تدويل حرب اليمن ومستقبل الصراع السني – الشيعي في المنطقة
الجمل: بدأ الصراع المسلح اليمني الحالي، كنزاع محدد بين القوات المسلحة اليمنية، وجماعة الحوثيين المسلّحة، ولكن، ما هو لافت للنظر والانتباه، تمثل في أن جولة الصراع المسلّح هذه المرّة، تحولت على وجه السرعة إلى حريقٍ كبير، أدى إلى نشوء أزمة سياسية إقليمية، بين اليمن والسعودية وإيران، إضافةً إلى بقية دول الخليج العربي، وبعض القوى والجماعات المسلحة الأخرى، فما هي حقيقة هذا الصراع، وما الذي يوجد وراء كواليسه التي كما هو واضح تضم المزيد من الأطراف ذات الأيادي الخفية في إشغال وإدارة هذا الصراع؟
* ترسيم خارطة الصراع اليمني:
تقع محافظة صعدة اليمنية في الجزء الشمالي – الغربي المتاخم للحدود اليمنية السعودية، وتتميز هذه المحافظة من دون بقيّة محافظات اليمن الأخرى بالآتي:
• وجود أغلبية شيعية سكانية كبيرة، بعكس بقية سكان اليمن الذين ينتمون إلى المذهب الإسلامي السنّي.
• وجود خلافات سعودية – يمنية حدودية حول جزء من أراضي المحافظة.
• وجود تداخل سكاني – مذهبي بين سكان محافظة صعدة ومنطقة جنوب غرب السعودية، وتحديداً محافظة جيزان السعودية.
• وجود البيئة الجبلية الشديدة الوعورة.
الصراع اليمني – اليمني في محافظة صعدة، تمتد جذوره إلى مطلع ستينات القرن الماضي، وذلك بسبب رفض سكان صعدة اليمنيين الذين ينتمون إلى المذهب الشيعي – الزيدي، للضغوط السنية المفروضة عليهم من الجانب السعودي والجانب اليمني، وبكلماتٍ أخرى، يستند موضوع الصراع في صعدة على عامل الهوية الدينية الطائفية، وما يترتب على ذلك من تجاذب ملف الحقوق الدينية - الطائفية بين السنة والشيعة في اليمن، وفي هذا الخصوص، وعلى خلفية هذه الخلافات، نلاحظ الآتي:
- تشدد الجانب السني اليمني في الضغط على الشيعة في محافظة صعدة.
- تشدد الضغط السني - السعودي في الضغط على شيعة صعدة، وأيضاً على الأقليات الشيعية والإسماعيلية الموجودة في مناطق جنوب السعودية المتاخمة لمحافظة صعدة.
على خلفية توتر الأوضاع السياسية اليمنية، وتحديداً منذ عام 2004 م، بدأت أزمة محافظة صعدة، تصعد إلى سطح الأحداث، متخذة مختلف الأشكال والأسباب.
وتقول بعض التسريبات، بأن قيام أحد أخوة الرئيس اليمني الحالي علي عبد الله صالح بتدمير أحد المساجد الشيعية، قد أدى على إثارة حفيظة سكان محافظة صعدة اليمنية، بما أدى إلى تزايد محفّزات الصراع، وعلى وجه الخصوص، تزكية الدوافع النفسية\، التي جعلت أغلبية سكان المحافظة، ترى في حمل السلاح أمراً مبرَّراً لجهة الدفاع عن العقيدة.
* الأطراف الثالثة: لعبة تحريك الصراع:
برغم الخصوصية الداخلية، فإن تداعيات البيئة الإقليمية والدولية، بدأت وهي تؤثر وتتأثر بالصراع اليمني – اليمني، وحالياً، تفيد التقارير لجهة الآتي:
• حصول الحكومة اليمنية على الدعم الأمريكي والغربي، والسعودي والخليجي.
• حصول الشيعة اليمنيون على الدعم الإيراني، ودعم الحركات والفصائل الشيعية الموجودة في المنطقة.
