إشكالية إدماج العراق في محيطه السياسي العربي
الجمل: تزايدت اهتمامات الخبراء الإسرائيليين المعنيين بالشأن السياسي العربي لجهة النظر في الكيفية التي ستتم بها عملية إعادة إدماج العراق سياسياً في الإطار السياسي الإقليمي العربي والشرق أوسطي، وفي هذا الخصوص تكشف إحدى الأوراق البحثية التي أعدها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب عن عمق الإشكالية التي يحاول الخبراء الإسرائيليون البحث عن حل معقول لها.
* العراق وخيارات إعادة الإدماج السياسي:
تشير المعلومات أن تل أبيب تتابع بدقة بالغة تطورات الأحداث في العراق.. الداعم للحقوق العربية والحليف لإيران وسوريا هو عراق مرفوض أمريكياً وإسرائيلياً، أما العراق على غرار النموذج الحليف لأمريكا والمعتدلين العرب فهو العراق المطلوب، وهنا تبدو الإشكالية:
• يصعب توجيه الرأي العام العراقي باتجاه معاد لإيران في ظل وجود أغلبية سكانية شيعية تبلغ ما بين 68-70% من إجمالي السكان.
• يصعب توجيه الرأي العام العراقي باتجاه معاد لسوريا في ظل وجود الروابط الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية القديمة والوسيطة والمعاصرة.
• يصعب توجيه الرأي العام العراقي باتجاه تبني الصداقة مع إسرائيل في ظل اقتناع الغالبية العظمى من العراقيين بأن إسرائيل تقف وراء الاحتلال الأمريكي لبلدهم إضافة إلى تاريخ العراق المعاصر المليء بالشواهد التي تؤكد مدى ارتباط الرأي العام العراقي بالوقوف إلى جانب السوريين والفلسطينيين.
• يصعب إدماج الطابع الاجتماعي العراقي الأكثر تحرراً مع الطابع الاجتماعي الخليجي الذي تسيطر عليه السلفية الدينية.
على خلفية هذه الصعوبات وغيرها، من غير الممكن أن تؤدي آليات النظام الديمقراطي وصناديق الاقتراع إلى صعود حكومة عراقية لا تتقيد بهذه المحددات.
* إشكالية التواصل الدبلوماسي العراقي – العربي:
تقول المعلومات والتقارير أن البلدان العربية ما زالت أغلبيتها العظمى تتحفظ إزاء إرسال بعثاتها الدبلوماسية إلى العراق، فقطر وعمان والسعودية برغم موافقتها تحت الضغط الأمريكي على إرسال بعثاتها الدبلوماسية، فإنها ما زالت أكثر تقيداً بتحسن الوضع الأمني العراقي كشرط رئيسي لإرسال بعثاتها الدبلوماسية إلى بغداد، إضافة إلى أن مصر برغم تسمية سفيرها فإنها لم تقم بإرساله ليحل محل السفير المصري السابق الذي تم اغتياله في العراق مع ملاحظة أن سوريا ظلت تواظب على وجود سفيرها في العراق.
تعرض التواصل الدبلوماسي العراقي – العربي إلى العديد من التقلبات التي فاجأت الإسرائيليين والأمريكيين على حد سواء ومن ذلك:
• قدمت الكويت كل التسهيلات الممكنة لقيام القوات الأمريكية بغزو واحتلال العراق ولكن بسبب التطورات الجارية أصبح الكويتيون أكثر رفضاً لتقديم المزيد من التسهيلات خوفاً من انتقال عدوى الصراع العراقي إلى الكويت وبقية دول الخليج.
• تتعاون السلطات السعودية مع أمريكا في الشأن العراقي ولكن الرأي العام السعودي أصبح أكثر عداءاً للوجود الأمريكي في العراق.
على أساس هذه الاعتبارات وغيرها فإن التواصل السياسي والدبلوماسي العربي – العراقي سيكون عرضة للكثير من المشاكل والعقبات وعلى وجه الخصوص إذا ما نظرنا للأمر من زاوية إدماج العراق في منظومة الدول الخليجية باعتبارها النموذج السياسي للدول النفطية الحليفة لأمريكا والمعادية لإيران:
• البحرين: يشكل الشيعة 70% من إجمالي عدد السكان وبالتالي فإن النظام البحريني السني سوف لن يقبل بسهولة التعامل مع أي نظام عراقي يسيطر عليه الشيعة خوفاً من انتقال العدوى إليه.
• الكويت: يشكل الشيعة نسبة 30% من إجمالي عدد السكان وبالتالي فإن النظام الكويتي السني سيجد صعوبة بالغة في الاستمرار في تجاهل حقوق الشيعة في ظل وجود نظام عراقي يسيطر عليه الشيعة الذين يرتبطون بأواصر الدم والقربي مع الشيعة الكويتيين.
• السعودية: يشكل الشيعة نسبة 15% من سكانها وقد أدت روابط السعودية مع أمريكا والموقف السعودي المناهض لإيران إلى حدوث المزيد من التوترات في مناطق شرق المملكة السعودية الغنية بالنفط والتي يتمركز السكان الشيعة فيها وبالتالي فإن النظام السعودي السني سيجد صعوبة في التعامل والتعايش مع نظام عراقي يسيطر عليه الشيعة.
أما التواصل العراقي – المصري والعراقي – المغربي وإلى حد ما العراقي – الأردني فسيكون بلا معنى طالما أن هذه الدول لا قيمة لها بدون دول الخليج والسعودية، إضافة إلى حقائق الجغرافيا والتاريخ التي تجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل تكاملها مع العراق، وبكلمات أخرى من غير الممكن أن يتخطى العراق سوريا وإيران ويتكامل مع مصر والمغرب.
* إشكالية ملء الفراغ الدبلوماسي العراقي:
بغض النظر عن دبلوماسية خط بغداد – طهران ودبلوماسية خط بغداد – أنقرة فإنه من بين كل الدول العربية تبرز ثلاثة خطوط دبلوماسية تتميز بأهميتها القصوى النسبة للعراق وهي:
• خط دبلوماسية بغداد – دمشق: تعرضت علاقات خط بغداد – دمشق للعديد من التوترات حيناً وعمليات التهدئة في أحيان أخرى، ولكنها لم تصل لمرحلة القطيعة الكاملة خلال الأعوام الخمسة الماضية بسبب وجود العديد من الأسباب منها:
- التفاعلات الجارية على طول الحدود العراقية – السورية.
- وجود أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ عراقي في سوريا.
وعلى خلفية التوترات العراقية – السورية الأخيرة من الصعب إن لم يكن من المستحيل على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن يجد بلداً مجاوراً واحداً من جيران العراق يقف إلى جانبه في أزمة علاقاته مع سوريا، فتركيا وبرغم الضغوط الأمريكية والإسرائيلية عليها ما تزال أكثر إصراراً في الضغط على العراق من أجل التوصل إلى التهدئة وحل الخلافات السورية – العراقية.
• خط دبلوماسية بغداد – عمان: عارض ملك الأردن قيام القوات الأمريكية بغزو العراق ولكنه لم يتردد في تقديم الدعم والمساعدة لهم في عملية الغزو، وبسبب ظروف الأردن العامة والخاصة فإنه لن يستطيع أو لا يملك المؤهلات الكافية للتدخل وممارسة التأثير على الساحة السياسية العراقية، وقد سبق أن سعى لذلك الملك الأردني عبد الله الثاني عندما قام بزيارة العاصمة العراقية بغداد ولكنه بسبب التركيب السكاني السني الأردني لم يستطع أن يضغط على الحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة للقبول بإعطاء السنة العراقيين مزايا أكبر من حجمهم السكاني الحقيقي في العراق.
• خط دبلوماسية بغداد – الكويت: على خلفية الاجتياح العراقي للكويت، فقد قدم الكويتيون كل ما هو ممكن من المساعدة للقوات الأمريكية في احتلال العراق، هذا وتعتبر زيارة وزير الخارجية الكويتي للعراق الأولى من نوعها التي يقوم بها منذ 19 عاماً مسؤول كويتي رفيع المستوى لبغداد ولكن برغم ذلك وبرغم الضغوط الأمريكية فإن علاقات خط الكويت – بغداد ما تزال تواجه الملفات العالقة الآتية:
- ملف ترسيم الحدود البرية العراقية – الكويتية وتحديداً المناطق المتنازع عليها والغنية بالنفط.
- ملف ترسيم الحدود البحرية العراقية – الكويتية وحسم هوية الجزر الصغيرة الموجودة في منطقة التداخل البحري الكويتي – العراقي.
- ملف تعويضات الغزو العراقي للكويت التي سبق أن فرضتها الأمم المتحدة على العراق.
- ملف الديون الكويتية الهائلة على النظام العراقي السابق.
وعلى ما يبدو فإن الكويتيين ما زالوا رافضين لتقديم التنازلات في ملفات التعويضات والديون والحدود، وبالقدر ذاته فإن بغداد ما زالت أكثر رفضاً في دفع التعويضات وتسديد الديون وتقديم التنازلات الحدودية، وبين الطرفين تقف واشنطن التي لم تعد قادرة على تفضيل طرف على آخر فالنظام الكويتي حليف لها والحكومة العراقية الحالية حليفة لها أيضاً.
• خط دبلوماسية الرياض – بغداد: تعاونت الرياض بقدر كبير مع النظام العراقي السابق خلال فترة الحرب العراقية – الإيرانية وقد عارضت الرياض قيام ذلك النظام باحتلال الكويت، وعارضت كذلك قيام القوات الأمريكية بغزو واحتلال العراق ولكن برغم ذلك فقد قدمت الرياض المساعدات للقوات الأمريكية عند قيامها بغزو العراق وعلى خلفية التطورات الجارية يمكن الإشارة إلى النقاط الآتية في دبلوماسية خط بغداد – الرياض:
- تدعم الرياض استمرار الوجود الأمريكي في العراق لحماية السكان السنة من الحركات الشيعية العراقية المؤيدة لحكومة الزعماء الشيعة.
- تدعم الرياض الحركات السنية العراقية التي تستهدف الأمريكيين والحركات الشيعية العراقية.
- تسعى الرياض لعرقلة نمو القوة النفطية العراقية لأنها تتيح للعراق إعادة بناء قدراته وهو الأمر الذي تنظر إليه الرياض باعتباره يشكل مصدراً للتهديد والخطر الداهم.
- تسعى الرياض لعرقلة وجود حكومة عراقية يسيطر عليها الشيعة حلفاء إيران وترى أن استمرار الوجد العسكري الأمريكي هو الخيار الأفضل لمنع ذلك.
على هذه الخلفية يرى الإسرائيليون بضرورة استغلال الفراغ الأمني الذي نتج في المدن العراقية بفعل إعادة انتشار القوات الأمريكية خارج هذه المدن بما يتيح توفير المزيد من الذرائع لاستمرار الوجود الأمريكي إضافة إلى ضرورة المضي قدماً في عملية توتير العلاقات العراقية – السورية وبشكل موازٍ لذلك ضرورة المضي قدماً في مخطط التطبيع الإسرائيلي – الخليجي بما يتيح وضعاً أفضل لتمركز إسرائيل وأمريكا في الخليج واستخدام الوجود العسكري الأمريكي في العراق والخليج لإدماج العراق سياسياً ضمن إطار التطبيع الإسرائيلي – الخليجي بما يجعل الإسرائيليين يجدون أولى خطواتهم إلى داخل العراق.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد