نظام عمل الدولار: ازدهار، أم انهيار؟
الجمل: أدت الحرب العالمية الثانية إلى تدمير كل البنى التحتية في القارة الأوروبية تقريباً، وبالتالي، فقد فقدت، من جراء ذلك، كل الاقتصاديات الأوروبية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، القدرة على تخديم حركة المعاملات الاقتصادية الدولية، وكان أن اتجهت الأنظار في كل الاقتصاديات الرأسمالية، داخل وخارج أوروبا، إلى اقتصاد الولايات المتحدة، باعتباره الأكثر قدرة وكفاءة من غيره.
انتهز الأمريكيون فرصة الدمار الذي حل بأوروبا، وعلى خلفية (مصائب قوم عند قوم فوائد) استطاعوا تحقيق أكبر قدر ممكن من المنافع والمزايا، أهمها: التجارية، والمالية، والصناعية، بعد المفاوضات التي تمت في برايتون وودز، بين الجانب الأمريكي برئاسة مارشال وزير الخزانة الأمريكي، والجانب الأوروبي برئاسة كيز وزير الخزانة البريطاني. هذا بدوره أدى إلى توقيع ما عرف بـ (اتفاقية برايتون وودز)، التي أصبحت معلماً بارزاً في تطوير النظام الاقتصادي العالمي الرأسمالي لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ورغم تركيز هذه الاتفاقية على الآليات النقدية والمالية والتجارية، المتعلقة بحدود تدخل الدولة في توجيه الاقتصاد، على النحو الذي لا يؤثر على آلية قوى السوق والحرية الاقتصادية.
أصبح الاقتصاد الأمريكي، بفضل مزايا ما بعد الحرب الثانية، الداعم الأساسي، وقاطرة النمو الاقتصادي الرأسمالي العالمي، وأصبحت البنوك الأمريكية الأكبر في العالم، من حيث عمق السيولة وتنافسية خدماتها العالمية الجودة، بالشكل الذي أدى إلى ازدهار أكبر سوق مالي في العالم، هو: بورصة داو جونز في نيويورك. وكان من أبرز نتائج ذلك، أن أصبح الدولار الأمريكي رمزاً للقدرة الاقتصادية، بما جعله يمثل الورقة النقدية الوحيدة في العالم، التي ترتفع قيمتها أمام العملات الأخرى يوماً بعد يوم.
الدولار، هو العملة المعتمدة للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي يعتبر بنك الاحتياطي الفيدرالي (فيدرال ريسيرف، أو البنك المركزي الأمريكي)، بمثابة المسؤول الأول في أمريكا والعالم عن إدارة التعامل بالدولار في كل الأسواق المالية والنقدية داخل وخارج الولايات المتحدة. أي أنه هو البنك الذي يتدخل لحماية الدولار، بمختلف الآليات النقدية والمالية، التي تحقق أكبر قدر من المنافع للاقتصاد الأمريكي..
هناك عدة عوامل تؤثر على أداء الدولار في الأسواق، أبرزها:
- العوامل جزئية وأبرزها:
• انفتاح المعاملات المالية والنقدية في الأسواق الغربية.
• نشاط قطاع الخدمات وتجارة الخدمات في أمريكا.
• الإدارة الناشطة لعمليات السوق النقدية والمالية المفتوحة في أمريكا.
- العوامل الكلية وأبرزها:
• تزايد الطلب على الودائع.
• تزايد تدفق رأس المال المباشر وغير المباشر على الأسواق الأمريكية.
• الثقة والمصداقية، التي ظل الاقتصاد الأمريكي يتمتع بها في العالم الغربي الرأسمالي خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
• التأثيرات الإيجابية التي أحدثتها الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الدولية على الاقتصاد الأمريكي.
• الدعم الرأسمالي الأوروبي والياباني والعربي النفطي للاقتصاد الأمريكي.
أدت هذه العوامل، مجتمعة، إلى تراكم الأرصدة المالية والنقدية في العالم، بكميات كبيرة إلى البنوك وشركات الاستثمار الأمريكية،على النحو الذي جعل من بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) صاحب أكبر وأضخم أرصدة مالية نقدية في العالم، والذي بدوره أعطى القدرة لوزارة الخزانة الأمريكية، في القيام بتمويل ميزانية الدولة، دون اللجوء إلى أي إجراءات نقدية تضخمية، ما جعل الحكومة الأمريكية ولفترة طويلة أكثر استقرار في تغطية الإنفاق العام الحكومي الأمريكي، وكذلك فقد أصبح القطاع الخاص الأمريكي يحصل على القروض، وفقاً لأفضل الشروط والمزايا - أي بأقل فائدة، ولأطول فترة ممكنة - وهكذا انتعشت أمريكا، وانتعش اقتصادها، وأصبح الدولار الأمريكي عملة التداول الأكبر والأكثر ثقة ومصداقية في أسواق العالم، إلى أن حدثت هجمات الحادي عشر من أيلول، المثيرة للجدل. وبغض النظر عن الخلاف حولها، إلا أن التبعات الاقتصادية التي تترتب عليها، ما تزال هي الأشد خطراً على الاقتصاد الأمريكي نفسه، لا لجهة المعاناة الاقتصادية والتجارية التي ترتبت على تدهور الأسواق والبورصات العالمية الغربية والأمريكية، وإنما بسبب السيناريو النقدي الذي حدثت بعض فصوله: فالدولار تهبط قيمته يوماً بعد يوم، وترتفع معدلات البطالة والتضخم والأسعار في أمريكا، ويقل الاستثمار، وينخفض الطلب على السلع الأمريكية؛ إضافة إلى أن دولاً كثيرة، تلجأ إلى اتفاقيات الدفع الثنائية والمتعددة الأطراف، بفضل نشوء التكتلات الإقليمية: مثل الاتحاد الأوروبي، والآسيان، وغيرهما.
أصبحت بعض دول العالم أكثر تطرفاً في التعامل مع الاقتصاد الأمريكي، وذلك بلجوئها إلى تمرير معاملاتها المالية عن طريق البورصات العالمية الأوروبية والآسيوية، وذلك تحاشياً وتجنباً لبورصة داو جونز النيويوركية.
بسبب الحرب الأمريكية المفتوحة ضد الإرهاب الباهظة النفقات: ترى هل سوف يزدهر الدولار، أم يثبت عند مستواه، أم ينهار؟
الجمل: قسم الدراسات
إضافة تعليق جديد