وتأسيساً على ذلك، فقد انتقل الصراع اليمني – اليمني من مجرّد صراع في محافظة صعدة، على صراعٍ إقليمي، أخذ طابعاً عسكرياً، بسبب التدخل العسكري السعودي، وطابعاً سياسياً بسبب تزايد توتر علاقات خط الرياض – طهران، وخط صنعاء – طهران، إضافةً إلى الاستقطابات السياسية والإعلامية التي توسّعت دائرتها بما شمل ظهور بعض العواصم الإقليمية والدولية ضمن خارطة التحالفات المتعلقة بصراع صعدة، وحالياً، تجاوزت المسميات مرحلة استخدام صراع صعدة، إلى تسميات جديدة أخرى ، بما أدى إلى إعادة تنميط الصراع ضمن أسلوبٍ جديد، يفضي لمنظورٍ جديد، ومن أبرز هذه التنميطات: الصراع السني – الشيعي، صراع الوكالة السعودي – الإيراني.
وحتى الآن، وبرغم الإطار الجغرافي المحدد لدائرة الصراع، فإن تزايد التصعيدات، هو الذي يحدد مدى إمكانية تحوّل الصراع منن النمط الداخلي اليمني المحدود إلى النمط الإقليمي الأوسع.
* الأداء السلوكي السياسي – العسكري الأمني السعودي.
تدخلت السعودية، في بداية الأمر سياسياً وإعلامياً إلى جانب السلطات اليمنية، ثم أكملت تدخلها، بقيام القوات السعودية بعملية عسكرية واسعة النطاق ضد محافظة صعدة، تضمنت المحاور الآتية:
• المحور الجوّي: استخدمت القوات السعودية القاذفات وطائرات الهيلكوبتر الهجومية من طراز أباتشي في مهاجمة مواقع الحوثيين الجبلية الحصينة.
• المحور البرّي: تقدمت القوات السعودية من المشاة والمدرعات وتغلغلت في مناطق محافظة صعدة الشمالية.
• المحور البحري: انتشرت القطع البحرية السعودية في مناطق البحر الأحمر المقابلة لمنطقة صعدة، وذلك من أجل اعتراض ووقف ما قالت عنه المصادر السعودية واليمنية والغربية، بأنه عمليات إمداد بحري، لنقل العتاد والسلاح الإيراني عن طريق أرتيريا إلى المسلحين الحوثيين.
هذا، ونلاحظ بأن التدخل العسكري السعودي، يتم حالياً، تحت غطاء إعلامي واسع النطاق، أغرب ما فيه، أنه يتضمن حملةً إعلامية تستهدف إيران باعتبارها المسئول الأول عن تمرّد صعدة، وثانياً المسلح ين الحوثيين باعتبارهم المسئول الثاني.
* الأداء السلوكي السياسي – العسكري – الأمني – الأمريكي:
ظلت علاقات خط واشنطن – صنعاء تركز على التعاون العسكري – الأمني إزاء تعزيز جهود مكافحة تنظيم القاعدة، وبقية الحركات والميليشيات الإسلامية السنية المسلحة الناشطة في الصومال ، اليمن وشبه القارة الهندية، باعتبارها تمارس الإرهاب، ومن أبرز المعالم الدالة على ذلك، قيام الحكومة الأمريكية واليمنية بتوقيع اتفاقية عسكرية، وصفها الخبراء، بأنها تمثّل في الحقيقة صفقةً عسكريةً يمنية – أمريكية تقوم على الآتي:
- التعاون في مجالات التدريب المتعلقة بشئون مكافحة التمرّد.
- التعاون المخابراتي في مجالات مكافحة التمرّد.
وأضافت المعلومات، بأن التوقيع على هذه الاتفاقية قد تمّ أول أمسٍ الثلاثاء في العاصمة اليمنية صنعاء، وذلك بعد مرور يومين من المفاوضات بين الطرفين الأمريكي واليمني، وأشارت المعلومات، إلى أن التفاوض الأمريكي – اليمني، قد بدأ قبل فترةٍ طويلة، وعندما انعقدت جولة التفاوض الأولي، تم تحديد بعض الخطوط العامة، وتحفظات الجانبين اليمني والأمريكي، ومن ثم عند انعقاد جولة التفاوض الثانية، تم التوصل إلى الصيغة المطلوبة، بفعل تقديم صنعاء المزيد من التنازلات، مقابل تقديم واشنطن المزيد من الحوافز.
* مثلث واشنطن – الرياض – صنعاء:
عندما تحدث الصراعات والنزاعات، يكون هناك وضع جزئي يتعلق بالتطورات الميدانية بين الطرفين المتحاربين، ويتميز الوضع الجزئي بالأوضاع الداخلية، وإضافةً لذلك ، يكون هناك «وضع كلّي» يتعلق بالوضع الداخلي والوضع الإقليمي والو ضع الدولي، وتأسيساً على ذلك، نشير على الآتي:
- الوضع الجزئي: ويضم السلطات اليمنية والمسلحين الحوثيين.
- الوضع الكلّي: ويضم على المستوى الإقليمي السعودية ومصر ودول الخليج، إضافةً إلى إيران، وحزب الله اللبناني، والتيار الصدري والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وأيضاًَ ما يُعرف باسم «حزب الله السعودي». أما على المستوى الدولي، فهناك الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، منظمة المؤتمر الإسلامي، إضافةً إلى الجامعة العربية ومنظمة دول تجمّع صنعاء.
يرتبط الوضع الكلّي والوضع الجزئي عن طريق قواعد الاشتباك، وعلى وجه الخصوص العناصر المتعلقة بالآتي:
• تعريف كل واحد من أطراف الصراع لـ «مفهوم العدو» و«مفهوم الصديق».
• تحديد كل واحد من أطراف الصراع لـ «أسلوب التعامل» مع كل من العدو والصديق.
وتأسيساً على ذلك، ما هو جدير بالملاحظة يتمثل في النقاط الآتية:
• سعت واشنطن إلى عقد جولة المفاوضات التالية مع الحكومة اليمنية في وقت تواجه فيه السلطات اليمنية حالةً من الضعف الشديد إزاء القيام بتنفيذ عملية مكافحة التمرّد، فقد تعرضت القوات اليمنية إلى خسائر كبيرة، الأمر الذي أتاح للأمريكيين عند عقد هذه الجولة فرض شروطهم الكاملة على الحدود اليمنية، بما جعل واشنطن تحصل على موافقة صنعاء لجهة التعاون مع أمريكا في كافة الملفات الأمنية والعسكرية المتعلقة ليس باليمن وحده، وإنما بعملية الحرب ضد الإرهاب، ومن المتوقَّع أن تبدأ صنعاء تعاونها مع الجهود الأمريكية في منطقة خليج عدن، وفي الصراع الصومالي، وفي الصراع الأفغاني، والباكستاني، وفي الصراع العراقي، إضافةً على الملف الإيراني... وبالتأكيد، سوف يؤدي ذلك بصنعاء إلى الدخول في دائرة تجمع المعتدلين العرب، وعلينا أن نتوقع بأن تتحول مواقف صنعاء باتجاه دعم السلطة الفلسطينية وحركة فتح في عملية سلام الشرق الأوسط، وقوى 14 آذار اللبنانية، وما شابه ذلك.
• سعت الرياض إلى استعمال التدخل العسكري في شمال اليمن، وتحديداً من محافظة صعدة الحدودية، وعلى خلفية التدخل السعودي، يمكن ملاحظة الآتي:
- التدخل السعودي على المستوى المعلَن: ويركز على ذرائع حفظ الاستقرار وحماية أمن جنوب السعودية، ومكافحة خطر النفوذ الإيراني، ودعم استقرار اليمن.
- التدخل السعودي على المستوى غير المعلَن: يتمير هذا المستوى غير المعلَن بطابعه شديد التعقيد، وذلك لجملة من الأسباب والأهداف التي نجحت الرياض في الحصول عليها، ومن أبرزها، أن السعودية، قد مكنت نفسها تماماً من حسم الخلاف الحدودي اليمني – السعودي، فقد أعلنت السعودية بأن قواتها تدخلت ضمن الأراضي السعودية، وهو إعلان خطير، لأن الأراضي التي تدخلت فيها القوات السعودية هي منطقة جبل الدخان، والجزء الشمالي من محافظة صعدة، وهي الأراضي المتنازع عليها بين السعودية واليمن. والآن، طالما أن السعودية تدخلت رسمياً بالوسائل العسكرية السعودية في هذه المناطق، وطالما أن السعودية قد أعلنت بأن قواتها لم تتدخل في الأراضي اليمنية وإنما في الأراضي السعودية، وطالما أن الحكومة اليمنية لم تعترض على ذلك، ولم تقم بالإعلان عن أنها قد طلبت من السعودية إرسال قواتها إلى هذه الأراضي اليمنية، فإن القانون الدولي، في حال حدوث عملية تحكيم دولي سوف يمنح منطقة جبل الدخان وشمال صعدة إلى السعودية، وإضافةً إلى ذلك، فإنه سوف يكون من حق السعودية عدم إخراج قواتها من منطقة جبل الدخان وشمال صعدة.. وإذا لجأت اليمن إلى التحكيم الدولي، فإنها بالضرورة سوف تخسر الحكم، وبالتالي، علينا ألا نتوقع خروج القوات السعودية من منطقة جبل الدخان وشمال صعدة بسهولة.
وعموماً، لقد تزامن التدخل السعودي مع توقيع اتفاقية التعاون الأمني - العسكري اليمني – الأمريكي، وهذا التزامن، كما هو واضح، سوف يترتب على المزيد من التداعيات، والتي من أبرزها:
• حصول السعودية على منطقة جبل الدخان والجزء الشمالي من محافظة صعدة.
• حصول أمريكا على مزايا التمركز الأمني – العسكري في اليمن.
وإضافةً إلى ذلك، فإن تمركز واشنطن في اليمن، سوف يتيح لها إحكام قبضتها على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، و يتضح ذلك من خلال الآتي:
- في الجانب الغربي: تتمركز واشنطن في جيبوتي، حيث توجد قاعدة لقوات المهام الخاصة الأمريكية المسئولة عن القرن الأفريقي.
- في مياه خليج عدن: تتمركز قوات المهام الخاصة الأمريكية ، وتحديداً الوحدة رقم 150، والوحدة رقم 151 في مياه خليج عدن المطل على ممر باب المندب.
- في الجانب الشرقي: أتاحت الاتفاقية الأمريكية – اليمنية الأخيرة لواشنطن مزايا التمركز في اليمن.
بعد أن تحققت أهداف واشنطن وأهداف الرياض، وتم ابتزاز النظام اليمني سعودياً وأمريكياً، علينا أن نتوقع حدوث التهدئة في صراع صعدة، مع ملاحظة احتمالات أن تتزايد حدة الصراع، إذا تبين لواشنطن أن هناك إمكانية أو بالأحرى فرصة لنقل عدوى صراع صعدة بما يؤدي إلى صراع سني – شيعي جديد في العراق، بما يتيح توسيع هذا الصراع ونقله إلى السعودية نفسها، وذلك بما يتيح لواشنطن ابتزاز السعودية، عن طريق توريطها في مستنقع الحرب اليمنية على غرار ما حدث في الماضي عندما تورطت القوات المصرية أيام عبد الناصر في حرب اليمن.
وعلينا أن نتوقع أن يؤدي نجاح سيناريو توريط السعودية في مستنقع الصراع المسلح اليمني على دفع السعودية إلى دائرة سباق التسلح المحموم من أوسع أبوابها، بحيث تلجأ السعودية إلى شراء الأسلحة الأمريكية بكثافة كبيرة، وهو أمر مرغوب أمريكياً، وعلى وجه الخصوص بواسطة شركات السلاح الأمريكية التي تسعى لفتح أبواب المزيد من العائدات والأرباح التي تساعدها في تجاوز ضغوط الأزمة المالية. وإضافةً إلى ذلك، فإن سيناريو توريط السعودية في مستنقع الحرب اليمنية سوف يكون الأكثر احتمالاً، وذلك لأن اليمنيين سوف يطالبون السعودية بالخروج من منطقة جبل الدخان وشمالي صعدة، وإن سعت السلطات اليمنية إلى التزام خيار الصمت إزا ء إخراج القوات السعودية من الأراضي اليمنية، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى صراع يمني – يمني، ويدفعها أكثر فأكثر على تقديم التنازلات لواشنطن، وهو ما تريده وتطمح إليه واشنطن، طالما أنها تنازلات سو ف تتيح لها ابتزاز ليس صنعاء وحدها، وإنما الرياض أيضاً.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد