"جنيف النووي" يدخل حيز التنفيذ اليوم
يوم جديد في إيران مختلف عن أيام سنين سبقت، ربما هو الأمل بأن تفتح أبواب مرحلة جديدة في علاقة الجمهورية الإسلامية مع الغرب والعالم. إنه يوم 20 كانون الثاني المحدد لبدء تنفيذ الاتفاق النووي المؤقت، وبدء رفع العقوبات الدولية التي رزحت تحتها طهران.
ستخفّض طهران من مستوى التخصيب بحسب ما تمّ الاتفاق عليه إلى خمسة في المئة وما دون، وستفتح أمام المفتشين الدوليين بشكل أوسع بوابات المفاعلات النووية، شخصياً أو عبر العيون الالكترونية المثبتة فوق أجهزة الطرد المركزية، والتي ستكلف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستة ملايين دولار على مدى الأشهر الستة المقبلة، وفي المقابل سيبدأ رفع التجميد الغربي عن جزء من المبالغ الإيرانية المجمدة، 4,2 مليار دولار، حيث ستكون الدفعة الأولى 550 مليون دولار مع بداية شهر شباط المقبل.
تقول طهران إنها لم تخضع للضغوط، لكنها اختارت أن تختبر النوايا بسحب الذرائع التي كان يستعملها الغرب، ومن خلفه الولايات المتحدة، في الضغط على الشعب الإيراني. هي ترى أنها قدمت من أرباحها تنازلات، بينما الرأسمال الأصلي خط أحمر لا يمكن حتى التفكير في لمسه.
التخصيب بنسبة عشرين في المئة كان مجرد ربح صاف إضافي حصلته إيران خلال أعوام ما تصفه بـ"التعنت الأميركي" والتصلب الذي كان تنتهجه هي في المواجهة، وهي أساساً كانت ترى فيه عنصر قوة أظهر نجاعته خلال المفاوضات الماراثونية التي خيضت خلال الأشهر التي سبقت وتلت تسلم الرئيس حسن روحاني مقاليد السلطة، خلفاً للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
من هذا اليوم، ستبدأ عملية بناء الثقة المتبادلة تمهيداً لما هو أكبر، الاتفاق النهائي الذي يعتقد من يعنيهم الأمر أن الطريق إليه سيكون وعراً وصعباً ومكلفاً، بل إنه قد يشهد الكثير من العقبات التي ستجعل فترة الستة أشهر المؤقتة تمتد إلى عام، أو بعض عام.
المشهد مليء بالضباب، كون النهايات المتوقعة فرضياتها بعدد فرضيات القدرة على الحفاظ على ما تم التوصل إليه، لا سيما أن الكونغرس الأميركي وفريق الجمهوريين فيه، يهددون بإسقاطه من زاوية العقوبات الإضافية التي لن يكون الرد الإيراني عليها إلا بحجمها ومضمونها وانعكاسها. العقوبات ستواجه بقرارات ملزمة في مجلس الشورى الإيراني الذي يحتفظ في أحد أدراجه بمشروع قانون مقدم من أكثر من مئتي نائب يطلب رفع مستوى التخصيب الى الستين في المئة.
قد تبدو واشنطن وطهران كعاصمتين وإدارتين تعولان على النجاح، لكن خصوم الرئيسين هنا وهناك يعولون بدورهم على ضرب ما تم التوصل إليه لغايات سياسية انتخابية داخلية، فمن ذا الذي يريد لخصمه أن يحقق إنجازاً بمستوى ما جرى أو ما من المفترض أن يجري؟
إنها حالة يصح فيها القول "طريق ذات الألغام"، والألغام لا تقتصر على الداخل هنا وهناك، بل إن الصراع الإقليمي والمصالح الاقتصادية والتنافس على رسم الخرائط الجديدة بما تحمله من نحت لقواعد اشتباك جديدة يلعب دوره أيضاً.
حلفاء أميركا في المحيط يستفزهم الاتفاق الذي قدم نموذجاً مصغراً لما يعنيه أي تقارب أميركي إيراني للمنطقة، فهناك الحانق وهناك الخائف وما بينهما الرابض على جمر، فلا هو قادر على الاعتراض ولا هو قابل بواقع الحال، وهؤلاء جميعاً عكسوا ما هم فيه إما بشكل سلبي عمم أجواء التوتر بما يخرب على العملية، أو تلقفوا الإشارات وقرروا المضي باتجاه تجرع السم مع ابتسامة كي لا يضطروا إلى القبول به على مضض، والأمر لا يقتصر على حلفاء لأميركا وخصوم لإيران، كون الأمر على الطرفين سيان.
في العودة إلى الداخل، هو النجاح الأول لحكومة روحاني التي بدأت تستشعر الضربات من تحت الطاولة، فلا هي تعجب يمين المحافظين، ولا يسار الإصلاحيين يعاملها كحكومته، لذا فمن المتوقع بعد بدء التنفيذ ووضع الملف ضمن الأطر المسؤولة عنه، أن يشمّر الفريق البنفسجي، لون روحاني المفضل، عن أكمامه للغوص في بحار المطالب الداخلية، والتي أخذ منها ما يشبه فترة السماح، فتتحول الأولوية لخفض مستوى التضخم وتأمين الوظائف، مستفيداً من الاستثمارات التي بدأت تدق الأبواب، ومن الأموال التي ستدخل البلاد.
ففي بلد كإيران ليس سهلاً البتة النوم على حرير إنجاز واحد مهما كان كبيراً، لأن الشارع الإيراني، بغض النظر عن أرائه السياسية، يحترف نوعاً من السلوك الجماعي، عنوانه "خذ وطالب". هكذا هي إستراتيجية الحكومة في علاقاتها الخارجية، وهي عينها إستراتيجية الداخل في العلاقة مع الحكومة.
علي هاشم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد