جدل أمريكي حول دور الصحافة
لا يزال يساور الرأي العام الأميركي الشك وعدم الثقة تجاه وسائل الإعلام والصحفيين، وهذا الشعور- كما ذكر تقرير أميركي ظهر أخيرا- كان متواجدا ومتناميا عبر عقود طويلة مضت، وان كان بعض التحسن قد طرأ فيه في السنوات الأخيرة وأخذ في الحدوث فيما يخص تقبل الأميركيين لمهنة الصحافة وللعاملين فيها.
وذلك على الرغم من وجود تحفظ أميركي تجاه نزاهة الصحافة وحقيقة رغبتها في الدفاع عن الديمقراطية وأيضا تجاه لهجة انتقادها للعسكرية الأميركية.
ويذكر التقرير الذي يحمل عنوان "حالة وسائل الإعلام الإخبارية 2006" أن الأميركيين لسنوات طويلة وخاصة منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي كانوا ينظرون لوسائل الإعلام بأنها صارت أقل حرفية وأقل دقة وأقل عناية واهتماما بالحقائق و ..الأهم أقل التزاما بالأخلاقيات.
واستنتج الباحث الشهير في علم استطلاعات الرأي أندرو كوهت من قراءته للواقع الأميركي أن الأميركيين يعتقدون بأن المؤسسات الإعلامية تعمل غالبا من أجل مصالحها الخاصة الاقتصادية وأن الصحفيين لا يدفعون إلى الأمام إلا الأجندة الخاصة بهم- رغم تكرار تأكيدهم بأنهم يدافعون عن المصلحة العامة.
ويلاحظ التقرير- الذي تناولنا الجزء الأول منه في العدد الـ51 من "تقرير واشنطن"- أن الغالبية العظمي من الأميركيين يدعمون فكرة أن تكون الصحافة "القاضي العادل" وأن 75 بالمائة منهم يعتقدون أن المؤسسات الإخبارية لها اهتمام أكبر بجذب الجمهور الأكثر عددا وأن 19 بالمائة منهم فقط يرون أن تلك المؤسسات مهتمة بإعلام الرأي العام.
ومن ضمن ما كشف عنه التقرير أن 47 بالمائة من الأميركيين يعتقدون أن انتقاد العسكرية يتسبب في إضعاف أنظمة الدفاع الأميركية. وكانت هذه النسبة في عام 1985 تبلغ 31 بالمائة فقط.
وفيما يتعلق بالتلفزيونات المحلية الاميركية يذكر التقرير أن شبكات التلفزيون المحلية عملية مربحة للغاية، خاصة أنها تعد المصدر الرئيسي لحالة الطقس والمرور وأخبار الجريمة الخاصة بالمنطقة.
كما أنها تتعرض لحياة المجتمع المحلي وتعكس بشكل كبير اهتمامات وهموم الناس العاديين.
وتحظى الفترة الصباحية بكثافة مشاهدة أكبر، وحسب التقرير فان إيرادات إعلانات الشبكات المحلية بلغت في العام الماضي 26 مليار دولار. وأن متوسط عدد ساعات الأخبار التي تبثها الشبكات المحلية يوميا لا يزيد عن 3.6 ساعة، وأن 79 بالمائة من الأمريكيين ينظرون بعين الرضا للأخبار المحلية.
اما الإذاعة فتعد تقليدا راسخا في الحياة الأميركية لم يتم الاستغناء عنه مهما تطورت أو تنوعت الوسائط الإعلامية، وللإذاعة سحرها الخاص يعيشه الأحفاد كما عايشه من قبل الأجداد.
وحسب ما جاء في التقرير فان عدد المستمعين للراديو أو الإذاعة بشكلها التقليدي يصل إلى 24,7 مليونا.
وعلى الرغم من توافد أو تواجد وسائل جديدة مثل X M وSirius الراديو الساتاليت أو Podcasts إلا أن الوسيلة التقليدية (الراديو) ما زالت هي المسيطرة على أذان الأميركيين.
ويرصد التقرير ساعات الذروة في النهار واثناء قيادة السيارة ذهابا إلى العمل بأنها المساحة الزمنية الطويلة نسبيا في الاستماع إلى الأخبار والمادة الإخبارية.
وتكشف دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث أن 22 بالمائة من الأميركيين يرون أن الإذاعة هي مصدرهم الرئيسي للتعرف علي الأخبار الأميركية والعالمية.
كما توجد شكوى دائمة من اللغة الخارجة أو الألفاظ غير اللائقة التي تستخدم عبر الأثير دون التعرض لها ويطالب نحو 51 بالمائة من الأميركيين بضرورة تدخل الجهات المعنية بالبث الإذاعي ومحاسبة أو معاقبة المحطات التي لا تلتزم بالحدود.
وبخصوص شبكات التلفزيون القومية فقد شهد عام 2005 غياب جيل كامل من مقدمي أخبار الشبكات الكبرى الذين اعتاد الأميركيون أن يتابعوا الأخبار المحلية والعالية من خلالهم وأن يثقوا فيهم.
وهؤلاء كانوا توم بروكو (من شبكة ان بي سي ـ لرغبته في الابتعاد عن هذا المضمار) ودان راذر (من شبكة سي بي اس ـ بسبب فضيحة إعلامية تورط فيها) وأخيرا بيتر جيننجز ( من شبكة اي بي سي ـ لإصابته ثم وفاته بسرطان الرئة).
ويذكر أن عدد المشاهدين للنشرة الإخبارية المسائية علي الشبكات الثلاثة الكبرى يصل إلى 27 مليونا. ولا وجه للمقارنة علي الإطلاق بين هذا العدد الضخم من المشاهدين والعدد المحدود ممن يتابعون شبكات الكابل ـ مثل سي ان ان أو فوكس نيوز.
في المقابل نجد أن البرامج الإخبارية الصباحية تجذب نحو 14 مليونا فقط من المشاهدين. أما البرنامج الإخباري الأسبوعي الشهير "60 دقيقة" الذي يذاع مساء كل يوم أحد فما يزال يتصدر رأس قائمة البرامج التليفزيونية الأكثر شعبية بمتوسط عدد مشاهدين يصل إلى 15 مليون مشاهد (حسب رصد تم في نوفمبر 2005).
ويذكر التقرير بين صفحاته أن 66 بالمائة من الذين يعترفون بأن الشبكات التليفزيونية تعد المصدر الأساسي للأخبار بالنسبة لهم ـ يرون أن المؤسسات الإخبارية تبدي اهتماما أكبر بجذب المشاهدين أكثر من اهتمامها بتزويدهم بالمعلومات.
فيما يتعلق بشبكات الكابل الاخبارية فان هذا العالم المستجد نسبيا والمتجدد دائما في الإعلام الأمريكي والذي يشمل سي ان ان و فوكس وام اس ان بي سي، يرى التقرير وجود مؤشرات "وسيلة إعلامية أخذة في النضوج". وأن فوكس نيوز تكسب مشاهدين أكثر بعكس كلا من سي ان ان و ام اس ان بي سي، وأن شبكات كابل الإخبارية تنمو ماليا وبالتالي تستثمر أموالها في جمع الأخبار وأعداد البرامج الإخبارية.
إلا أن مضمون هذه الشبكات مازال موضع تساؤل وأيضا انتقاد لأنه غالبا ما يحوي أراء أكثر من احتوائه على أخبار، و أن ما يقوله مراسلوها في الغالب أراء ومشاعر. وفي رصده لشبكة فوكس نيوز الشهيرة يشير التقرير أن مشاهد فوكس يمضي وقتا أطول مع هذه الشبكة خاصة في وقت الأزمات السياسية، وأن أغلب المشاهدين لفوكس- كما هو معروف- من المحافظين والجمهوريين, وأن إيراداتها في السنة الماضية وصلت إلى 614 مليونا من الدولارات، في وقت بلغ فيه نصيب الـ سي ان ان 878 مليونا، إلا أن القفزات التي تقوم بها فوكس لا يمكن تجاهلها خصوصا أنها تقوم الآن بتوسيع إمكانياتها التحريرية من أجل تحسين أدائها الإخباري.
ويذكر أن عدد المكاتب الخارجية لفوكس ثلاثة مكاتب فقط في حين أن سي ان ان لها 24 مكتبا حول العالم. والأمر المثير بالنسبة للمهتمين باقتصاديات شبكات كابل الإخبارية هو نجاح هذه الشبكات في كسب أموال وأيضا ثقة المعلنين.
شهد عالم المجلات الاخبارية في العام الماضي عاما من المتاعب المعتادة والمتكررة خصوصا في انخفاض توزيع كبريات المجلات - " تايم" و"نيوزويك" و "يو اس نيوز" - وذلك لأن المجلة كوسيلة إعلام ومصدر أخبار لم تعد تحتل إلا مركزا متأخرا في قائمة اهتمامات القارئ الأميركي.
كما أن المجلات الشهيرة تراجعت قدرتها على جذب الإعلانات إذ حدث انخفاض بنسبة تتراوح ما بين 10-12 بالمائة في مواردها الإعلانية.
وهذا كان حال كلا من مجلتي "تايم" و"نيوزويك" على وجه التحديد، ولعل الظاهرة الملفتة للانتباه هي مجلة "ذا ويك" (الاسبوع) التي ولدت عام 2001 وتقدم فقط على امتداد صفحاتها المختصر من كل ما في عالم المطبوعات بطريقة ذكية وسلسة وسهلة القراءة.
إذ نجحت هذه المجلة الأسبوعية خلال العام الماضي في زيادة توزيعها بنسبة 38% ليصل إلى 367 ألفا وأيضا في زيادة صفحات الإعلانات بها بنسبة 9بالمائة وإيراداتها الإعلانية بنسبة 63 بالمائة.
لم يكن أمرا غريبا بالنسبة لكبرى المجلات بسبب ما تشهده من أن تستغني عن عدد كبير من العاملين فيها فمجلة "تايم" استغنت عن 105 أما مجلة "بيزنس ويك" فكان نصيبها 60 شخصا.
والملاحظ أيضا في عالم المجلات أن قضايا الترفيه لها الشعبية الكبرى. ولكن هذا لا يعني عدم وجود إقبال وبشكل متزايد على مجلات جادة ومتميزة مثل "نيويوركر" إذ أن هذه المجلة نجحت في العام الماضي في زيادة توزيعها ووصوله إلى نحو مليون نسخة أسبوعيا.
وتبقى ظاهرة الصحافة الجديدة (الصحافة الالكترونية على شبكة الانترنت) فهذه الظاهرة الإعلامية مازالت تتشكل وتتجدد وتتبدل كل يوم، كما أن الصحف الكبرى استغلت مواقعها الالكترونية لتزيد من حيويتها وتأثيرها ودورها الإعلامي وأيضا مواردها المالية.
والسؤال الذي يقف أمامه خبراء الإعلام هو ماذا يعني عام 2017 للصحافة الالكترونية؟
ومبرر الاهتمام بسيط للغاية لأن صحافة الأون لاين أو الصحافة الالكترونية أصبحت آلة اقتصادية-مالية ضخمة إذ أن موارد الصحف من مواقعها الالكترونية تنامت بنسبة 33 بالمائة سنويا.
وإذا استمرت هذه النسبة كما هي سنويا فأنه من المتوقع أن تتساوى مواردها من "أون لاين" مع مواردها من النسخة المطبوعة عام 2017 "إذا حافظت الصحف علي نموها السنوي بنسبة 3بالمائة".
أما الظاهرة الأخرى الهامة فهي الإعلام الناطق بالأسبانية وهو إعلام ينمو ويزدهر تحريريا وإعلانيا وماليا علي امتداد البلاد.
كما أن بعض الصحف الكبرى- مثل واشنطن بوست- حرصت علي تقديم خدمات تحريرية بالاسبانية واقتناء صحف محلية تصدر باللغة ذاتها التي بدأت تهيمن علي الكثير من الولايات الأمريكية.
توماس جورجيسيان
المصدر : ميدل إيست أونلاين
إضافة تعليق جديد