الجنجويد: رجل وسلاح وجواد
عندما دخل اسم الجنجويد فجأة الى البيت الأبيض وأروقة الأمم المتحدة والعواصم الأوروبية قبل بضعة شهور، لم تكن هذه الميليشيات التي تشكل تحالفاً فضفاضاً من القبائل القاطنة في إقليم دارفور، تظن لوهلة انها ستكتسب مثل هذه الشهرة العالمية، حتى من باب <جرائم الإبادة والإرهاب> التي اتهمها بها جورج بوش.
وما زال كثيرون، على الرغم من هذه الشهرة الدموية التي نزلت على تلك القبائل، ينظرون اليها كأشباح غامضة، ويجهلون الكثير عنها، ولا يعرف عنها سوى أنها عربية، وأنها مسلحة، وتوالي الحكومة، وترتكب أعمال عنف ضد القبائل الأفريقية، وأن واشنطن والاتحاد الأوروبي وحلف شمالي الأطلسي، يفكرون جدياً بالتدخل العسكري المباشر، لردعها، او التستر بفكرة ردعها.
فمن هم الجنجويد الذين وافقت الحكومة السودانية على البدء بنزع سلاحهم، بناء على اتفاق السلام الذي وقعته مع فصيل ميني ميناوي في <جيش تحرير السودان> في 5 أيار في أبوجا النيجيرية؟.
يختلف المؤرخون على تفسير كلمة الجنجويد، حيث ان البعض يفسرها على أنها <جن على جواد>، فيما قسّم آخرون الكلمة إلى 3 أجزاء، وهي <جن> بمعنى رجل، و<جاو> أو <جي>، ويقصد بها أن هذا الرجل يحمل سلاحاً من نوع <جيم 3> المنتشر بكثرة في دارفور، و<ويد> ومعناها الجواد، ومعنى الكلمة هو الرجل الذي يمتطي جواداً ويحمل سلاحاً رشاشاً. ويرتدي عناصر الجنجويد غالباً ثياباً بيضاء مثل أهل السودان عموماً، ويمتطون الخيول. ويصفهم البعض بأنهم مجموعة من قطاع الطرق.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن نسبة الأفارقة بين سكان دارفور تبلغ 60 في المئة، فيما تبلغ نسبة العرب 40 في المئة. وتعيش قبائل الزغاوة والمساليت والفور ذات الأصول الإفريقية على الزراعة، في حين تعتمد قبائل بني هلبة وبني فضل والتعايشة والهبانية والزيادية والرزيقات والبقارة ذات الأصول العربية على الرعي في الغالب.
ظهر في دارفور، عام ,1987 تحالف موسع يشمل كل القبائل ذات الأصول العربية في الإقليم، أطلق عليه اسم <التجمع العربي>، ويضم 27 قبيلة، وكان الهدف منه الحد من نفوذ قبائل شمال السودان، أي الجعليين والشايقية والدناقلة. وقد توسع التنظيم ليشمل بعض قبائل كردفان ذات الأصول العربية، وليأخذ التنظيم الجديد اسم <قريش>.
وترجع المجموعة السودانية لحقوق الإنسان في تقرير في عام ,2003 جذور قصة إنشاء الجنجويد والعنف في دارفور بشكل أساسي إلى الحروب الليبية التشادية، والتشادية التشادية في ثمانينيات القرن الماضي، حين واجه الرئيس الحالي إدريس ديبي خصمه حسين حبري، فجند كل طرف بعض المليشيات من أبناء القبائل العربية في شرقي تشاد.
إلا أن منظمة <هيومان رايتس ووتش> تعتبر أن جذور الجنجويد تعود إلى حقبة الرئيس السوداني جعفر النميري (1969 1985)، حين لجأ إلى تجنيد <المرحلين> من قبائل الرزيقات والمسيرية في جنوبي دارفور وكردفان لمواجهة قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون غارانغ، التي بدأت حربها الانفصالية ضد القوات الحكومية عام .1983
ثم اتهمت حكومة الصادق المهدي، ومن بعدها حكومة الرئيس عمر البشير الحالية، بأنها ترعى هذا التنظيم لمواجهة المتمردين، ومن هنا اتخذ الصراع منحى عربياً إفريقياً، بعد أن كان محصوراً في مواجهة بين الرعاة والمزارعين على الأراضي وموارد المياه، في أوقات الجفاف.
ويشير الباحث السوداني حسين الحاج آدم، المتحدر من دارفور، إلى أن الجفاف الذي ضرب الإقليم في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، اجبر القبائل الرعوية على النزوح إلى مناطق القبائل التي تعتمد في معيشتها على الزراعة، ما أدى إلى اشتباكات مستمرة بسبب الصراع على سبل كسب العيش.
وينقسم الجنجويد إلى قسمين، الأول في شمالي دارفور، ويتكون من ميليشيات تابعة للقبائل العربية أو الإبالة، أي التي تمتهن رعي الإبل، فيما يتركز الثاني، وهو الأكبر في الجنوب، ويتألف من أبناء القبائل العربية التي يغلب عليها رعي البقر، ويقدر عددهم بأكثر من 5 آلاف مسلح، ويتحصنون في جبل كرقوَا في أقصى جنوبي غربي دارفور.
ويؤكد أمين دائرة الإعلام والاتصال في <حركة تحرير السودان> المتمردة محجوب حسين أن أعداد الجنجويد تبلغ ما بين 20 الى 30 ألف مقاتل، إلا أن مصدراً في المعارضة السودانية يوضح أن هذا العدد ربما يشمل ايضا القوات شبه الحكومية في دارفور.
فايز عجور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد