ساركوزي يصارح الفرنسيين: الخزينة فارغة
صحت التقديرات التي كانت تشير إلى ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، سيعطي الوضع الفرنسي الداخلي القسط الاكبر من مؤتمره الصحافي الذي عقده امس بحضور أكثر من 450 صحافياً، واستغرق اكثر من ساعتين. وقد لوحظ ان العرض الذي قدمه خلا كلياً من أي اشارة للقضايا الدولية،وخصوصاً أوروبا التي كان يوليها اهتماما خاصاً، كما لم تمنح للصحافة الدولية اي فرصة لطرح الاسئلة، الأمر الذي يفسر توجها من طرف مستشاري الرئيس لتركيز الحديث على الشؤون الداخلية، في اطار سياسة اعلامية هدفها احتواء موجة تراجع شعبيته خلال الأيام الأخيرة في استطلاعات الرأي بسرعة قياسية.
ضمن هذا التوجه أراد “الأليزيه” للمؤتمر الصحافي ان يكون مفتوحاً أمام أكبر قدر من وسائل الاعلام المحلية والدولية، وان يتم نقله مباشرة من طرف العديد من قنوات التلفزيون ومحطات الاذاعة الفرنسية، وذلك من أجل ايصال جملة من الرسائل في وقت واحد: الأولى هي ان ساركوزي رغب مخاطبة الفرنسيين مباشرة، بهدف اعادة ربط الصلة مع الرأي العام الذي بدأ ينفض من حوله، بسبب صعوبة تحقق وعوده الاقتصادية بالسرعة التي كانت مرجوة، ومن جراء الصورة السلبية التي أخذت تتشكل عنه بسبب تكريس وقته لشؤون شخصية، مابين طلاق سيسيليا وغرام كلارا، بالاضافة إلى الاجازات التي أمضاها على نفقة بعض رجال الاعمال، والتي استغلتها المعارضة ووظفتها في سياق الصعوبات التي يعاني منها الفرنسيون. والرسالة الثانية هي مصارحة ساركوزي للفرنسيين بصعوبة الوضع الاقتصادي، ومحاولة رمي المسؤولية عن ظهره في ما يخص جملة العقبات الراهنة التي تعيق انطلاق النمو، فهو في جميع الأحوال لايستطيع ان يفعل المستحيل، ولذا ردد أكثر من مرة “ماذا تريدون مني ان أفعل، هل افرغ الخزائن التي وجدتها فارغة؟”.
أما الرسالة الثالثة التي أرادها ساركوزي من المؤتمر الصحافي هي القول، بأنه من التجني الشروع في محاسبته على الوعود التي اطلقها خلال حملته الانتخابية ،فهو من جهة لايتلخص بذلك، ومن جهة ثانية هو صاحب مشروع متكامل على مدى ولايته الرئاسية التي تقدر بخمس سنوات،وبالتالي فإن اي محاسبة او حكم يجب ان ينطلق من هنا، ويأخذ هذا الأمر في عين الاعتبار. وقدم ساركوزي مشروعه في اطار رؤية خاصة استعارها من الفيلسوف الفرنسي الشهير ادغار موران في إطار “سياسة الحضارة”، وفصلها ضمن جملة من افكار الاصلاح التي تشمل الدستور، النمو، البيئة، التربية، السمعي والبصري، العمل والقدرة الشرائية، الهجرة، المدينة، الصحة، الرأسمالية، الحياة الخاصة، التعديل الحكومي.
ورغم ان ساركوزي اسهب في الحديث عن افكاره ومشاريعه،فإن هناك ملاحظة اساسية طغت على مجمل العرض الذي قدمه، وهي انه كان في وضعية الدفاع عن النفس، رغم انه تصنع الهجوم والنقد إلى حد لم يوفر فيه رؤساء فرنسا السابقين، من جاك شيراك وحتى ليون بليوم مروراً بفرانسوا ميتيران. وقد فسر المراقبون لجوء ساركوزي إلى التبرير والدفاع عن النفس على انه من قبيل تهيئة الفرنسيين لمرحلة شد الاحزمة، بعد ان كان يعدهم بالرخاء السريع.
هذا وافردت الصحف الفرنسية حيزاً واسعاً لعرض محصلة الاشهر السبعة من حكم ساركوزي ومدى تطابقها مع الوعود التي قطعها على نفسه خلال الحملة الانتخابية الرئاسية في ما يتعلق بالوضع الاقتصادي. وذهبت صحيفة “لوموند” نحو الهدف مباشرة، وقالت ان كل المعطيات تنذر بالخطر. وأشارت إلى ان معدل النمو في السنة الحالية سيكون اقل منه عن السنة المنصرمة، وسيكون أقل من 2 في المائة، وتحت معدله المتوسط في منطقة اليورو. وقالت ان ارقام البطالة بعد ان تراجعت على نحو ملحوظ في سنة ،2006 لم تعرف تطورات ملحوظة، وان فرص العمل اقل مما كان يتوقع. أما التجارة الخارجية فهي سجلت عجزا تاريخيا،والدخل العائلي هبط إلى مستوى يعود إلى سنة ،1995 وقالت “لوموند” إنه من التجني تحميل ساركوزي مسؤولية هذا الوضع لأنه لم يتسبب في ارتفاع اسعار المواد الخام، ولا أزمة القرض العقاري في الولايات المتحدة، أو الانكماش الاقتصادي على الصعيد الدولي. ولكنها اخذت عليه وعوده التي وزعها ومنه ايهام الرأي العام بأن انتخابه سيجلب الحل لكل القضايا والمشاكل التي يعاني منها الفرنسيون. وقالت انه يصطدم اليوم بحقيقة أنه لا يمكن حل كل المشاكل بين عشية وضحاها، وهذا ما انعكس من خلال الاماني التي قدمها للفرنسيين في رأس العام، الأمر الذي يفسر تراجع شعبيته مباشرة في استطلاعات الرأي بمعدل .ووجهت “لوموند” نصيحة إلى ساركوزي لكي يراهن على التغيير في سياق الاستمرارية، وعليه ان يتوقف عن لعب دور الفارس الوحيد، وقالت ان امامه فرصة رئاسة فرنسا للاتحاد الاوروبي في النصف الثاني من العام شريطة ان يتواضع ويستمع للآخرين.
بشير البكر
المصدر: الخليج
إضافة تعليق جديد