السلام السوري بين ليفني وبابكان في اجتماع الدول المانحة
الجمل: تقول التسريبات الواردة اليوم في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بأن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني قد حضرت اجتماع البلدان المانحة الذي عقد أمس الجمعة في العاصمة البريطانية لندن لمناقشة تقديم المعونات للسلطة الفلسطينية، وعلى هامش الاجتماع عقدت الوزيرة الإسرائيلية لقاءاً مع نظيرها التركي علي بابكان حيث تلقت منه بعض الرسائل.
* خلفيات لقاء بابكان – ليفني:
يعتبر هذا اللقاء أول لقاء لمسؤول رسمي تركي مع الإسرائيليين حول موضوع الوساطة التركية للسلام بين سوريا وإسرائيلي بعد زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى دمشق. وتقول المعلومات بأن ليفني قد رتبت لقاءات حول الأمر خلال فترة انعقاد اجتماع لندن مع بعض الأطراف الأخرى وهي:
• رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون.
• الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
• المسؤولين الأردنيين.
• بعض المسؤولين البريطانيين (على الأغلب أن يكون بينهم وزير الخارجية البريطاني).
أشارت التسريبات إلى أن لقاء بابكان – ليفني قد كان وجهاً لوجه بحيث تبادل الوزيران الآراء حول موضوع سوريا. وأكد تقرير صحيفة يديعوت أحرونوت بأن تل أبيب تتوقع أن يتم تبادل المزيد من الرسائل عبر "القناة" التركية، بما يؤدي إلى تسريع زخم العملية طالما أن التطورات والوقائع التي تسمح بانعقاد المفاوضات المباشرة السورية – الإسرائيلية لم تكتمل بعد.
* الخطوط العامة للإدراك الإسرائيلي:
حتى الآن مازال الإدراك الإسرائيلي غير قادر على تجاوز عقبة المشروطيات التي تجمع مفرداتها بين الخطاب السياسي الأمريكي إزاء سوريا والخطاب السياسي الإسرائيلي إزاء سوريا، وعلى خلفية ازدواجية الخطاب السياسي الأمريكي – الإسرائيلي إزاء سوريا تشكل الإدراك الإسرائيلي على أساس افتراض منظومة من المشروطيات يحاول الإسرائيليون استخدامها كجدول أعمال مسبق لا بد منه للدخول في مفاوضات السلام مع سوريا، وتتمثل هذه المشروطيات في:
• أن تنسحب سوريا من "محور الشر".
• أن تقطع سوريا روابطها العسكرية مع إيران.
• أن توقف سوريا تمويل حزب الله.
• أن توقف سوريا تمويل حركة حماس وحركات المقاومة الفلسطينية.
• أن توقف سوريا تهريب الأسلحة إلى لبنان.
نلاحظ أن الخطوط العامة للإدراك الإسرائيلي هي خطوط تبدو في ظاهرها منسجمة مع مفردات الخطاب السياسي الأمريكي – الإسرائيلي الذي ظل سائداً طوال الفترة الممتدة بين هزيمة إسرائيل صيف العام 2006م حتى الآن، وإشكالية هذه الخطوط العامة تتميز في "سيولة" دلالاتها والطبيعة الدائرية لاستخدامها ضمن حلقات الجدال المغلق الخبيث الذي لن يؤدي سوى إلى المزيد من توليد الذرائع والحجج ومن أمثلة ذلك نشير إلى الآتي:
• "محور الشر": هو مصطلح أطلقه الرئيس الأمريكي الجمهوري السابق رونالد ريغان في معرض تسميته للدول المعارضة للسياسة الأمريكية التدخلية وحالياً ظلت جماعة المحافظين الجدد تستخدم نفس المصطلح على خلفية مذهبية السياسة الخارجية الريغانية الجديدة.
• قطع الروابط العسكرية مع إيران: روابط سوريا مع إيران وغيرها هي شأن سيادي سوري، إضافة إلى أن طرح هذا الشرط في مثل هذا التوقيت هو أمر غير مقبول وذلك لأنه:
* سابق لأوانه فسوريا لم تسترد أراضيها.
* شرط غير متوازن لأنه ينطوي على نزعة غلواء إسرائيلية تصل إلى حد التحرش واستفزاز سوريا، وأقل ما يوصف به هذا الشرط هو أنه شرط "عابر للسيادة"، تحاول من خلاله إسرائيل مد يدها إلى الملفات السيادية السورية.
• إيقاف تمويل حزب الله: ونلاحظ أنه طلب غامض وغريب في نفس الوقت، لأن إسرائيل والإدارة الأمريكية كانت في الماضي تستخدم كلمة "دعم" أو "مساعدة"، ولكن تقرير الصحيفة الإسرائيلية استخدم كلمة "تمويل" فهل المطلوب أن تؤكد سوريا بأنها لن تمول حزب الله ثم تقوم الأيادي الخفية بإرسال بعض الأموال عن طريق بعض القنوات المصرفية للحسابات المصرية التابعة للحزب ضمن عملية سرية مصرفية تتيح لإسرائيل وأمريكا إعادة إنتاج اتهام سوريا بتمويل الحزب.
• إيقاف تمويل حركة حماس: وينطبق على هذا الأمر نفس سيناريو النقطة السابقة المتعلقة بتمويل حزب الله.
• إيقاف تهريب الأسلحة إلى لبنان: وهو طلب غير منطقي لثلاثة أسباب:
* أن الحكومة اللبنانية هي المعنية بحماية حدودها من التهريب وغير ذلك من الواجبات والمهام السيادية اللبنانية، ولم يحدث أن قامت دولة بتوقيع اتفاق يلزمها بحماية حدود الدول الأخرى من خطر التهريب، فسوريا معنية بحماية حدودها من التهريب فقط.
* للبنان ثلاثة حدود دولية – إقليمية، الأولى مع سوريا، والثانية مع إسرائيل، والثالثة مع البحر المتوسط، ومن المعروف أن ساحل البحر الأبيض المتوسط هو المعبر الرئيسي لحركة التهريب إلى داخل لبنان، ليس تهريب الأسلحة وحدها، وإنما يشمل ذلك المخدرات والهجرة غير الشرعية والسلع الممنوعة وغير ذلك.
* إن سوريا معنية فقط بحماية حدودها باعتبار أن ذلك يقع ضمن نطاق اختصاصها السيادي، وفي حالة أي اتفاق سلام سوري – إسرائيلي فإن النظام السيادي القانوني كما هو معروف وكما جرت العادة، يرتبط حصراً وفقط بالحدود الفاصلة بين طرفي الاتفاق وليس بأي حدود خاصة بأطراف سيادية أخرى.
* دبلوماسية السلام الإسرائيلية الجديدة: إلى أين؟
من الواضح أن الأطراف الإسرائيلية تعاني من حالة الضعف وعدم التماسك إزاء موضوع السلام مع سوريا، وهو أمر سينعكس سلباً على دبلوماسية الحكومة الإسرائيلية وحالياً هناك:
• عدم توافق عناصر الائتلاف الإسرائيلي الحاكم في تل أبيب.
• عدم توافق القوام السياسي الإسرائيلي بسبب عدم انسجام توجهات القوى السياسة الإسرائيلية.
• انفصام الثقة والمصداقية بين الحكومة الإسرائيلية والرأي العام الإسرائيلي.
وعلى خلفية كل ذلك يأتي تأثير واشنطن القادم عبر خط واشنطن – تل أبيب. بكلمات أخرى، فإن توجهات الليكود الإسرائيلي يتم تبنيها بواسطة عناصر اللوبي الإسرائيلي المسيطرة على الإدارة الأمريكية بما يترتب عليه تشكيل وجهة نظر أمريكية شرق أوسطية إزاء السلام مع سوريا، غير مواتية لتحالف كاديما الحاكم في تل أبيب.
وتأكيداً لذلك، فقد صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس وهي في طريقها لحضور اجتماع المانحين في لندن، قائلة بأن واشنطن لا تنوي إعاقة الوساطة التركية الجارية حالياًَ بين دمشق وتل أبيب، وما كان جديراً بالملاحظة هو تعليق الوزيرة الأمريكية الذي قالت فيه بأن واشنطن تثق في تل أبيب وتثق في أنقرة، ولكنها لا تثق في دمشق، فهل ستكون نقطة عدم ثقة واشنطن في دمشق التي أشارت إليها الوزيرة هي الخيط الذي ستستخدمه واشنطن من أجل الالتفاف على الوساطة التركية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد