زكريا تامر: بيان انتخابي لمرشح معروف مجهول
وإذا انتخبتموني اليوم, فسيتاح لكم التفرج على الجوع يتأرجح تحت أعواد المشنقة ذليلاً مهاناً نادماً على ما ارتكبه من جرائم مروعة, وستنالون ما حلم به أجدادكم من دون أن يتمكنوا من الظفر به, وهو الإحساس بالشبع طوال النهار والليل بعد أن امتلأت مطابخ بيوتكم الفسيحة بالحليب والبيض والفاكهة والخضروات ولحوم الدجاج والخراف الصغيرة والأسماك, وبات لكل مواطن طاهيه الخاص الباريسي المكلف بتلبية كل رغباته, وسمح لكم بارتياد المطاعم الراقية والإغارة على أطعمتها الشهية الباهظة الأسعار مستغلين كرم الدولة المرحبة بدفع ثمن كل ما تستهلكون إيماناً منها بأن العقل السليم لا وجود له إلا في الجسم السليم, والجسم السليم لا وجود له من دون غذاء متنوع صحي.
وإذا انتخبتموني, فسيمتلك كل مواطن بيتاً في المدينة وبيتاً في الريف وبيتاً على شواطىء الريفييرا أو فلوريدا, ولن يدفع أي مستأجر إيجار بيت يسكنه بل صاحب البيت هو الذي سيدفع له ما يستحقه من أجر إذ ستعتبر القوانين الجديدة إقامته بالبيت نوعاً راقياً من أنواع الحراسة المتطورة الذكية.وإذا انتخبتموني, فسيحصل كل مواطن على سيارة مجانية, أما الراغبون في اقتناء سيارات البورش ولامبرغيني, فهم مضطرون إلى شرائها من الأسواق بأسعار مخفضة وبالتقسيط المريح.
وإذا انتخبتموني, فسيكون لكل مواطن أربع زوجات مطيعات جميلات مثيرات يتنافسن على إرضائه, ولا يتركن له أوقات فراغ يبددها في التحدث عن الشؤون السياسية المملة علماً أن العمليات التجميلية المكلفة متاحة للقبيحات والجميلات من غير تمييز وبلا أجر, ولن يجرؤ رجل من الرجال على الشكوى من تعبه لاضطراره إلى الاستحمام وحده إذ ستساعده خبيرات مستوردات من الدول الاسكندنافية.وإذا انتخبتموني, فسيُسمح للنساء بإتقان شتى فنون القتال بغية حماية الرجال المتفرغين لمهمات وطنية سرية أسمى وأخطر وأجدى.وإذا انتخبتموني, فسينام كل المواطنين في بيوتهم فقط نوماً طويلاً مريحاً خالياً من الأحلام المزعجة, ولن يروا في مناماتهم إلا الحدائق والحقول والأنهار والبحار والطيور والقطط والغزلان, وستصبح أيامهم حصاداً لمسرات اليقظة ومسرات النوم.وإذا انتخبتموني, فسيُحدد شارع لكل ناخب من هواة التسكع, يمنحه حصانة تنجيه من تهم مباغتة وويلات السؤال تلو السؤال, وتمكنه من التمتع بدفء شمس الشتاء وضوء القمر البازغ في ليالي الصيف.وإذا انتخبتموني, فستهطل الأمطار والثلوج ساعة تختارون, وسيكون لكل بيت غيمته المكلفة بحمايته من لظى الشمس صيفاً.وإذا انتخبتموني, فسيشتغل كل مواطن ستين دقيقة فقط في اليوم الواحد, فلو كان العمل ممتعاً ومفيداً كما يدعون لكان الخالق جل جلاله أمر عباده المقيمين بالجنة بالعمل.
وإذا انتخبتموني, فلن يرغب أي مواطن في احتساء الخمور ومعصية الله لأن خطبنا البليغة في مجلس الشعب ستتكفل بأن تسكر الناس بغير خمرة وتبديد مال.وإذا انتخبتموني, صار كل مواطن اقطاعياً ورأسمالياً وكادحاً في آن واحد, وزال التفاوت بين الطبقات.وإذا انتخبتموني, فسيتاح لكل الأدباء والصحافيين الشبان دخول السجون بغية إغناء تجاربهم الحياتية وتسجيلها فيما بعد شعراً ونثراً.وإذا انتخبتموني, فلن تطالعوا في الجرائد إلا الأخبار السارة كالزواج والطلاق والوفاة والختان والولادة.وإذا انتخبتموني, فسيكون لكل مدينة بحرها الخاص بها تشجيعاً لهواة السباحة وآكلي السمك الطازج.
وإذا انتخبتموني, فسيتسلح الجيش المفدى بالأسلحة النووية سراً وبالسيوف والرماح والخناجر علانية, وما الحرب إلا خدعة.
وإذا انتخبتموني, فستحصلون على الحرية دفعة واحدة, وسيسجن كل من لا يمارس حريته بإفراط.وإذا انتخبتموني, فستحظر الرقابة على الكتب بحجة أن من راقب كتاباً يوماً قد يُغرى في أيام أخرى بمراقبة عقول الناس وقلوبهم وعروقهم.وإذا انتخبتموني, فستُشن على الأمية حملة إعلامية تهزأ بها بغير رأفة وتجعلها أضحوكة بين الناس, فتضطر إلى الاستحياء والتواري عن الأنظار والهجرة إلى بلاد أخرى.وإذا انتخبتموني, فستُلغى كل الأحزاب, وسيُعامل كل مواطن بمفرده على أنه حزب جماهيري مرخص به, تُحترم إرادته, وتُلبى رغباته وأهواؤه ونزواته.
وإذا انتخبتموني, فستتمتعون بالعمر الطويل بعد مساومات مع الموت الحريص على أن تمنحه بلادنا شهادة حسن سلوك لكونها زبوناً قديماً ذا نشاط وحركة.وإذا انتخبتموني, فلن يشعر أي مواطن بالوحشة بعد موته لأن الحفلات الساهرة ستقام كل ليلة في المقابر, ويتبارى فيها خير المغنين والمغنيات والراقصين والراقصات ونجوم الكوميديا, وستزود كل القبور بالماء والكهرباء والتدفئة شتاء والتبريد صيفاً, وستزود أيضاً بالأجهزة التلفزيونية والجرائد من دون اكتراث لأقلية من المواطنين الغريبي الأطوار الذين يرتجفون هلعاً من قراءة الجريدة, ويزعمون أنها تعذيب وحشي لا يطاق.وإذا انتخبتموني, فلن يهددكم أي مرض, ومن يمرض مصادفة سيُعنى به عشرة أطباء وعشرون ممرضة.
وإذا انتخبتموني, فسيُقضى على الرشوة المتفشية القضاء المبرم عن طريق حذف كلمتها من القواميس والمعاجم والأحاديث اليومية لتحل محلها كلمة ( هدية ) اللطيفة المستساغة المهذبة المؤدبة الرشيقة.وإذا انتخبتموني, فسيُشهّر بسارقي المال العام أبشع تشهير, ويُقام في الساحات العامة تمثال لكل سارق عبرةً لمن يعتبر.وإذا انتخبتموني, فستشهد البلاد نهضةً سينمائيةً جبارةً إذ سيُشترى من كل مواطن سيرة حياته لتتحول فيلماً ناجحاً من أفلام الرعب.
وإذا انتخبتموني, فسيزدهر الشعر الموزون المقفى ويصرع قصيدة النثر تاركاً شعراءها يتراكضون إلى ملاجىء العجزة طلباً لإحسان ثقافي يتولى تقويم ما اعوج.وإذا انتخبتموني, فسينال كل الأدباء جائزة نوبل, وينفقون ملايينها على الزواج والطلاق وشراء الجديد من النراجيل والمرايا. وإذا انتخبتموني, فستُمنع الغربان من النعيب دعماً للتفاؤل, وتخضع لدورات تثقيفية تؤهلها للنعيب في سماء الأعداء فقط.
وإذا انتخبتموني, فقد تنجحون في الهرب من الضرائب المباشرة وغير المباشرة, ولكن باطن أقدامكم وجذور شعر رؤوسكم لن ينجحا في الهرب من ضرب فظ ملتزم سريع متلاحق دقيق منتظم مؤلم لا يستحسن التذمر منه لأنه قد يكشف بعد أعوام طابوراً خامساً يتقن التنكر والمراوغة.
وإذا انتخبتموني, طرتم من الظلمات إلى النور, ومن عالم العبيد إلى عالم الأحرار, ومن جحيم الدنيا إلى جنات الدنيا والآخرة.وإذا انتخبتموني اليوم, فستركعون في يوم من أيام الغد القريب خاشعين شاكرين الله وملائكته ورسله, فمن أعطى أعطى بسخاء.
زكريا تامر
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد