أمراض الحرب تهدد حياة السوريين ومستقبلهم..ووزارة الصحة تحاول حجب الشمس بالغربال!
الحرب وما تبعها من تلوث وفقر وقلة وعي ودمار… أخرجت أمراضاً كانت مندثرة من سنين طويلة في سورية، كما رفعت نسبة أمراض أخرى… كل ذلك في ظل سيطرة قلة الوعي وعدم توافر الرعاية الصحية، خاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة
اللشمانيا… التهاب الكبد… التهاب السحايا… الكوليرا… السرطان والأمراض المناعية، وغيرها من الأمراض المعدية التي انتشرت في مناطق النزاع بعد أن كانت سورية قد تخلصت منها منذ عقود.
الصحة لاتزال تنكر!!
كل ذلك يستوجب استنفاراً كاملاً من وزارة الصحة للتخفيف من عواقب انتشار هذه الأمراض والحد من ارتفاع نسبها، إلا أن الوزارة لا تعترف حتى تبدأ بالعمل الفعلي!!
حيث أكدت وزارة الصحة أنه على الرغم من الحرب على سورية إلا أنها بقيت خالية من الأوبئة والأمراض السارية، بفضل الدعم الحكومي وتأمين أفضل الأدوية واللقاحات بشكل دوري.
وبدلاً من الإجابة على الموضوع، فضلت الوزارة المماطلة طيلة أسبوع رغم تأكيد المسؤول المعني بالملف تقديم إجاباته، والحجة أن الوزير يجب أن يطّلع على الإجابات!!
في الوقت نفسه معظم الأطباء من ذوي الاختصاص يلاحظون وجود انتشار كبير لبعض الأمراض والأوبئة خلال الحرب، وتجاربهم المباشرة كانت أكبر دليل على ذلك، في ظل تعامي الوزارة وإنكارها بدلا من الوقوف أمام المشكلة لوضع الحلول المجدية لها!!
السرطان في المرتبة الأولى
وبرأي أغلب الأطباء احتل السرطان المرتبة الأولى بين الأمراض التي ارتفعت نسب انتشارها خلال الحرب، يقول الدكتور بهجت عكروش عضو هيئة تعليمية في كلية الطب، الجامعة السورية الخاصة، إخصائي في طب الحوادث والطوارئ، إن هناك العديد من الأمراض التي زاد انتشارها خلال الحرب التي تمر بها البلاد، أبرزها السرطانات خاصة في المناطق الشرقية، بعد أن كثر فيها استخراج النفط بشكل عشوائي وتكريره من دون رقابة، لاسيما وأنها كانت خارج سيطرة الدولة، وكثرت بشكل خاص إصابات الأطفال بالسرطان في تلك المناطق، مؤكداً أن هناك أعداد هائلة من إصابات الأطفال في المناطق الشرقية، ولاحظ عكروش ذلك بشكل واضح من خلال متابعته لأطفال مرضى السرطان ضمن مبادرة «ابتسامتي»، حيث كان معظمهم من المنطقة الشرقية، وتتراوح أعمارهم بين العام و12 عاما أي أنهم جميعا أبناء الحرب.
اللاشمانيا والتهاب الكبد
من جهتها تؤكد الطبيبة هبة عيد، أخصائية في أمراض الجهاز الحركي، أن هناك العديد من الأمراض التي زاد انتشارها خلال الحرب، أبرزها اللشمانيا أو حبة حلب حيث كان هناك زيادة واضحة لعدد الإصابات في عدة محافظات، لاسيما أن هذا المرض ينتقل بالعدوى. وتؤكد عيد: شلل الأطفال أيضاً ظهر مجددا خلال الحرب بعد أن كانت سورية قد تخلصت منه نهائيا في وقت سابق، وعادت سورية للتخلص منه مؤخرا حسب ما أعلنت منظمة الصحة العالمية، كما انتشر أيضاً شلل غيلان باريه، والتهاب الكبد الوبائي A، وهو ينتقل عن طريق الأغذية والمياه الملوثة.
وتضيف الطبيبة، بشكل عام، جميع الأمراض التي تنتقل عن طريق العدوى ارتفعت خلال الأزمة، بالشكل الطبيعي بسبب غياب الرعاية الصحية عن العديد من المناطق، وقلة الوعي الصحي فيها .
ولا تؤيد الدكتورة هزار فرعون مديرة الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة هذا الكلام، حيث أشارت في وقت سابق إلى أنه رغم التطور الكبير في استعمال وسائل الوقاية والمكافحة للأمراض، فإن الأمراض السارية والمزمنة ما زالت تشكل تحديا كبيرا للقطاع الصحي في مختلف دول العالم، مؤكدة أن سورية واصلت رغم الظروف الصعبة، تقديم الخدمات العلاجية والوقائية، ولم يلحظ أي انتشار للأمراض السارية، فضلا عن اعتماد الوزارة نظام الإنذار المبكر والاستجابة السريعة كداعم لنظام الترصد للأمراض.
البارود والكربون!!
التلوث الذي سببته الحرب من خلال انتشار روائح البارود والكربون في الجو، أدى بشكل أو بآخر لانتشار العديد من الأمراض، ومن الممكن أن يؤدي إلى ظهور العديد من الأمراض الأخرى مستقبلا…
وهنا يقول الطبيب بهجت عكروش أن هناك أمراضا ظهرت خلال الحرب، بالشكل الطبيعي بسبب حالة التلوث التي تعرّض لها الجو بسبب البارود والكربون نتيجة القذائف والتفجيرات، وهذه مواد سامة وقاتلة وتدمر الخلايا وتؤذي القلب والعيون والرئة، فالأجواء الملوثة رفعت نسبة الإصابة بالأمراض خاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة.
مضيفاً أن الظروف البيئية والاجتماعية وقلة التوعية الصحية في بعض المناطق، دفع الكثير إلى أخذ الأدوية بشكل عشوائي، ما أدى إلى انتشار الأمراض المرتبطة بالمناعة، حيث ارتفعت نسبة الأمراض المزمنة نتيجة عدم وجود الرقابة الدوائية.
وإلى جانب قلة توافر اللقاحات، في بعض المناطق والتي كان لها أثراً واضحاً، بدليل أن سورية كانت قبل الحرب خالية من شلل الأطفال إلا أنه عاد إليها خلال الحرب.
سوء التغذية والاضطرابات النفسية
من جانبه يرى الطبيب سمير مرعي أخصائي في طب الأطفال، أنه وكطبيب في محافظة آمنة، لم يلاحظ بشكل مباشر زيادة في نسب أمراض معينة خلال الأزمة، باستثناء الاضطرابات النفسية كالقلق، وفي ظروف الحرب عادة ما تكون نسبة سوء التغذية مرتفعة، ولمس ذلك من خلال مراجعة المهجرين من المناطق الساخنة إلى المحافظة التي أعمل بها، والفقر وحالة الناس المادية السيئة تسبب بالشكل الطبيعي سوء التغذية خاصة عند الأطفال.
فيروسات جديدة
أما بالنسبة للأطفال في المحافظات الأخرى، كشفت الهيئة العامة لمستشفى الأطفال بدمشق، أنه خلال العام الماضي والجاري ظهرت أمراض وفيروسات جديدة، كانت من مفرزات الحرب، كحالات شلل «غيلان باريه» في اللاذقية ودمشق، والتي تبلغ كلفة معالجة الطفل الواحد منها ما بين 5 إلى 6 ملايين ليرة تحمّلتها الدولة.
وتعود الأسباب لمشكلات تنفسية وسمّية، ورغم وصول عدد الأطفال المصابين في دمشق إلى ما يقارب 60 طفلاً، إلا أنّه لا يوجد وفيّات، إضافة لظهور حالات قصور كلوي متعدّد قد تكون من تلوث الجو، إلى جانب زيادة الإصابات بالسحايا والتسمّم، ورغم وجود هذه الإصابات سابقاً إلا أن الحرب زادت أعدادها، ولاسيما مع وجود فيروسات قوية كانت تظهر على الأطفال وتؤثر على مدة الشفاء.
السنوات القادمة ستحمل أمراضا جديدة!
الفترة القادمة، بعد سنوات، ستظهر في المجتمع السوري أمراضا جديدة وحالات لم تكن موجودة سابقاً، أو أنها كانت موجودة إلا أنها تتفاقم، ومن الممكن أن تظهر مشكلات في الجينات عند الجيل القادم، كما حدث في اليابان حيث ظهرت أثار الحرب على صحتهم بعد سنوات من انتهائها.
والشريحة الأكثر تـأثرا من التلوث الذي خلفته الحرب هم الشيوخ لأن مناعتهم قليلة لتقدمهم في العمر، والأطفال لأن مناعتهم غير مكتملة.
وهنا يشير عكروش إلى أنه يجب أن يكون هناك توجه صريح للمناطق التي كانت خارج سيطرة الدولة، فيتم إجراء مسح شامل للوضع الصحي فيها، ليكون تبعا لذلك بالإمكان أن نتوقع ونستقرئ الأمراض التي من الممكن أن تحملها الأيام القادمة، فنتعلم من تجارب الدول التي مرت بظروف مشابهة، خاصة وأن الكشف المبكر عن الأمراض يساعد في زيادة فرصة التعافي منها.
نصف ذوي الإعاقة… مصابو حرب
منظمة الصحة العالمية كان لها تقرير حول الواقع الصحي في سورية، حيث وجدت أن معدلات التغطية التطعيمية تتأثر في الحرب، وأن 35% من جميع السوريين لا يستطيعون الحصول على مياه شرب آمنة، مما يعرضهم لخطر الإصابة بأمراض منقولة بالماء مثل الأمراض الإسهالية والحمى التيفية.
وأكدت المنظمة في تقريرها أن الظروف المعيشية غير الصحية بمراكز الإيواء في الداخل السوري، وزيادة معدلات سوء التغذية، وانخفاض معدلات التطعيم على نطاق البلاد يزيد من مخاطر تفشي المرض.
كما لاحظ التقرير أن معدلات سوء التغذية تتصاعد، مما يقلل من مناعة الأطفال ضد المرض المعدي المهدد للحياة.
من جانب آخر يقول التقرير: يعاني سوري واحد من بين 30 سورياً من حالة صحية نفسية وخيمة، ويعاني شخص واحد من بين 10 أشخاص من حالة صحية نفسية تتراوح بين الخفيفة والمعتدلة نتيجة التعرض طويل الأمد للعنف.
وتشير التقديرات إلى أن العدد الإجمالي للأشخاص ذوي الإعاقات بأنواعها المختلفة 2,9 ملايين شخص، منهم 1,5 ملايين شخص مصاب بإصابات نتيجة الحروب. وهم يعانون من أوضاع أكثر ضرراً في الحصول على خدمات للرعاية الصحية مطلوبة بشدة.
لماذا تنكر وزارة الصحة؟؟
من الطبيعي أن ترفع الحرب نسبة الإصابات والأمراض في أي بلد، ومن المفترض أن تكون الجهات المعنية على أهبة الاستعداد لمواجهة ارتفاع نسب الأمراض، والكشف المبكر عنها حتى يتم معالجتها بأقل الخسائر
الحرب تركت أثراً كبيراً على صحة السوريين الجسدية والنفسية، وعلى القادم من الأيام أن يحمل خطة منظمة وواضحة لمواجهة التحديات الصحية، التي ستواجه هذا المجتمع بدءا بمسح صحي على مستوى القطر وانتهاءً بآلية منظمة للعلاج، فالرفض والإنكار سيكون له أثراً عكسياً، لأن مواجهة أي مشكلة لا تبدأ قبل الاعتراف بها، فلماذا تنكر وزارة الصحة؟؟
لودي علي
إضافة تعليق جديد