على القطاع إلى صراع سلطة وثروة داخل حركة حماس وتحديداً بين أجنحة حركة حماس الرئيسية الموجودة في غزة.
أبرز مؤشرات الخلافات وصراع الأجنحة داخل حركة حماس يشير إلى الآتي:
• بدأ محمود الزهار صعوده بما يتيح له أن يصبح في مكانة "رجل حماس القوي" خاصة وأنه هو الذي يقوم وحده حالياً بمفاوضة المصريين حول ملف قطاع غزة.
• النفوذ على حركة حماس في قطاع غزة ظل موضعاً للتجاذب بين أبناء قطاع غزة مثل محمود الزهار وبين زعماء حماس القادمين من خارج القطاع.
• إسماعيل هنية وسعيد صيام وصلاح البردويل ينتمون إلى منطقة الجورة الواقعة بالقرب من عسقلان وأهمية منطقة الجورة بالنسبة لحركة حماس تتمثل في أنها مسقط رأس الشهيد الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة. أما محمود الزهار ومجموعته فيمثلون أبناء قطاع غزة داخل الحركة.
• ذهب الزهار إلى القاهرة لمفاوضة المسؤولين المصريين حول مصير رفح، وتقول التسريبات بأن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس قد ذهب أيضاً إلى القاهرة لمفاوضة المصريين في الموضوع ذاته، وأشارت بعض التفسيرات إلى أن خالد مشعل كرئيس للمكتب السياسي لم يعد يقبل بأن يقوم الزهار بهذه المهمة حتى لا يظهر بمظهر وزير خارجية حركة حماس أمام العالم على النحو الذي يخلف انطباعاً عاماً بأن محمود الزهار هو الذي يمثل عملياً "مرجعية" حركة حماس الأساسية.
• تقول بعض التسريبات بأن محمود الزهار خلال جولته التفقدية لمخيم جباليا وجه الانتقادات لقيادة خالد مشعل.
• انتقد الزهار زعيم حركة حماس إسماعيل هنية قائلاً بأن أرفع منصب حصل عليه هنية في الماضي هو تكليفه بمهمة دفع الكرسي النقال الخاص بالشيخ أحمد ياسين الذي كان مقعداً.
• صراع الأجنحة داخل حركة حماس أصبح يشمل:
* الجانب العسكري: قيادة كتائب القسام ميدانياً في يد أحمد الجعبري، ولكن مرجعيته السياسية في يد عماد العلمي وخالد مشعل الموجودان خارج قطاع غزة. هذا وينظر البعض داخل حركة حماس إلى عماد العلمي باعتباره الأكثر ارتباطاً بالنظام الإيراني وأجهزته الأمنية.
* الجانب الأمني: تم تكوين ما يعرف بـ"القوة التنفيذية" التي يقودها سعيد صيام، وفي الوقت نفسه تم تكوين جهاز أمن داخلي جديد يقوده الزهار وصيام وهنية وتشير التسريبات إلى أن هنية استطاع أن يكون جهازاً ثالثاً خاصاً به باسم جهاز الأمن والحماية، ومن المتوقع بمرور الأيام أن تتضارب اختصاصات هذه الأجهزة على النحو الذي يؤدي إلى تزايد التوترات بين أجنحة حماس.
* الجانب الاقتصادي: يوجد خلاف حالياً بين "كتائب القسام" و"القوة التنفيذية" حول من يقوم بالإشراف على نقل السلع وتهريبها من الخارج عبر الأنفاق إلى داخل القطاع.
* أزمة غزة: منظور التحليل السياسي الكلي:
على المستوى الكلي توجد ثلاثة مستويات يتميز كل واحد منها بعدد من الفاعلين:
• المستوى الإقليمي الخاص بقطاع غزة: في هذا المستوى توجد أربعة قوى فاعلة وهي حركة حماس وحركة فتح ومصر وإسرائيل.
• على المستوى الإقليمي الشرق أوسطي: توجد سوريا وإيران والسعودية والأردن والجامعة العربية وتركيا.
• على المستوى الدولي: توجد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية.
التفاعلات على المستوى الكلي ما تزال أكثر تعقيداً لأن كل طرف يحاول إدارة الصراع الكلي بما يتيح أمامه استغلال الفرص بأكبر قدر ممكن ويقلل من المخاطر بأقل قد ممكن:
• حركة حماس: تسعى إلى استغلال فرص استمرار سيطرتها على القطاع ولا تخفي طموحاتها من أجل تمديد سيطرتها إلى الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه تسعى إلى تجنب المخاطر المترتبة على الحصار الإسرائيلي والدولي، وصعود قوة فتح إلى السلطة الفلسطينية داخل القطاع، أما خطر الاقتحام العسكري الإسرائيلي فتسعى حماس إلى مواجهته بقوة وتحويله عن طريق المقاومة الميدانية الشديدة إلى عامل قوة يعزز قدرة حماس في إنهاء حركة فتح والسيطرة على كامل الملف الفلسطيني.
• حركة فتح: تسعى من أجل الاستفادة من فرص الضغوط الدولية والحصار الإسرائيلي باعتبارها العوامل الأكثر فعالية في القضاء على نفوذ حركة حماس في غزة وإضعاف وجودها في الضفة الغربية. كذلك تسعى حركة فتح إلى الاستفادة من فرص الحصول على المعونات من الأطراف الدولية بسبب مواقفها في عملية سلام أنابوليس، وتحاول فتح تجنب مخاطر حدوث أي تطورات تؤدي إلى تعزيز قوة حماس داخل وخارج الأراضي الفلسطينية.
• إسرائيل: تسعى من أجل الاستفادة من فرص انقسام الفلسطينيين إلى معسكرين معزولين عن بعضهما البعض ضمن منطقتين تقع بينهما إسرائيل، وفي الوقت نفسه تسعى إلى تجنب مخاطر عودة الفلسطينيين وعدم التمادي في دعم محمود عباس في صراعه ضد حماس.
• مصر: تسعى من أجل الاستفادة من فرص الانفراد بإدارة أزمة غزة، على النحو الذي يتيح لمصر فرصة العودة إلى مسرح الصراع الشرق أوسطي ولكن بالوسائل الدبلوماسية بما يعزز قدرة مصر في الحصول على المعونات الأمريكية والتمتع بموقف قوي داخل الجامعة العربية.
أداء هذه الأطراف الأربعة يؤثر ويتأثر بأداء الأطراف الأخرى. بكلمات أخرى، تداخل وتتقاطع أجندة وأوراق هذه القوى مع أجندة وأوراق كل من سوريا وإيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأردن والسعودية. وتشير مجريات الصراع في قطاع غزة، إلى أن الوضع الميداني يتأثر بالوضع السياسي والوضع السياسي يتأثر بالوضع الميداني، وليس من السهولة لأي طرف من الأطراف أن يقوم لوحده لا بالحسم العسكري ولا بالحسم السياسي، وإزاء هذه المعضلة تحاول إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية توظيف أزمة غزة على الصعيد الإقليمي – العربي بما يؤدي إلى تعزيز قبضة المعتدلين العرب على ملفات منطقة شرق المتوسط. وفي هذا الصدد تشير التسريبات إلى وجود توجه لتكوين لجنة سداسية تضم السعودية، مصر، الأردن، سوريا، لبنان (حكومة السنيورة) فلسطين (الحكومة الفلسطينية). وتقول التسريبات بأن مصر والسعودية اتفقتا على أن لا يتم إشراك سوريا أو السماح لها بدور في اللجنة إلا إذا قدمت بعض التنازلات، وحتى الآن لا يوجد ما يشير إلى هذه التنازلات لنعرف مصدرها أن كانت أمريكية – إسرائيلية أو أنها عربية في حقيقتها. على أية حال، من المعروف أن سوريا تتمسك بحقوقها العادلة إزاء أي تسوية محتملة لملفات الشرق الأوسط وعلى الجانب الآخر تقف أمريكا وإسرائيل على الطرف الممانع لمبدأ التسوية العادلة أما مصر والأردن والسعودية وحكومة السنيورة والسلطة الفلسطينية فيقفون على الجانب الموالي لمحور تل أبيب – واشنطن وعلى الأغلب أن يكون محور تل أبيب – واشنطن يحاول هذه المرة تمرير شروطه المتعلقة بفرض التنازلات على سوريا عن طريق حلفاء من المعتدلين العرب الذين ظلوا يقومون منذ لحظة حرب لبنان وهزيمة الجيش الإسرائيلي على يد حزب الله، بدور البروكسي الذي يقوم بعمليات الوكالة السرية والدبلوماسية والاستخبارية في المنطقة ضد سوريا وإيران وحزب الله وحركة حماس.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد