«كوبي- بيست» يتجه فوراً إلى الكل
ليست تقنية الـ «كوبي- بيست» هي تقنية الاقتباس والمحاكاة. المحاكاة تكرر الجزئيات، وحتى إن هي رمت إلى استنساخ الكل، فإنما عن طريق الأجزاء. المحاكاة تسير نحو الكل بالتدرج. إنها تستهدف الكل بربط الأجزاء في ما بينها. أما الـ»كوبي- بيست» فيتجه تواً إلى الكل. انه يقتطع ما يشاء غير آبه لا بالبتر ولا بالحذف، وأحيانا حتى بالمعنى. كأنه لا يبالي بما يستنسخه بقدر ما ينشغل بعملية الاستنساخ ذاتها.
المحاكاة عملية «ذكية» تتحايل على موضوعها كي تُوفّق في نقله، و هي تبدأ متعثرة فتبذل جهدا متواصلا كي تقترب من أن تكون»طبق الأصل». إنها تستغرق مدة وتتم في الزمان. أما الـ»كوبي- بيست» فهو لحظي، لا يعرف التدرج ولا الانتقال، لا المحاولة و لا الخطأ. انه يكون «طبق الأصل»، أو لا يكون.
الـ»كوبي- بيست» ينتشل النص الذي يستهدفه ليقحمه في السياق الذي يريد. يترجم نصا ما بعد حداثي ليلقي به في ثقافة غارقة في التقليد. يقتطع حيا من مدينة نيويورك ليقيمه في صحراء عربية. يجتزئ مؤسسة سياسية حديثة ليرسيها في تشكيلة قبلية. يستنسخ ما بعد الحداثة ليلصقها بمجتمع تقليدي.
لا تربط الـ»كوبي- بيست» بما يستهدفه علاقة «المغلوب الذي يقلد الغالب»، انه لا يتفاعل مع ما يحاكيه، أو قل إن تفاعله لا يأتي إلا بعد حين. انه لا «يتفاعل» إلا بعد « النسخ والإلصاق»: وهو ما يجعلنا نقتني أحدث أشياء التقنية و نعمل فيما بعد على تكييفها مع عاداتنا و أعرافنا، و نترجم آخر ما استجد في عالم الأفكار و نعمل فيما بعد على هضمها، و نبني أفخم قاعات المسارح ونعمل في ما بعد على ملء فراغاتها. انه ما يجعلنا لا ندرك الحداثة إلا بعد أن تغدو «ما بعد».
عبد السلام بن عبد العالي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد