النانوتكنولوجيا ترسم آفاق المعلوماتية والاتصالات في القرن 21
ربما أصبح مصطلح نانوتكنولوجيا Nanotechnology مألوفاً في العالم العربي، بل إن بعض الإعلانات التلفزيونية يتحدث عنه، مثل الإعلان عن مُكيّف هواء يعمل بتكنولوجيا النانو! وربما يساعد اللفظ (نانو) عربياً على فهم الصورة العامة لهذه التقنية، لأنها تتخصص في التعامل مع المادة على المستوى الصغير جداً، ما يجعله قريباً من لفظة «نونو» التي تشير إلى الصغير جداً في بعض اللهجات العربية. وعملياً، تتعامل تقنية النانو مع المادة على مستوى الذرّة، إذ يساوي كل نانو جزءاً من الألف من المليون من الشيء! ويعني ذلك أن النانومتر هو كسر من بليون من المتر، والنانوثانية هي جزء من بليون من الثانية وهكذا دواليك. في مقياس النانو، يصبح رأس الدبوس مساحة كبيرة، والثانية زمناً مديداً، والشعرة ملعباً مديداً!
وأوّل من بشّر بالاحتمالات الشاسعة للنانوتكنولوجيا الفيزيائي الشهير ريتشارد فينمان (1918 - 1988)، حامل جائزة نوبل للفيزياء لعام 1965، إذ قدّم النظريات الأولية التي بنيت عليها النانوتكنولوجيا، بداية من أواخر الخمسينات من القرن العشرين.
ربما من المفيد التذكير بأن لهذه التقنية مدرستين كبيرتين. ترفع المدرسة الأولى شعار «صنع أي شيء من أي شيء... تقريباً» Make anything from almost anything، وترتكز الثانية على تقنيات التصغير الفائق «مينيتشرايزيشن» Miniaturization. وتشير المدرسة الأولى الى أن المواد كلها مصنوعة من ذرات، فإذا تمكّنا من تفكيك الأشياء نحصل على ذراتها، ثم يصبح ممكناً إعادة جمع هذه الذرات بالطريقة التي نرغب بها، لصنع أي مادة نريدها. مثلاً، نفكك الحجارة وبعض المواد الأخرى، ثم نركّب ميناء للأسنان التالفة!
وتبدو المدرسة الثانية أكثر تواضعاً، إذ تكتفي بالعمل على تصغير الأشياء للوصول بها الى مستوى أصغر فأصغر. من الواضح أنها مدرسة أكثر عملانية. يكفي أن ننظر إلى الأدوات التقنية التي نستعملها. كان الكومبيوتر بحجم نصف ملعب كرة سلة، ثم أصبح في حجم غرفة، ثم صندوق، ثم صار جهازاً يوضع في الجيب. المفارقة أن الكومبيوتر الحديث الذي يوضع في الجيب، أقوى وأشد تعقيداً من سابقه الذي كان بحجم غرفة، بما لا يقاس. يقال لو أردنا صنع كومبيوتر مكتب عادي معاصر بالطريقة التي صنعت فيها الحواسيب في ستينات القرن الماضي، لوصل حجمه إلى مساحة قرية صغيرة.
إنجازات غيّرت العالم
إذاً، ليس من الصعب تلمّس آثار التقنية النانوية في الأجهزة التي تستعملها الأيدي راهناً. ومن المفيد التذكير بمجموعة من الإنجازات التقنية التي يركّز عليها علماء النانوتكنولوجيا.
1- «نانوتيوب» Nanotube: إحدى الاختراقات الواضحة التي أنجزتها النانوتكنولوجيا هي الأنابيب النانوية (نانوتيوب)، التي توصف بأنها أكثر صلابةً من الألماس، لكنها أرفع من شعرة الرأس بخمسين ألف مرّة.
يعتمد على أنابيب النانو في استخدامات متعددة مثل شاشات التلفزة المسطحة Flat screen TV وشاشات الكومبيوتر التي تعمل باللمس، والحبال التي يربط بها رواد الفضاء أثناء تنقلهم خارج مركباتهم في الفضاء، والرقاقات الإلكترونية الفائقة السرعة والقوة وغيرها. واستخدمت أنابيب النانو في تطوير الأفلام الرقمية بحيث اكتسبت متانة كبيرة وقدرات عالية في حفظ المعلومات لمدة طويلة وغيرها.
2- الحزام النانوي «نانوبِلت» NanoBelt: ويتشكل من خيوط متجانسة من حبيبات غبار متفاعلة مع الأوكسجين، ما يعطيها قدرة فائقة على توصيل شحنات الكهرباء وأنواع من الطاقة.
3- الرقاقة الكومومية Quantum Chip: أعلنت «الوكالة الوطنية الأميركية للطيران والفضاء» (ناسا) عن تصميم رقاقة خاصّة («الرقاقة الكومومية» Quantum Chip) لاستعمالها في تجارب مثيرة للجدال في موضوع بناء كومبيوتر كوموميّ Quantum Computer. والمعلوم أن هذا النوع من الحواسيب، في حال صنعه، سيُحدث ثورة هائلة في المعلوماتية والاتصالات وتقنيات التعامل مع المعطيات الرقمية ومعالجتها. وغني عن القول إن الرقاقة هي العقل المفكر للكومبيوتر، أو بالأحرى فإن «عقل» الكومبيوتر يتألف من مجموعات من الرقاقات. ما هي علاقة الرقاقة الكومومية وحاسوبها، بتقنية النانو؟ الأمر بسيط، اذ يستعمل العلماء مصطلح «كوانتوم» Quantum للإشارة الى أصغر مُكوّن للطاقة، على غرار القول ان الذرّة هي أصغر مُكوّن للمادة. واستطراداً، يرى العلماء أن الطاقة تخرج في ما يشبه حبات المسبحة، وتساوي كل حبّة كوانتوم. إذاً، كما تتعامل النانوتكنولوجيا مع المادة على مستوى الذرّات، تتعاطى مع الطاقة مع أصغر مُكوّناتها وهو الكوانتوم.
معروف أن مهندسي وكالة «ناسا» استخدموا خبراتهم في مجال الأبعاد النانوية والحرارة المنخفضة جداً من أجل بناء رقاقة كوموميّة لتنفيذ مشروع كندي عن كومبيوتر كومومي، وفق ما صرح به أخيراً آلان كلينساسّير، الباحث الرئيسي في برنامج الرقاقة الكومومية في «مختبر الدفع النفاث في باسادينا» (تابع لوكالة «ناسا») في ولاية كاليفورنيا. وأشار كلينساسّير إلى هذا الكومبيوتر بإعتبار أنه «هجين» Hybrid، بمعنى أنه يستعمل رقاقة كومومية، لكن بقية أقسامه تعمل بنُظُم الحواسيب التقليدية.
وأوضح أن الرقاقة الكومومية مبنية من مواد فائقة التوصيل، مثل الألمنيوم والنيوبيوم، مزروعة في صندوق من الهيليوم السائل على حرارة تقارب الصفر المطلق (قرابة 270 درجة مئوية تحت الصفر). وتستطيع الرقاقة الكومومية العمل بسرعة تبدو خيالية، حتى بالمقارنة مع أشد الرقاقات الإلكترونية قوّة.
إذ تعتمد الرقاقة الكومومية على وحدة ذاكرة أساسية تُسمى «كيوبت» باستطاعتها استيعاب الرقمين صفر وواحد في الوقت نفسه، والاشتراك بهذه القيم مع وحدات الذاكرة الأخرى. والمعلوم أن المعالج التقليدي يعمل إما مع الصفر أو الواحد في كل وحدة ذاكرة «بت»، ويعجز عن التعامل مع الرقمين «صفر» و «واحد» في الوقت عينه. والمعلوم أن كل المعلومات الرقمية تكتب بمصفوفات من الصفر والواحد، وهو ما يعرف باسم اللغة الثنائية Binary Language للكومبيوتر.
أحمد شعلان
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد