القتلة: البحث الدائم عن "موبي ديك"
الجمل- مايكل برينر*- ترجمة: د.مالك سلمان:
كانت ملاحقة الكابتن إيهاب الهوَسية ﻠ "موبي ديك" مدفوعة بالتعطش للانتقام. فقد شوهَ الحوتُ العظيم إيهابَ – روحياً وجسدياً. وقد تملكت إيهاب عاطفة استعادة إحساسه بنفسه, واسترجاع كيانه الكلي, من خلال قتله لخصمه الرهيب – وهو دافع لم تضعفه ساقه الخشبية.
أصبحت "حرب" أمريكا "على الإرهاب" مهمتنا القومية لاسترجاع الذات. فالجرح النفسي هو ما يحزننا؛ حيث يشعل عاطفتنا الجمعية للانتقام. فالجرح الجسدي قد التأم. أما الآن فيجب تخليده لكي تصبحَ الندبة مرئية. لم يعق هذا الجرح عملنا أبداً. وبهذا المعنى, لم يكن أكثر من إصبع قدم مكسور. فبعد أحداث 9/11, كان هناك خوف حقيقي من هجوم آخر – وهو شيء نعرف الآن أنه لم يكن على جدول الحسابات. لقد أخصينا عدوَنا؛ فقد تم قتل الشيطان الأكبر في آبوت آباد. كان الدم يخرج فقط من داخلنا, من وخزات طفيفة, وبين فواصل بعيدة.
لكننا لم نتطهر. فمشاعرنا لم تزل جياشة. إذ نعاني من القلق العائم بحرية والذي يسمى الخوف, الخوف من مشاعر الضعف الغامضة, والخوف من ضياع العظمة والسيطرة. فالمجتمع الذي يتحدث بشكل عابر عن "النهاية" في كافة المناسبات تقريباً عاجز عن إيجاد نهاية لهجمات 9/11. فعوضاً عن ذلك, لديه حاجة قوية لتطقيس الخوف, والمضي في هذا البحث العنيد عن الأمن المطلق, وارتكاب أعمال ثأرية عنيفة لا تشفي ولا تروي العطش.
وهكذا ترانا نبحث في البحار السبعة عن وحوش لنقتلها؛ ليس عن "موبي ديك" نفسه, بل عن أدواته, وشركائه, وداعميه, ومساعديه, ومقلديه, والمتعاطفين معه. حيتان من كافة الأصناف, الصغيرة منها والكبيرة, تقع فريسة لرماحنا. وعدد الدلافين البريئة أكبر بكثير. لكنها مجرد غنائم حرب.
وبما أنه لا يوجد "موبي ديك" حقيقي نلاحقه, فقد اخترعنا لعبة افتراضية تمثل عملية الصيد, والمواجهة, والانتقام. وهكذا فقد اعتنقنا صدمة ما بعد 9/11 بدلاً من استئصالها. هذه هي "الحرب على الإرهاب". فالحرب تتعلق بنا – ولم تعد متعلقة بهم.
دمرَ إيهاب نفسه, ودمر طاقمه, ودمر سفينته. فقد ضحى بكل شيء في بحثه هذا – بحث عما لا يمكن الحصول عليه. الولايات المتحدة تضحي بمبادئها في الحرية, وكرامتها السياسية, والثقة التي تشكل أساس الديمقراطية, ومكانتها في العالم بصفتها "أكبر أمل للبشرية", وقدرتها على التعاطف مع الآخرين – بما في ذلك مواطنيها أنفسهم. هاجر "موبي ديك" أمريكا وقام بتحويل نفسه. وهو الآن كامن في أعماقنا. فقتلنا لذاته المتحولة يعني قتلنا لروحنا – تماماً كما غرق إيهاب في أعماق المحيط مقيداً بالحبال التي استخدمها لكي يصيدَ "موبي ديك".
* * *
إن التقلب العاطفي الذي يميز كل شيء متعلق ﺑ "الحرب على الإرهاب" يساعد في توضيح معالمه اللاعقلانية. هذا الأسبوع, أرسل البنتاغون إلى السيناتور ليڤين, رئيس "لجنة الدفاع", لائحة سرية تحتوي على أعدائنا وأهداف الحرب. ومن بينهم "القاعدة, طالبان, والمجموعات المرتبطة بهما". مع أن طالبان لم يقتلوا أمريكياً واحداً خارج أفغانستان, كما أننا نتفاوض معهم الآن. أما بالنسبة إلى "المجموعات المرتبطة", فقد صنف هذا الموضوع على أنه حساس جداً ولا يمكن الإعلان عنه. والمنطق الكامن وراء ذلك: إن هذا سينبه تلك المجموعات إلى حقيقة أنها ملاحقة, ويتم قصفها بالطائرات الآلية, وإبادتها من قبل الولايات المتحدة. لكن أحداً لم يلاحظ غيابَ أي منطق في هذا كله. لماذا؟ لقد جمدت الطبقة السياسية منذ وقت طويل كلَ ملكاتها النقدية عندما يتعلق الأمر بقضايا "الحرب على الإرهاب". حتى البنتاغون لا يعترف أن المجموعات "المرتبطة" تغطي مئات المجموعات الإسلاموية الضعيفة و/أو غير المهتمة بتهديد الولايات المتحدة. هذه مسرحية آلام معاصرة ["مسرحية الآلام": مسرحية تصور آلام السيد المسيح], وليست استراتيجية متعلقة بالأمن القومي.
طفت هذه المشاعر الكامنة على السطح على شكل "منتدى الأمن" الذي عقد برعاية "معهد آسبن" في مطلع شهر تموز/يوليو وجمع مسؤولين وصحفيين وسياسيين وأعضاءَ آخرين من مؤسسة السياسة الخارجية. وتعبر الملاحظات التالية عن الجو الذي ساد جلسات هذا المنتدى, والتي قوبلت كلها بتصفيق حاد:
جون آشكروفت, النائب العام السابق الذي شرعَ الحربَ على الإرهاب في ظل إدارة جورج بوش الابن, أجاب عن سؤال حول اعتماد الولايات المتحدة الزائد على المقاربة "الحركية" لضربات الطائرات الآلية والقوات الخاصة من خلال تذكير الحضور أن الولايات المتحدة تحب أيضاً تعذيب المشتبهين, وليس "إبادتهم" فقط: "لو أننا اعتمدنا على قدرتنا على إبادة الناس لما كان لدينا هذا العدد من الموقوفين ... فقد اتبعنا مقاربة مختلطة تعتمد على الفوارق الدقيقة ... بالنسبة إلى الرجل الذي يواجه صاروخ ‘هيلفاير’ فإنه لا يرى في ذلك أي فارق دقيق ... وربما هناك أشخاص يتمنون أن يكونوا على الطرف الآخر من تلك الصواريخ." وقد علقت كاثرين هيريدج, العاملة في "فوكس نيوز", بالقول: "لديك طريقة مميزة في استخدام الكلمات".
رئيس "هيئة الأمن القومي" السابق مايكل هيدن أكد على أهمية برنامج أوباما في الاغتيالات بواسطة الطائرات الآلية: "هذا هو السؤال الاستراتيجي, ... الناس في باكستان؟ أعتقد أن هذا واضح جداً. اقتلوهم. الناس في اليمن؟ نفس الشيء. اقتلوهم."
علق فيليب مَد, المساعد السابق لمدير "مركز مكافحة الإرهاب" في عهد بوش, قائلاً: "نحن لا نحرق زعماء مافيا [المخدرات] ولكن أنا شخصياً أؤيد ذلك," وقد لاقى هذا الاقتراح تأييداً كبيراً لدى زملائه المتحدثين.
سُئلَ جيمز جيفري, السفير الأمريكي السابق إلى العراق: "ماذا كان بمقدورنا أن نفعل أفضل من ذلك؟" "ليس الكثير, ربما".
الجنرال كيث ألكزاندر: "السبب الذي يدفعنا إلى العمل السري ليس إخفاء ما نفعله عن الشعب الأمريكي, بل إخفاؤه عن أولئك الذين يمشون بينكم ويحاولون قتلكم." ومن هنا جاءت الحاجة إلى التجسس الداخلي غير الموجود برأي ألكزاندر والبيت الأبيض.
تتعاون شركات مثل "إيه تي & تي" و "غوغل" و "مايكروسوفت" مع "هيئة الأمن القومي" لأنهم "يعرفون أننا ننقذ أرواح الناس", كما شرح الجنرال. وتابع قائلاً: "وهذا مفيد للبزنس لأنه بمقدور أشخاص أكثر أن يشتروا منتجاتها."
وقال: "إن مجرد رؤية الناس لنا هنا تبعث فيهم الثقة, لأننا لسنا مجموعة من الغيلان." !!!
http://www.counterpunch.org/2013/07/29/the-exterminators-2/
*مايكل برينر/ بروفسور في العلاقات الدولية, جامعة بيتسبيرغ
تٌرجم عن: ("كاونتربنتش", 29 تموز/يوليو 2013)
إضافة تعليق جديد